الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المنطقة الآمنة ومعبر "أوفا كوي" التركي

المنطقة الآمنة ومعبر "أوفا كوي" التركي

12.09.2019
نوبار رمضان محمد


سوريا تي في
الاربعاء 11/9/2019
في 25 أيلول عام 2017 اختار رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني إجراء استفتاءٍ لتقرير مصير إقليم كردستان في الاستقلال عن العراق.
سارعت الدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا مهددةً بعواقب وخيمة حال استمرار الإقليم في إجراء الاستفتاء، وصرح الرئيس رجب طيب أردوغان وقتها بالقول: إن أكراد العراق لا يعرفون كيف يقيمون دولة، مشيراً إلى أنهم سيتضورون جوعاً عندما تُمنع الشاحنات من الذهاب لشمال العراق، وهددت تركيا بإيقاف تصدير النفط القادم من الإقليم إلى أراضيها، والذي تم تنفيذه بالتعاون مع حكومة العراق وقتها، وقد عانَى الإقليم أزمةً اقتصادية خانقة من جراء ذلك، ولكن في خطوة ملفتة سارعت تركيا إلى الاتفاق مع الجانب العراقي على فتح معبر جديد بين الطرفين كبديل عن معبرها الرابط مع العراق عن طريق إقليم كردستان العراق "معبر إبراهيم الخليل" الذي يعتبر الشريان الحيوي لكرد العراق بحجم تجاري بلغ ستة عشر مليار دولار عام 2018 حسب وكالة الأناضول التركية، كانت حصة الإقليم مليارا ونصف المليار دولار.
المعبر الجديد الذي تسعى تركيا إلى إنشائه يطلق عليه اسم "أوفا كوي" ويبدأ من شرق ولاية شرناق التركية (نصيبين) إلى معبر ربيعة (الموصل) الحدودي في العراق، عبر الأراضي السورية (الجزيرة)، هذا المعبر عاد وزير الخارجية التركي إلى طرحه على الحكومة العراقية خلال زيارة قام بها في الشهر الرابع من هذا العام 2019!.. وكانت ظروف تتعلق بسيطرة الحزب الديمقراطي الكردي (ب ي د) على المنطقة
تركيا تدرك جيداً مركزية إقليم كردستان العراق كمحرك وقاعدة صلبة تتحرك منها الخطوات الكردية اللاحقة في باقي الأجزاء
المزمع إنشاء المعبر الجديد فيها أهم عائق أمام تنفيذ المشروع التركي، لكن مع غموض الاتفاق الأمني بين كلٍ من تركيا والولايات المتحدة الأميركية حول المنطقة الآمنة في شمال سوريا يعود السؤال: هل ستستغل تركيا الاتفاقية الأمنية لتنفيذ مشروعها المعلّق "معبر أوفا كوي"؟
تركيا تدرك جيداً مركزية إقليم كردستان العراق كمحرك وقاعدة صلبة تتحرك منها الخطوات الكردية اللاحقة في باقي الأجزاء، وتعلم جيداً أن وجود إقليم كردي يتمتع بشبه استقلال، ومزدهر اقتصادياً يشكّل خطراً على سياستها الرامية إلى إبقاء الكرد ضعفاء، وتحت السيطرة، سياسة الاحتواء هذه أثبتت فشلها، ولم يكن الاستفتاء إلا برهاناً على ذلك، لكن تركيا لا تيأس من المحاولة في كل مرّة تسنح فيها الفرصة، لتسعى جاهدة أن تكون خطوتها المتمثلة بمعبر "أوفا كوي" الخطوة الناجعة للجم الإقليم الكردي من خلال خنقه اقتصادياً.
تركيا التي تعهدت بدفع مبلغ خمسة مليارات دولار لإعادة إعمار العراق لتتصدر بذلك الدول المانحة، تدرك الحجم الكبير للسوق الاستهلاكية في العراق، الدولة الغنية بالنفط، خاصة في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على إيران وانهيار الاقتصاد السوري الجارتين للدولة العراقية.
تسعى تركيا من خلال معبرها إلى ربط الموصل، وكركوك بتركيا مع سعيها إلى افتتاح قنصلية
المعبر لا يشكّل تهديداً اقتصادياً فحسب على الإقليم بل تسعى تركيا من خلاله إلى قطع الطريق بين الإقليم ومناطق نفوذ الإدارة الذاتية، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي
في كركوك وإعادة فتح قنصليتها في الموصل التي أغلقت بعد سيطرة "تنظيم الدولة" على المدينة، ولكنّها تهدف بالدرجة الأساس إلى ضرب القوّة الكردية الفاعلة على الساحة، والمتمثلة بإقليم كردستان.
المعبر لا يشكّل تهديداً اقتصادياً فحسب على الإقليم بل تسعى تركيا من خلاله إلى قطع الطريق بين الإقليم ومناطق نفوذ الإدارة الذاتية، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) ، المصنف تركياً في قائمة الإرهاب كونه امتداداً لحزب العمال الكردستاني، ذلك من خلال قطع الشريان الحيوي بين الطرفين والمتمثل بمعبر "فيش خابور" الرئة الرئيسية لاقتصاد مناطق الإدارة الذاتية، والإمدادات العسكرية واللوجستية، حيثُ يتطلب فتح طريق "أوفا كوي" الحماية الأمنية والتي قد تستخدم ذريعة في انتشار أمني تركي في المنطقة، سياسة قد تظهر بأنها صعبة ولكنّها ممكنة في ظل الخلافات الكردية الكردية، مع سعي كل طرف لبسط نفوذه على مناطق الآخر، ناهيك عن الخلافات الأخرى.
المصالح المشتركة بين أميركا وتركيا العضوين في الحلف الأطلسي يشكّل إمكانية فتح الولايات الأميركية الطريق لتركيا لتنفيذ مشروعها، ولا يستبعد أن تتفق تركيا مع نظام الأسد مقابل تنازلات معينة، لمرور الطريق من أراضيها.
اتفاق الأطراف المعنية بالقضية الكردية مباشرة (العراق، إيران، تركيا، سوريا)، في فترات سابقة، يُعيد احتمالية أن تترك هذه الدول خلافاتها هذه المرّة أيضاً على طرف، لتتفرّغ للقضية الكردية، الهاجس الذي يقلقها على الدوام!...، ولكن السؤال: هل ستتمكن تركيا من تنفيذ مشروعها الهادف إلى ضرب أكثر من قوة كردية بطريق تجاري واحد؟ الجواب قد يكون ذلك صعباً، لكنه أمر ممكن في ظل التنازلات السياسية والمصالح المتبادلة بين القوى الفاعلة على الساحة السورية.