الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المليونير السوري المشرَّد

المليونير السوري المشرَّد

05.09.2015
أحمد عمر



العربي الجديد  
الخميس 3/9/2015
هي مصادفة أن يقطف سوري مشرَّد بألمه ثروة تعادل 100 ألف دولار! رأسماله صورته واقفاً يشرع أقلاماً بيد، ويحمل بالأخرى طفلته في ميتتها الصغرى. اختار الرجل أقلاماً، وليس مناديل لمسح العرق، أو علب كبريت لإحراق الصدور بالنيكوتين، أو علكة لتدريب الأسنان على النهش.  صور كثيرةٌ لسوريات يلدنَ على الرصيف، ولأطفال ينتزعن من تحت الأنقاض أحياء، فما سبب نجاح هذه الصورة؟ هل هو المصدر الغربي؟ فالناشر هو الناشط الأيسلندي، غيسور سيمونرسن، الذي التقط صورة "بائع الأقلام"، في شارع "الحمرا"، وعلى أرجوحة كاهله طفلة نائمة. هل ذكّرنا "الرجل الكنغر" بنعمة النوم التي حرمت منها الطفلة، وهي حاجة دون لقمة الخبز وشربة الماء؟ الموت حق، لكن الحرمان من النوم جريمة.
رأينا بائع الأقلام يظفر بتلك الثروة بعد نداء "اشترِ قلماً"، ويقرر التبرع بجزء من ثروته لباقي اللاجئين. تذكّر الصورة بالأفلام الهندية الناجحة القديمة التي كان أبطالها متسولين، أو عاملين في مهن صغيرة، وكانت الموسيقى عنصراً أساسياً خلت منه هذه الصورة الخرساء الناطقة بموسيقى الفقد.
لم تفلح، حتى الآن، الدعوة إلى مناصرة المبدع، خلدون سنجاب، الممنوع من دخول بريطانيا، مع أن العضو الوحيد الذي يستطيع تحريكه في جسده لسانه. قبلها، تبرّع موسى العمر للعائلة التي خرجت من البيت المدمر، وطفلها يصيح "إخواتي..." بثمانية آلاف دولار. والطفل الذي تبرعت له تركيا بدار، بعد أن اعتدى عليه صاحب محل، وضربه، فكان البيت تعويضاً كريماً. والطفلة رزان خوجة التي تجمع لها التبرعات من أجل معالجتها من السرطان. ولا نعلم مقدار العملة الصعبة التي ابتلتعها قروش البر، وهم يغدرون بالسوريين، وينقلونهم إلى فكوك زملائهم قروش البحر. أعرف مثالاً مبكراً عن إماراتي تبرع باستضافة عائلة سورية قصفت، وفقدت إحدى الطفلتين يدها، وكان الضحايا معدودين في تلك الآونة. لكن، الأمثلة السعيدة فردية وقليلة.
مثال بائع الأقلام إعلامياً مثال سعيد، وأميركي النزعة، يمكن أن يدفع القارئ، أو المشاهد العربي، إلى الشعور بقليل من الرضى، ونسيان أمة كاملة، عزلاء من السيوف والأقلام.
معرض الألم السوري لا ينتهي من الصور التي يمكن بها تسول وطن. فعبد الحليم العطار مثال نادر على "سوبر ستار" النزوح السوري، الطفلة النائمة على كتفه لا تزال حية، وصورة عينيه وهو يطعننا بالأقلام، جعلت القلوب تعطف عليه. رأينا نجمة أخرى على الأخبار، هي عهد التميمي، اختطفت فضائية العربية خبرها، وصدّرته في واجهة "المحل" للبيع إعلاميا. ظهرت من قبل في خبر قبل سنوات، وهي تتحدّى جندياً صهيونياً، وتصيح بوجهه وتتهدده، وتوجّه إليه قبضتها، فيعاملها بحلم تحسده عليه شرطة عشر دول عربية. الجندي الصهيوني منيع وطويل، وهي طفلة صغيرة، وصراخها لن يؤذي أذنيه تحت الخوذة، ثم كان الخبر الثاني، وهي تحاول إنقاذ أخيها مع بقية أهلها من بين براثنه، فلا تجد سلاحاً غير أسنانها، تنجح العائلة، أخيراً، في انتزاع الطفل مكسور الذراع الذي تحدّى بدوره الجندي المدرّع والمخوّذ والملثم.
ثم رأيناها نجمة على الفضائية المذكورة، شقراء وجميلة ومصفوفة الشعر، كأنها عادت من حفلة، لكن الفضائية أرسلت رسالة مختلفة، فالأمور بخير، الطفل عاد والجنود تخلوا عنه، ولا دماء. كان للخبر بريدان: تطبيع مع الواقع، واحتفاء بالانتصار!
قصة فيلم "المليونير المتشرد" أميركية الحبكة هندية الأفكار؛ بطل واحد سعيد يحظى بالملايين، وملايين المشردين يحلمون بحظّه.
في بدايات الثورة السورية، كان النشطاء على الأرض في فسحة من الأمل والعمل، ويصدرون طوابع تذكارية رمزية. لكن، حتى الآن، لم يجمع أحد صورة السوري في أطلس درب الآلام. لدينا صور نستطيع بها أن نفجر الدمع من الصخر، أو نبيع عيدان الأشجار والقصب أقلاما، لكن قلوب الإخوة أشد قسوة من الحجارة.
اشترِ قلماً، ضع ظالماً، زد في تقى.