الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعلن والمضمر في القمة الأمريكية - الروسية

المعلن والمضمر في القمة الأمريكية - الروسية

23.07.2018
د. خليل حسين


الخليج
الاحد 22/7/2018
ليست سابقة أن تكون هلسنكي مكاناً للقاءات القمم الأمريكية -الروسية، فقد شهدت لقاءات إبان الحقبة السوفييتية، تلتها لقاءات أمريكية -روسية كانت في حقبات دولية حساسة، وأتت القمة الأخيرة لترسم معالم فارقة في المضمر، وعادية في المعلن. ففي المباشر أزمات حادة بين موسكو وواشنطن ارتسمت بيئاتها في العديد من المناطق، أوروبياً وشرق أوسطياً، إضافة إلى نظم العقوبات المفروضة على روسيا، وحلفائها، علاوة على حرب تجارية شعواء تقودها واشنطن بمواجهة أوروبا، وتكاد تشمل العالم أجمع، بما فيه الصين، وجميع بيئات منظمة التجارة العالمية. وفي المضمر محاولة للتفاهم ضمنياً على قواعد الاشتباك في بعض الساحات الإقليمية.
فليس مصادفة أن تتزامن أعمال القمة مع مجريات تلتها بعد يومين فقط، أولها انطلاق الكونجرس الأمريكي لجلسة استماع حول الاعتراف الأمريكي بسيادة «إسرائيل» على الجولان السوري المحتل، في وقت إذا عدنا بالذاكرة قبل عام تقريباً، عندما عقد الكونجرس جلسة مماثلة لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، حيث نفذ الأمر بعد شهر من ذلك. والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه الآن هل سيتكرر الأمر مع الاعتراف بالسيادة «الإسرائيلية» على الجولان، في وقت تزامن مع اجتماع الكنيست «الإسرائيلي» الذي أقر قانون نهائية الدولة اليهودية، وعاصمتها القدس في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ جميعها أسئلة ذات صلة مضمرة في الكواليس الدولية، وبالتحديد كمعطيات لبعض التداعيات المفترضة، أو المحتملة للقمة الأمريكية - الروسية.
ثاني المعطيات المفترضة المضمرة هي تنظيم الاشتباك الأمريكي - الروسي في القارة الأوروبية، وهو ما تخشاه معظم الدول الأوروبية، بمن فيهم حلفاء أمريكا الموثوقون سابقاً، والتي زعزعت تصريحات ترامب الأخيرة هذه العلاقات كنموذج ألمانيا وفرنسا، وحتى بريطانيا، الأمر الذي يشي بإمكانية تفاهم أمريكي- روسي على تنظيم عمليات التنافس والتعاون إذا وجد في غير ملف أوروبي من الاقتصاد إلى الأمن، وبالتحديد مظلة الناتو الأمنية، الذي أظهر تذمراً أمريكياً واضحاً من السلوك الأوروبي المالي في تغطية نفقاته، وهو أمر عرفت كيف تديره موسكو تحديداً في توسيع التباين الأوروبي- الأمريكي في هذا الملف تحديداً. وفي مجال أوروبي متصل، ثمة كلام على إمكانية البدء بصفقة أمريكية-روسية تتعلق بالعقوبات، وملف القرم، والتواجد الأمريكي، والروسي، والإيراني في سوريا ، وهو ملف معقد طرحت بداياته في محادثات ثنائية سابقة، لكن يتطلب المزيد من القراءات والمعطيات للبدء بمعالم إيجاد خطط تنفيذية لذلك، لارتباطه بالعديد من الأطراف الإقليمية المستفيدة أو المتضررة من ذلك، وفي طليعتها «إسرائيل»، وإيران، والى حد ما تركيا في بعض جوانب الأزمة السورية الفرعية المتصلة.
أما المعلن منها، فهو ما جاء على لسان الرئيس الروسي في المؤتمر الصحفي المشترك: «الحرب الباردة انتهت منذ فترة طويلة، وأصبح عهد المواجهة الإيديولوجية الحادة بين البلدين في خبر كان، والوضع في العالم تغيّر جذرياً... اليوم تواجه روسيا والولايات المتحدة تحديات أخرى، ومنها الإخلال بتوازن آليات الأمن والاستقرار الدولي، والأزمات الإقليمية، وانتشار مخاطر الإرهاب والجريمة الدولية، وتنامي المشاكل في الاقتصاد العالمي».
إن التدقيق في هذه المفردات السياسية، يؤكد تفاهم الطرفين على قضايا ذات طبيعة علاقات عامة في السياقات الدولية المعتادة، ولا خلاف جوهري فيها من الناحية العملية والفعلية، اقلّه شكلاً، لكن تخفي الكثير من الآليات والأدوات التنفيذية التي يمكن أن تكون على حساب قضايا أخرى ذات صلة في مصالحهما في غير منطقة وقضية.
في أي حال من الأحوال، وإن بدت القمة الأمريكية -الروسية ضرورة واستثناءً في سياق العلاقات الثنائية في مكانها، وزمانها، إلا أن قاعدة لقاءات قمم الدول المتحكمة في النظام العالمي لا تريح، ما أخفي منها وما أعلن عنها، فغالباً ما تتبادل الأدوار في توزيع المغانم والمكاسب على حساب الضعفاء الذين يتأملون دائماً الخير منها، وفي واقع الأمر ما يحاك فيها وبغيرها، لم يكن يوما لمصلحة أدوات الأزمات المفتعلة في غير منطقة من العالم.