الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعضلة التركية في إدلب: هل يمكن مواجهة روسيا وكيف ستدعم أنقرة تنظيماً تصنفه إرهابياً؟

المعضلة التركية في إدلب: هل يمكن مواجهة روسيا وكيف ستدعم أنقرة تنظيماً تصنفه إرهابياً؟

22.08.2019
إسماعيل جمال


القدس العربي
الاربعاء 21/8/2019
إسطنبول – "القدس العربي" : مع اقتراب النظام السوري من إحكام سيطرته على كامل منطقة خان شيخون في إدلب وبالتالي محاصرة وسقوط ما تبقى من مناطق تسيطر عليها المعارضة في ريف حماة، تزايدت الدعوات لتركيا بضرورة التحرك بشكل سريع لوقف قضم النظام لمناطق المعارضة.
وفي ظل التسليم بعدم رغبة تركيا وصعوبة دخولها في مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام السوري وذلك بسبب احتمال توسع المواجهة والدخول في صدام مباشر مع روسيا الداعم الأول للنظام، فإن الدعوات انصبت على ضرورة لجوء أنقرة لتقديم الدعم العسكري المباشر لمقاتلي المعارضة في إدلب، لوقف تقدم النظام وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وتظاهر مئات السوريين في إدلب، مساء الاثنين، مطالبين تركيا بالتحرك لوقف هجوم النظام بصفتها دولة ضامنة، أو تقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية، في حين انتشرت آلاف الكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب تركيا بتقديم الدعم العسكري بشكل سريع في ظل تسارع التقدم البري للنظام. وتركزت المطالب حول ضرورة تقديم أسلحة نوعية للمعارضة السورية، ومنها صواريخ تكتيكية مضادة للطائرات تمكن المعارضة من تحييد سلاح الجو الذي يعزز تفوق النظام وداعمه الروسي في المعركة، إلى جانب تقديم صواريخ مضادة للدروع موجهة بالليزر والتي ثبت فاعليتها في وقف التقدم البري خلال المعارك التي شهدتها سوريا طوال السنوات الماضية.
ولكن على الأرض، تبدو المقاربة أعقد من هذه المطالبات بكثير، حيث تثبت خريطة السيطرة على الأرض أن القوة الحقيقية المعارضة في شمالي سوريا ليست ما يسمى بـ"المعارضة المعتدلة" أو الوحدات المدعومة من تركيا بشكل مباشر، وإنما هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً).
وعلى الرغم من أن الهيئة غيرت اسمها من جبهة النصرة المرتبطة بشكل مباشر بتنظيم القاعدة، والارتباط التاريخي بين اسمه والإرهاب حول العالم، إلا أنها بقيت تعتبر "تنظيماً جهادياً" و"تنظيماً مرتبطاً بالقاعدة"، وتوصف بأنها "تنظيم متشدد"، من قبل معظم الأطراف الدولية ووسائل الإعلام العالمية.
وقبل نحو عام، لجأت أيضاً تركيا بنفسها إلى إضافة هيئة تحرير الشام إلى قائمة التنظيمات الإرهابية في تركيا، حيث ماطلت لسنوات لاعتبارها أحد تفرعات المعارضة السورية، لكنها اضطرت بفعل الضغوط الدولية والروسية لوضعها على قائمة التنظيمات الإرهابية، ما فتح صفحة جديدة في سجل تعامل تركيا مع التنظيم الذي يسيطر على أغلب إدلب الملاصقة للحدود التركية.
التصنيف الدولي لهيئة تحرير الشام وما أعقبه من تصنيف تركي لها على لائحة المنظمات الإرهابية جعل من مساحة التعامل التركية مع التنظيم ضيقة جداً وحساسة للغاية، وذلك خشية استغلال الكثير من الأطراف السياسية والإعلامية الدولية للأمر للانقضاض على أنقرة واتهامها بالتساهل مع التنظيمات الإرهابية في سوريا.
وفي إدلب، رغبت تركيا وبقوة طوال الأشهر الماضية بتعزيز صمود فصائل المعارضة بشكل عام، ومنع النظام من التقدم براً في المحافظة، وسعت إلى تقديم الدعم العسكري والتوجيهات الاستراتيجية وغيرها من أنواع الدعم التي بقيت ضمن الخطوط الحمراء المتعارف عليها ولم تشمل تقديم أسلحة مضادة للطائرات وشملت أسلحة مضادة للدروع بشكل محدود ومضبوط.
هذا الدعم، لم يغير المعادلة العسكرية على الأرض، لأسباب عدة أبرزها أنه بقي محدوداً ومحكوماً بالخطوط الحمراء القائمة على عدم تقديم سلاح نوعي يمكن أن يستهدف الطائرات الروسية، وأن نفوذ وقدرة وتأثير من تصنف بأنها "قوات المعارضة السورية المعتدلة" يبقى محدوداً مقارنة بالقدرة القتالية لهيئة تحرير الشام وقدرتها على تغيير مسار المعركة في إدلب.
فحتى الأيام الأخيرة، وعقب تحرك من قوات "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا لجبهات القتال، وتأكيد مصادر سورية تقديم أنقرة دعماً عسكرياً لـ"الفصائل المعتدلة" طوال الأسابيع الماضية، إلا أن هذه الاستراتيجية لم تنجح في تغيير المعادلة العسكرية على الأرض كونها لم تشمل هيئة تحرير الشام.
وتجد أنقرة صعوبة كبيرة جداً في تقديم دعم مباشر أو حتى غير مباشر لهيئة تحرير الشام، فهو تنظيم مصنف "إرهابياً" على القوائم التركية والدولية، وهي مخاطرة كبيرة يمكن أن تتسبب لتركيا بإحراج كبير على المستوى الدولي وأزمة سياسية وربما عسكرية كبيرة مع روسيا.
وما يزيد من صعوبة الموقف التركي، انحصار مناطق سيطرة المعارضة السورية شمالي سوريا، وبالتالي فإن أي أسلحة تصل إلى إدلب أو محيطها سيكون من المسلم به أنها وصلت من خلال الأراضي التركية، فأنقرة ليس لديها أي وسيلة أو إمكانية للتهرب من المسؤولية عن أي إيصال أو السماح بإيصال أسلحة جديدة إلى المنطقة، وبالتالي فإنه سيكون عليها الاستعداد لتحمل التبعات العسكرية والسياسية لتمرير أسلحة نوعية يمكن أن تتسبب في تدمير دبابات او إسقاط طائرات روسية وهي مغامرة كبيرة لم تقرر تركيا دخولها طوال الأشهر الماضية، ولا يبدو أنها مستعدة لدخولها الآن وتحمّل تكاليفها الباهظة.