الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعارضة السورية في معركتها الأخيرة في إدلب

المعارضة السورية في معركتها الأخيرة في إدلب

01.06.2019
رضوان زيادة


سوريا تي في
الخميس 30/5/2019
بدأ النظام السوري منذ أسبوعين تقريبا حملته العسكرية على ريف حماة وإدلب والمناطق الواقعة في الشمال السوري، والتي ما تزال المعارضة السورية المسلحة تتمركز فيها رغم نجاح النظام السوري في السيطرة على الكثير من المناطق في محيط دمشق وحلب خلال السنتين الأخيرتين، بالاعتماد المطلق على الدعم الروسي وعلى الميليشيات الإيرانية التي تقاتل على الأرض لحسابه.
استطاعت تركيا خلال الأشهر الماضية وبدعم محدود من الولايات المتحدة تأجيل معركة إدلب، باللجوء إلى الدبلوماسية عبر بناء تفاهمات مع روسيا بشأن الحفاظ على إدلب كجزء
الولايات المتحدة وخاصة إدارة ترمب صمتت بشكل كامل عن التصعيد العسكري الأخير الذي يقوده النظام السوري ضد إدلب
من مناطق خفض التصعيد التي اتفق عليها خلال مفاوضات أستانا، وبالرغم من أن روسيا نكثت هذه التفاهمات في كل مرة تجد الفرصة مناسبة للقضاء على المعارضة المسلحة، وتقوية النظام السوري في هذه المناطق المستعادة خاصة في درعا والريف الدمشقي.
تركيا التي توقعت المعركة بعد فشل الجولة الأخيرة من مباحثات أستانا بدت غير متفاجئة بقصف النظام السوري للقرى والبلدات في ريف إدلب، حيث ارتكبت قوات النظام أكثر من مجزرة عبر العودة إلى استخدام البراميل المتفجرة العشوائية ضد المدنيين في إدلب، حاولت في البداية الاحتجاج لدى روسيا لكنها على ما يبدو حصلت على إجابة فاترة، كما أن الولايات المتحدة وخاصة إدارة ترمب صمتت بشكل كامل عن التصعيد العسكري الأخير الذي يقوده النظام السوري ضد إدلب، فيما فهم ضوء أخضر من إدارة ترمب وتركيا لقيام النظام السوري بالمهمة وهي طرد جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام من آخر معاقلها في إدلب بعد فشل كل الحلول التفاوضية التي كانت تركيا قد اقترحتها.
تركيا تتخوف بشكل كبير من العملية لأن من شأنها أن تقود إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة لجهة عدد اللاجئين والنازحين على حدودها، حيث لجأ الكثير من سكان هذه المناطق مثل كفرنبودة التي دارت حولها معارك طاحنة بين قوات النظام السوري والمعارضة المسلحة كلفت أكثر من 400 قتيل منذ بدء المعارك في 24 نيسان الماضي. وكذلك مناطق قلعة المضيق وبلدات سهل الغاب وريف إدلب الجنوبي حيث تحول سكان كل هذه المناطق تقريبا إلى نازحين في مخيمات فقيرة تنقصها الحاجات الأساسية أو المرافق الحيوية على الحدود التركية. وقد قدرت الأمم المتحدة نزوح أكثر 200 ألف شخص جراء المعارك الأخيرة علما أن معظمهم يعد هذا نزوحه الثاني أو الثالث هروبا من المعارك التي جرت خلال السنة الأخيرة في مناطق أخيرة حماة أو ريف دمشق.
وعاد سلاح الجو السوري لاستهداف المرافق الحيوية كالمدارس والمستشفيات بوصفها أهدافا مشروعة بالنسبة له، طالما أنها جزء من الاستراتيجية في حرق مناطق المعارضة ونزوح سكانها ولو بشكل شبه كامل.
كيف يمكن قراءة هذه المعركة إذا ولماذا لم تنجح التسويات الإقليمية والدولية الأخيرة في تثبيت عدم التصعيد فيها.
منذ وصول الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض كاد الملف السوري يختفي من السياسة الخارجية الأميركية، بالرغم من ارتباطه بالكثير من الملفات الإقليمية والإنسانية وبالرغم من الرسالة الأخيرة التي وجهها أكثر من 400 عضو بالكونغرس الأميركي إلى الرئيس ترمب مطالبين إياه بدور قيادي في الملف السوري، لكن صفة "اللاتوقعية" التي وصمت سياساته الداخلية والخارجية هي التي تكررت في طريقة إدارته للملف السوري، فبالرغم من أن الرئيس ترمب تدخل بشكل حاسم بعد ثبوت استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في خان شيحون في إدلب، وقام بقصف عدد من المواقع التابعة للنظام السوري والتي أعلن عنها قبل استهدافها عبر إخبار روسيا بقائمة المواقع، بعدها ازدادت الأصوات المطالبة بتطوير استراتيجية للتعامل مع الأزمة المتفاقمة في سوريا، لكن اهتمام الرئيس ترمب بالملف السوري لم يتجاوز أياما قبل أن ينتقل إلى ملف آخر لكوريا الشمالية والآن إيران من دون تحقيق أية إنجازات أو اختراقات في هذه الملفات.
وهو ما فهمته روسيا بشكل جيد ومن خلفه النظام السوري الذين أيقنا أن الموقف الأميركي مما يجري في سوريا لن يشكل أية أولوية للبيت ألأبيض الذي انتقل للتركيز بشكل أكبر على إيران ومضاعفة العقوبات الاقتصادية عليها مع الإشارة إلى دور ميليشياتها في سوريا دون وضع خيار مواجهتها أو محاربتها في سوريا الذي كان جزءا من التفاهمات في الجنوب السوري لكنه سحب مع ازدياد التمدد الإيراني في المدن والبلدات السورية.
واليوم يصمت الرئيس ترمب كليا عن التصعيد العسكري الأخير الذي يقوده النظام مع القوات السورية في إدلب مما يوحي بضوء أخضر أميركي لروسيا في إنهاء المعركة العسكرية الأخيرة في إدلب وبأسرع وقت.
وهو ما وضع تركيا في وضع صعب جداً فهي من جهة ترفض العملية العسكرية في إدلب بسبب تداعياتها الخطيرة عليها، لكنها لا تستطيع مقاومة الضغوط الروسية والتعامل مع التجاهل الأميركي للملف مما دفعها لدعم المعارضة السورية المسلحة ولو بشكل سري، منعا من إغضاب روسيا التي اتهمت تركيا بتسليح المعارضة السورية في معركتها الأخيرة في كفرنبودة التي تمكنت المعارضة من استعادتها بعد ساعات قليلة من سيطرة النظام عليها، وأسر عدد كبير من قادة الميليشيات التي تقاتل إلى جانب النظام السوري.
أما إيران فإنها ما زالت تضع ثقلها عبر ميلشياتها التي تقاتل إلى جانب النظام السوري بهدف تمكن النظام
المعارضة المسلحة ربما تخوض معاركها الأخيرة اليوم وحدها، فلا تركيا تستطيع أن تقدم لها الدعم الكافي لصمودها ولا الولايات المتحدة مهتمة بشكل كاف
من السيطرة على كل الأراضي السوري و"هزيمة الإرهاب" مهما كانت التكلفة البشرية والإنسانية عالية بالنسبة للشعب السوري، لأنها ترى في ذلك رسالة إلى الشعب الإيراني في الداخل والمعارضة الإيرانية أنها لن تتوانى عن تكرار نفس السيناريو السوري مقابل بقاء النظام والحفاظ على نخبته الحاكمة متمثلة في الحرس الثوري والخامنئي.
ولذلك فلها مصلحة حقيقة في إنهاء إدلب وبالطريقة ذاتها التي تم فيها القضاء على المعارضة المسلحة في مناطق أخرى من سوريا، ولذلك يمكن القول إن المعارضة المسلحة ربما تخوض معاركها الأخيرة اليوم وحدها، فلا تركيا تستطيع أن تقدم لها الدعم الكافي لصمودها ولا الولايات المتحدة مهتمة بشكل كاف بإيجاد مخرج سلمي لحل أو إجبار روسيا والنظام السوري على إيجاد حلول أخرى لإخراج هيئة تحرير الشام من إدلب.