الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المشروع الإيراني في المنطقة العربية صراع التاريخ والهيمنه

المشروع الإيراني في المنطقة العربية صراع التاريخ والهيمنه

19.08.2017
عبد الحميد المجالي


الدستور
الخميس 17/8/2017
يخطئ من يعتقد ان المشروع الايراني في المنطقة العربية يمكن حصره فقط في نطاق العقيدة الطائفية. فالمشروع الايراني مشروع جيو سياسي له مرتكزاته وثوابته في السياسة الخارجية الايرانية التي لاتتغير بتغير الاشخاص مهما كانت اتجاهاتهم، ولذلك فانه من السذاجة التعويل على ما يسمى بالصراع بين المحافظين والاصلاحيين، على امل تغيير هذه السياسة، فسياسة طهران لم تتغير وظلت في مضمونها كما هي في عهود الرؤساء المحافظين والاصلاحيين؛ لان من يسيطر على الحكم، هو المرشد والحرس الثوري، وباقي السلطات مجرد هياكل شكلية تنفذ ولاتقرر.
ومن أول وأهم المرتكزات والعوامل المؤثرة بصورة دائمة في هذا المشروع، هو الجغرافيا. حيث تحتل ايران مساحة كبيرة من غربي اسيا تصل الى مليون كيلو متر مربع تطل من خلالها على منافذ بحرية وبرية مهمة في وسط القاره، فشمالا لها شواطئها على بحر قزوين، اما جنوبا فلها اطلالة اقامت عليها قواعد بحرية خاصة في الخليج العربي، حيث تعد هذه القواعد ممرا الى المحيطات والبحار المفتوحة كبحر العرب والمحيط الهندي، كما تسعى ايران حسب تصريحات مسؤولين في الحرس الثوري، الى اقامة قاعدة بحرية على البحر المتوسط تطل بها على اوروبا، واخرى في اليمن تطل بها على افريقيا، لتضع بذلك المنطقة العربية في اطار سوار محكم من القواعد العسكرية امتدادا من الخليج العربي الى البحر الاحمر فالمتوسط، اضافة الى تحكمها في مضائق مهمة كمضيق هرمز ومضيق باب المندب، والحركة البحرية من والى قناة السويس. وثاني هذه العوامل التاريخ الذي يتلازم مع الجغرافيا في رسم وصياغة السياسة الخارجية لايران، حيث تستثمر هذا العامل في تفسير الماضي والاستفادة منه في تعبئة الجيل الجديد وطنيا وفكريا، وتحديد وجهته نحو المستقبل. فالدولة الايرانية برزت الى الوجود قبل ظهور الاسلام باثني عشر قرنا، سيطرت خلالها على معظم البلاد العربية. ولذلك فان التاريخ اصبح عاملا مهما في رسم سياسة التوسع الخارجي، على امل ان يعيد هذا الجيل امجاد الماضي.وبناء عليه فانها تتعامل مع العرب تعاملا فوقيا باعتبارهم ظلوا قرونا من الرعايا الثانويين للدولة الفارسية. اما ثالث هذه العوامل فهو العامل العقائدي، الذي وجدت فيه عاملا مهما للحفاظ على هويتها القومية والثقافية، ووسيلة اختراق للدول العربية والاسلامية، وما حصل من حروب بين الدولتين الصفوية والعثمانية، وما يجري الآن في العراق وسوريا واليمن ولبنان والخليج، يقع في هذا الاطار.
داخليا تعامل ايران الشيعي العربي من منطلق قومي عنصري، وتعامل السنة فيها باعتبارهم خارجين من الملة اولا، ويمثلون مشروعا عروبيا، حيث تعتبر العرب عدوا ثقافيا وتاريخيا. لكنها في الخارج تستغل العامل العاطفي في التعامل مع الشيعة العرب وغير العرب لربطهم بايران من خلال الخطاب الطائفي المبني على العاطفة والمظلومية.كما اتخذت من القضية الفلسطينية غطاء لكسب التعاطف العربي والاسلامي السني، ومن الاقليات الشيعية حصان طرواده، في الوقت الذي تتخذ من معاداة امريكا واسرائيل شعارا معلنا تكذبه الحقائق والاسرار الخفية.
لقد اعتمدت ايران على هذه العوامل اساسا لتصدير الثورة المنصوص عليه في دستورها، والذي يعني التوسع وبسط السيطره في عموم الشرق الاوسط، مستغلة بعض الظروف الدينية والسياسية والتاريخية والاقتصادية لتحقيق اهدافها التي اتخذت الى جانب الادوات الاخرى ادوات ثقافية. فلقد اسست المراكز الثقافية التابعة لوزارة الخارجية في العشرات من الدول، بالاضافة الى عشرات المنظمات الدينية والاغاثية التي تحتمي باغطية مختلفة لتحقيق اهداف سياسيه.
ويمكن حصر اهداف المشروع الايراني بما يلي :
اولا : الامن القومي الايراني.
ثانيا :العمل على المنطلق المذهبي وخاصة ولاية الفقيه وفي اطاره مبدأ تصدير الثورة.
ثالثا : تكريس الهيمنة على المنطقة العربية باعتبار النظام العربي الحلقة الاضعف في المنطقة. ولهذا تتجه في سياستها التوسعية باتجاه الغرب، وليس الى الشرق من حدودها نظرا لوجود دول قوية لاتستطيع الدخول في نزاع معها مثل الهند وباكستان.
رابعا : تحسين الموقف التفاوضي مع الغرب للحصول على مكاسب أكبر، واثبات انها الدولة الاقليمية القوية التي يمكن الاعتماد عليها، وربما شكل ذلك قناعة لدى الرئيس الامريكي السابق اوباما في التعامل مع ايران.
لدى ايران كراهية تاريخية تجاه العرب خصوصا. وهذه الكراهية تقع في صلب ممارستها لسياستها الخارجية. ولكن كيف يمكن مواجهة ايران في بعض فصول هذه المواجهة التي قد تستمر طويلا ؟
اساس المواجهة هو استخدام الاسلحة الايرانية نفسها. فالبيئة الايرانية الداخلية  التي تضم عشرات القوميات والمذاهب المضطهدة تعتبر ملائمة لمساعدة هذه المكونات ماديا وعسكريا وسياسيا، وبنفس الحجة الايرانية بمظلومية هذه المكونات.ان استخدام استراتيجية ثابتة ومخطط لها جيدا في هذا الاتجاه سيجبر ايران على الارتداد الى الداخل لحماية الدولة من التقسيم والتفتت، والتخلي عن تطلعاتها الخارجية.
المشروع الايراني لايختلف في مضامينه عن المشروع الصهيوني، لكنه الان اكثر فاعلية وحيوية. ولذلك يجب ان يأخذ اولوية ولو مؤقتة في اطار مواجهة الامة لمشاريع اجنبية متعددة الاهداف والادوات، تمس وجودها السياسي والثقافي والحضاري بشكل عام. والمشكلة الكبرى انه مطلوب منها ان تواجه هذه المشاريع في وقت واحد، بدول وطنية اما منقسمة على ذاتها، او مختلفة مع شقيقاتها.