الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المسألة الكردية من جديد

المسألة الكردية من جديد

08.01.2019
سميرة المسالمة


العربي الجديد
الاثنين 7/1/2019
تجاهلت المعارضة السورية، على مدار الأعوام الثمانية الماضية، الدخول في حوار جدّي يفضي إلى رؤى واقعية في التعاطي مع المسألة الكردية، ما جعلها واحدةً من القضايا المسكوت عنها في الواقع السوري، لأن بعضهم يحاول التجاهل أو التأجيل، إما لإنكار هذه المسألة برمّتها، خدمةً لأجندات أيدولوجية أو دولية، أو للحؤول دون كشف التناقضات في رؤية الأطراف المختلفة للقضية المعنية، أو المختلف على تعريفها، بين القوى السياسية السورية، خصوصا أنها تخضع لتجاذباتٍ أو توظيفاتٍ متضاربة، بما في ذلك المجموعات السياسية الكردية التي انفصلت، و"فصلنت قواها المسلحة" تحت شعاراتٍ متضاربة، وداعمين متناقضين (تركيا من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا) في وجهات نظرهم حول حقوق الكرد، أو حتى نفيها. ما يعني أن المعارضة أسهمت بقصد في دحرجة المسألة الكردية إلى الأمام، لتصبح اليوم ككرة "نار" تحرق كل المتلاعبين بأساسيات العمل الوطني الجامع بين مكوّنات السوريين على اختلاف قومياتهم من عرب وكرد وغيرهم، ما جعل خيارات التسوية المطروحة اليوم بعد الموقف الأميركي المرتبك تجاه مسؤوليتهم في حماية شركائهم الكرد، ليس في مصلحة أيٍّ من أطراف المعارضة، سواء المحسوبة على تركيا مع شقها الكردي (المجلس الوطني)، أو المحسوبة على دول أخرى، مع استخدام الورقة الكردية لعقد الصفقات المشبوهة، سواء مع النظام، أو الأطراف الداعمة لما يمكن تسميتها قيادة المعارضة السورية، الأمر الذي يضرّ بالمسألة المحورية المتعلقة اليوم ببناء النظام البديل عن النظام الحالي، وإرساء التحول نحو الحرية والمواطنة والديمقراطية.
"تنافست المعارضة، بكل هيئاتها، عبر سنوات ثمان، على تقليد السلطة التي يفترض أنها ثارت عليها"
وهنا يمكن القول إن الاعتراف بحقيقة وجود أزمةٍ في المعارضة تشبه أو تتساوى مع أزمات الأحزاب الكردية في عدم جدية كل هذه الأطراف في دخول حوار، أو حتى مفاوضات من شأنها الوصول إلى تقاطعاتٍ وحلولٍ للمسألة الكردية التي هي أساساً ذات وجهين: أولهما يتعلق باعتبارها قضية قومية لشعب هو جزء من الشعب السوري، وجرى حرمانه من هويته وحقوقه، الفردية والجمعية. وثانيهما يتعلق بقضية المواطنة، أو غياب مكانة المواطنة في الدولة والمجتمع السوريين، بحكم طبيعة السلطة الحالية، والتي تنافست المعارضة، بكل هيئاتها التي تشكلت عبر سنوات ثمان، على تقليد السلطة التي يفترض أنها ثارت عليها، وتقمص أدوارها المغرقة في القومية، والتي قابلتها على الوجه الآخر المجموعات الكردية بحلم الدولة المنفصلة والقومية، في ظروفٍ دوليةٍ معاديةٍ لهذا التوجه والنهج، ما يعني عدم قدرة الكرد السوريين على الاستفادة مما حدث في العراق، وإعادة ترتيب أولوياتهم، بعيداً عن وهم الدعم الدولي، وضمن ما يسمّى الحل السوري الشامل الذي يعتمد مبدأ الحقوق الفردية والقومية المتساوية في وطنٍ واحدٍ تحكمه منظومة قوانين ودستور غير تمييزي، ما يجعل هذا الأمر هو الأكثر خدمةً للسوريين، عرباً وكرداً وقومياتٍ كثيرة، يتشكل منها الشعب السوري، وتقوم بهم الدولة السورية الواحدة.
ويمكن اعتبار مشهد التجاذب الدولي والإقليمي، وحتى من النظام، بعد إعلان ترامب رغبته في مغادرة سورية، على الرغم من تصريحاته السابقة المعاكسة لذلك، واللاحقة التي تقلل من شأن هذا الانسحاب "المفترض"، أو توسع خياراته الزمنية على الأقل، بما يضمن إتاحة الفرصة لمزيدٍ من العروض والسيناريوهات للجهة البديلة التي سترسي عليها خيارات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتقلبة، بمدى الرغبة في توظيف المسألة الكردية سلبياً، أو بالأحرى اختصارها بواقع ومآلات "قوات سوريا الديمقراطية"، والتي عمادها قوات حماية الشعب (الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي)، في الصراع السوري، سواء ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أي كأدوات قتالية فحسب، أو في إطار محاولة فرض تسويةٍ معينة في سورية، مع بقاء النظام، بكل ما له أو عليه، بمعنى العودة بالواقع السوري الذي أفضى إلى الثورة إلى ما قبل مارس/آذار 2011، بما في ذلك الواقع الكردي ضمن سياق منظومة الحكم السوري.
يفرض هذا الواقع المعقد، والمتضارب التوظيفات والأهداف، على المعنيين، وضمنهم الكرد، طرح أسئلةٍ عديدةٍ، كنت قد وضعتها بين أيديهم سابقاً، كغيري من المهتمين بحل عادل للسوريين، ومنهم الكرد، مثل: كيف ينظر السوريون الكرد إلى المشهد العام للحل في سورية؟ وهل يعتبرون قضيتهم جزءاً من هذا المشهد؟ أم يرون أن لهم مشهداً مستقلاً تماماً؟ هل يرون أنفسهم سوريين معنيين بالتغيير نحو المواطنة والديمقراطية في البلد؟ أم يرون أنفسهم كردا فقط، وبذلك يذهبون إلى النجاة التي تعيدهم إلى ما قبل 2011 ليس أكثر؟ أم يرون أنفسهم أحد تكوينات الثورة من أجل الحرية وبناء دولة المواطنة المتساوية، وفق صيغة دولة لا مركزية مثلاً، حكم إداري لا مركزي، أو..؟؟. هذه أسئلة يجب أن يجيب عليها الأكراد أنفسهم، وأن يتوافقوا عليها، وأن يقدّموا رؤيتهم الخاصة لشركائهم السوريين، وأيضا للمحيط الإقليمي. وفي المقابل، يفترض على من يدّعي قيادة العملية التفاوضية باسم السوريين أن يسعى، أولاً، إلى بناء مشروعه السوري، بالتوافق مع كل السوريين، قبل البحث عن خيارات تقاسم السلطة، وفق مبدأ التعيش على المتاح من الطرف الخصم.
لا شك أن الدور الإقليمي لتركيا (لا تنكر عداءها لأي وجود كردي منظم قرب حدودها ضماناً لأمنها القومي) وقوتها الاقتصادية في المنطقة، ونفوذها مع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) حجّم من طموحات الكرد العابرة للحدود السورية. وتساوق ذلك الموقف مع مطالب كردٍ آخرين لهم أجندة مخالفة ومتخاصمة مع "روج آفا" (الفيدرالية الديمقراطية لشمال سورية)، وهو الأمر الذي استفاد منه النظام، في جعل "قوات سوريا الديمقراطية" تعيش حالة الهلع التي 
"هل يرى الكرد أنفسهم سوريين معنيين بالتغيير نحو المواطنة والديمقراطية؟ أم يرون أنفسهم كرداً فقط" تخيّرها بين الاستسلام للنظام، مقابل فتاتٍ غير مضمون في مستقبل غير واضح المعالم لكل السوريين، وليس فقط للكرد، أو الدخول في صراعٍ مع تركيا، ما سيفضي، في النهاية، إلى خدمة سياسة إطالة أمد الصراع في المنطقة التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأميركية منذ بداية التحول في الثورة السورية، وانقسامها على نفسها بين الرغبة في التحرّر من الاستبداد الذي يمثله النظام السوري، وقبولها باستبداد القوى المتصارعة على سورية عبر أدواتهم المحلية باسم الفصائل المسلحة (أخرجت الجيش الحر من مشهد الثورة)، وأجنداتهم المتضاربة فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين هدف الثورة في بناء منظومة ديمقراطية غير طائفية.
في كل الأحوال، إن صوغ الإجماعات السورية الجديدة هو من أولى مهمات المعارضة التي تطرح نفسها "ممثلاً" للشعب السوري. وما يجدر التأكيد عليه أيضا، في النقاش الدائر، هو الحرص على عدم افتعال معارك وهمية، أو الدخول في مناقشاتٍ بيزنطية، لن تفضي إلا إلى مزيد من الأخطاء والتقصيرات الحاصلة، ما يفرض ذلك على كل الأطراف أن تتجاوز الصندوق السياسي والمفاهيمي خاصتها، لتنفتح على معطياتٍ من شأنها أن تجعل من المسألة الكردية في ظل التجاذبات الدولية مفتاحاً للحل السوري، وليس سبباً لانكسار ما بنيت عليه، ومن أجله، الثورة السورية في انطلاقتها، وهي تنادي بالحرية للشعب السوري الواحد.