الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المخدّرات بين سوريا ولبنان: اللّعب على النّظيف

المخدّرات بين سوريا ولبنان: اللّعب على النّظيف

04.05.2021
النهار العربي


النهار العربي 
الاثنين 3/5/2021 
في الحديث عن ملف المخدرات بين سوريا ولبنان، هناك روايتان، واحدةٌ تستخدمها سوريا و"حزب الله" للتبرؤ من الصنعة، والثانية يستخدمها الطرف المقابل في السياسة. في المحصلة تتضارب الروايتان وتتناقضان في كل التفاصيل، إلّا أنّ الأكيد أنّ الوقائع على الأرض تفرض نفسها بثبوت المعطيات والدلائل والحوادث، ليخلص المراقب إلى نقطة يبدأ بحثه منها "لا دخان من دون نار". 
يبدو تبرؤ سوريا من الاعتماد على التصنيع منطقياً على قاعدة أنّها دولة تسعى الى إثبات شرعيتها، وفق شروط اللعب السياسي الذي تجيده على الحبال الاستراتيجية والجغرافية خلال كل أزماتها، ما يجعل علاقتها بحلفائها تتّسم بنوع مركّب من العلاقات السياسية - العسكرية، وهو ما أثبته التدخل الروسي، والمواجهة بينه وبين الإيرانيين لوجستياً وجغرافياً، لتتمكن سوريا من التوفيق بين الطرفين على قاعدة الخبرة في إمساك القدرة على مفاوضات الجيوبوليتيك في عز حربها. 
مع الأخذ بالاعتبار تعقيدات "قانون قيصر" التي تفرض حظراً على الاستيراد والتصدير، من  سوريا وإليها، لتكتفي الأخيرة بدورها "التاريخي" كبلد للعبور، يطفو على السطح سؤال: هل الدور في الملف إيراني، إذاً؟ وهل دعم إيران للحزب في الصنعة بحسب روايات إعلامية متواترة أخيراً، هو شرط فرضته طهران بحكم ثقلها العسكري في سوريا؟ وهل يقدّم رجال إيران في سوريا الدعم المطلوب لتمرير الكميات المهربة إلى الخارج؟ 
كل هذه الأسئلة يكتنفها الغموض، ويتطلب تحليلها فرد مساحات تتعلق بالحديث عن التموضع لهم خلال عشر سنوات من الحرب، فرجال الظل كثر في سوريا، تحديداً رجال الاقتصاد الذين يسبقون حكومتهم بخطوة، فهؤلاء يمسكون برقبة البلد، ولهم طرقهم في كسر الحصر أحياناً، والتواصل مع "الأعداء" على الأرض أحياناً أخرى، بغية تحقيق مكتسبات، أبرزها الحصول على النفط والقمح وغيرهما من مناطق لا تخضع لسلطة الحكومة السورية، هي عملية معقّدة للغاية، لكنها حصلت ولا تزال، وإن كانت تراجعت في الفترة الأخيرة إلى حدودها الصفرية، بعيد إحكام تطبيق قانون قيصر والتعنت الكردي في الشمال الشرقي، وإمساكه بمجمل موارد سوريا الاستراتيجية وتمريرها إلى مستفيدين آخرين خارج سوريا، برعاية أميركية وحضور تركي اقتصادي يتجاوز الخلاف العسكري العميق. 
الحرب السوريّة 
شهدت الحدود السورية – اللبنانية انفلاتاً أمنياً وعسكرياً كبيراً مع بداية الحرب في سوريا عام 2011، الفلتان الأمني سرعان ما انعكس على الجغرافيا الشمالية والشرقية للبنان، والتي احتضنت صنعة المخدرات، لا سيما الكبتاغون، وتحديداً في المناطق التي بدأت تشهد نشاطات تكرّس وجودها كمناطق خارجة عن العين الأمنية في المناطق المحاذية للحدود بين البلدين. 
 وبين هذه المناطق، برزت إلى الواجهة كمصدر رئيس لمعامل التصنيع، القصير والقلمون الشرقي ومناطق بين تلكلخ ووادي خالد. وبحسب تقارير صحافية، فقد تخطى عدد معامل تصنيع المخدرات العشرات، وجلها في المناطق المذكورة ومناطق محاذية أخرى، التقارير أشارت الى أنّ هذه المناطق بكلّها تخضع لسيطرة جهات محسوبة على سوريا، ويجري غض الطرف عنها. "النهار العربي" حصل على معلومات تفيد بأنّ غض الطرف كان يتم شرط ألّا يتم استهداف السوق السوري، بل يتم التركيز على استهداف السوق السعودي، وهو سوق مستهلك بكثرة ومفتوح أمام الصنعة. 
 الا أنّ المعلومات عينها لا يمكن وصفها بالرسمية، بخاصة أنّ سوريا الرسمية ترفض بصورة قاطعة هذه الاتهامات، بل وتتبرأ من الصنعة، وتصرّ على أنّها تكافح قضايا المخدرات، وترفض لعب دور الوسيط أو المشرف أو الموافق أو حتى من يغضّ النظر، إلّا أنّ الأمر أخيراً تخطى ما يمكن إنكاره، فالقضية باتت كبيرة، واسم لبنان في عين العاصفة، وما هو صار يحتاج لإجابات عن عشرات الأسئلة، والتي لن تجيب سوريا عنها. 
 وكذلك كان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، نفى في كانون الثاني (يناير) 2018 ضلوع حزبه في تجارة المخدرات، بغرض التمويل التي اتهمته بها الولايات المتحدة، وشكلت فريق تحقيقات خاصاً بها لتحري خفايا تمويله عن طريق الإتجار بالمخدرات. 
أكثر من مشتبه به في سوريا 
اكتشفت السلطات السعودية العام الماضي عملية تهريب ضخمة وصلت إلى أراضيها، وبلغت 19 مليوناً و264 ألف حبة مخدرة، مخبأة في علب متة من نوع "خارطة خضراء"، وهي الشركة التي يملكها رجل الأعمال السوري أديب كبور، وتعتبر سيدة السوق في صناعة المتة، إذ تحتكرها احتكاراً شبه مطلق، وهي شركة صناعية تأسست عام 1989، واشتهر صاحبها بعد خوضه قبل أعوام معركة علنية مع وزير التجارة وحماية المستهلك الأسبق عبد الله الغربي، إذ أجبره على الامتثال لشروطه في رفع سعر المادة، رغماً عن الحكومة، وإلا فسيقوم بقطعها، من دون أن تتمكن الحكومة من اتخاذ أي إجراء بحقه، ليُطرح سؤال عن هذا الرجل ودوره في الاقتصاد واستقوائه على حكومة بلده، وما عزز المخاوف وأضاف تساؤلات جديدة، هو عدم محاسبته أو مساءلته بعد فضيحة المخدرات في السعودية، ليكون بذلك واحداً من رجال الظل المتهمين  بضلوعهم في الملف، برغم إصداره بياناً نفى فيه علاقة شركته بالشحنة. 
 ولا يبدو رجل الأعمال رامي مخلوف بعيداً عن الأمر، فسلطات مصر ضبطت في وقت سابق شحنة من أربعة أطنان من مادة الحشيش مخبأة داخل علب حليب شركة "ميلك مان"، التي يملكها مخلوف الذي نفى عبر بيان له نشرته جريدة لبنانية في حينه علاقته نهائياً بالأمر، موضحاً أن هناك من يشوّه عمله بقصد عبر تفريغ منتجاته وتعبئة المخدرات بدلاً منها، ومضيفاً: "من قام بذلك هو حقير يحمل قمة الإساءة لعملنا وشركتنا". وطالب السلطات السورية بالتحقيق وملاحقة المصنعين والمهربين والمتاجرين بالمادة، من دون أن يصدر بيان رسمي سوري بهذه الواقعة أو غيرها، إذ اكتفت سوريا بالصمت المطبق، مع استمرار عملياتها التي تعلن عنها عبر صفحة وزارة الداخلية على موقع "فايسبوك"، عن كشف شبكات إتجار بالمخدرات بصورة تكاد تكون شبه يومية. 
وكانت شرطة مكافحة المخدرات في إمارة دبي، قد ضبطت تهريب خمسة أطنان و656 كيلوغراماً من حبوب "الكبتاغون" (نحو 35 مليون حبة) من ميناء اللاذقية في سوريا، وكانت الحبوب مخبأة ضمن بكرات أسلاك حديدية، وفي تموز (يوليو) 2019، أعلنت السلطات اليونانية أنها صادرت 5.25 أطنان (نحو 33 مليون حبة) من الحبوب المخدرة قادمة من سوريا، وموضوعة في ثلاث حاويات، وتبلغ قيمتها نصف مليار يورو. 
وفي إيطاليا كانت الشحنة الأكبر تاريخياً، وكانت عبارة عن 14 طناً (84 مليون قرص مخدر)، الشرطة الإيطالية قالت بعيد ضبطها للشحنة إنّ معلوماتها تقول إنّ "داعش" هو مصدر الشحنة، قبل أن ترفض صحيفة "دير شبيغل" الألمانية ما قالته الشرطة الإيطالية، مؤكدة أنّ مصدر الشحنة ليس "داعش"، معللةً ذلك بأن محطة الإرسال كانت ميناء اللاذقية، ولإيران اليد الطولى فيه.