الرئيسة \  مشاركات  \  المجاملة ، في الحياة الاجتماعية والسياسية : بين الحَسن والقبيح

المجاملة ، في الحياة الاجتماعية والسياسية : بين الحَسن والقبيح

23.12.2018
عبدالله عيسى السلامة




الأصل ، في المجاملة ، أنها عمل فردي ، يدخل في إطار السلوك الفردي ، للشخص ، من خلال تفكيره وأخلاقه !
والمجاملة ، قد تسمّى : المسايرة ، أو المصانعة !
قال الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى :
ومَن لا يُصانعْ ، في أمور كثيرة     يُضرّس بأنياب ، ويُوطأ بمَنسم ِ 
(أ)  في الحياة الاجتماعية
(1) الحسن
الحسن ، في المجاملات والمسايرات ، بين الناس ، كثير،  جدّاً ، وهو يعكس أخلاق صاحبه، بما فيها من : لطف ، ورفق ، ورحمة ، ونبل .. و حكمة ، وحصافة ، وحسن تقدير! وكلّ مجاملة ، لا يدخل فيها أذى ، للنفس ، أو للآخرين .. ولا يشوبها إثم ، هي مباحة ، وقد تكون مندوبة ؛ لأنها تنشر الأخلاق الحسنة ، بين الناس ! ومن ذلك : مشاركة الناس ، فيما يحبون المشاركة فيه ، من : طعام وشراب ، وتهنئة وتعزية ، ونحوذلك ! وحتىّ لو كان المرء ، لا يميل إلى ذلك ، أو كانت لديه ظروف خاصّة ! فضغْطُ المرء ، على نفسه ، مجاملة للناس ، فيه تأليف لقلوبهم ؛ إلاّ إذا شاب هذا السلوك ، نوع من الرياء ، المسبّب للإثم ..أوإيذاءٌ للنفس، أو للغير ! 
(2) القبيح
القبيح ، في المجاملات الاجتماعية ، كثير ، كذلك ! وهو ما أشرنا إليه ، آنفاً ، من الأمور التي يشوبها رياء ، أو إيذاء للناس ؛ كالمشاركة في : غيبة الناس ، والنمّ عليهم ، والسخرية منهم ! أو يَشوب المجاملات ، إثم ، كتعاطي المحرّمات والمكروهات ، مسايرة للآخرين ، أونحو ذلك !
مثال : إذا زار قاضٍ ، زميلاً له ، في بيته أو مكتبه ، ورآه قد اقتنع ، بشكل تامّ ، بإصدار جكم ما ، على أحد المتّهمين بجريمة قتل ، بعد دراسة معمّقة مستفيضة ، لقضيته .. فنصح القاضي الزائرُ، زميله ، بتعديل الحكم ، فعدَل صاحبُ القضية ،عن رأيه ، الذي هو مقتنع به، إلى رأي ضيفه ، الذي ليس مقتنعاً به ، وحكَم بالقضية ، بحكم الضيف ، مجاملة .. إذا فعل هذا ، فهو آثم ، أيّاً كان الحكم الجديد ! لأن الحكم الجديد ، إذا كان مشدّداً ، كان فيه ظلم ، للمتّهم ، وإذا كان مخفّفاً ، كان فيه ظلم ، للمجنيّ عليه !
 
( ب) في الحياة السياسية
هوامش المجاملات الفردية ، في العمل السياسي ، محدودة ، ولها خصوصية ، في المجالين: السياسي والديبلوماسي !
ففي المجال السياسي ، داخل الدولة الواحدة ، يتاح للناخب ، أن يجامل أحد المرشّحين ، لانتخابات نيابية ، أو بلدية ، بأن ينتخبه ، إذا لم يكن للناخب ، مرشّح آخر، ملتزم معه : حزبياً ، أو اجتماعياً .. وإذا لم يكن للناخب ، مبدأ معيّن ، يمنعه ، من انتخاب المرشّح !
أمّا التحالفات الانتخابية ، فلا تدخل ، في إطار المجاملات ! وأمّا بيع الأصوات الانتخابية ، فلا يُعَدّ ، كذلك ، من المجاملات ؛ لأنه فعل محظور، أصلاً، ومن يمارسه ، يخالف القوانين!
أمّا السياسي صاحب المنصب ، فلا يستطيع ، أن يجامل أحداً ؛ بإعطائه شيئاً ، أو وعداً، دون العودة إلى رؤسائه ، إذا كان مرؤوساً ، ودون العودة ، إلى مؤسّسات الدولة ، المَعنيّة ، إذا كان رئيس جمهورية ، أو رئيس وزراء ! لأنه محكوم بقوانين ، تُلزمه ، بسلوك معيّن ، في التعامل ، مع الأصدقاء ، والأعداء ، وغيرهم !
أمّا الحكّام المستبدّون ، الذين يجاملون الآخرين ؛ بمنحهم مكاسب ، من حساب دولتهم ، فلا يدخل سلوكهم ، في هذا البحث ؛ لأن وجودهم في السلطة ، شاذّ ، وممارساتهم ، بناء عليه، شاذّة !
وأمّا اللغة الديبلوماسية ، التي يتخاطب بها الساسة والديبلوماسيون ، فهي مجرّد ثرثرات كلامية ، لا يُبنى عليها أخذ ، أو عطاء ؛ لأن المعطي ، لايعطي من حسابه ، والآخذ لا يأخذ لحسابه ، بحسب الأصل ! واللغة الديبلوماسية ، المشتركة بينهم ، بما فيها الابتسامات ، هي مجرّد وسيلة ، لتحسين أجواء الحوار!