الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المأساة من سوريا إلى فلسطين

المأساة من سوريا إلى فلسطين

25.01.2017
د. طيب تيزيني


الاتحاد
الثلاثاء 24/1/2017
تعود القضية الفلسطينية من جديد لتحتل مواقع متقدمة على سلّم أولويات الخطاب السياسي الإقليمي والدولي، على رغم استمرار التكالب على الحق العربي حيثما كان. فهذه القضية التي اعتقد البعض أنها سحبت من حقل السجال والصراع السياسي العربي تخيّب أحلام من اعتقد ذلك، وربما بخطى آخذة في التسارع مع استمرار تغول السياسة الصهيونية الاستعمارية بفعل حكومة نتنياهو، فهؤلاء ظلوا يتحركون في حقل النظام الاستعماري، ولا يزالون يرون أن الصفحة لم تتغير في حقل الصراع العربي الإسرائيلي، وحول ما يتصل منه بالصراع على فلسطين. لقد ثبت في مرجعياتهم الاستعمارية أن فلسطين إنما هي "الوطن الصهيوني"، وأنها، من ثم، "الوطن اليهودي المنتظر"، وعليه، يؤكدون أن الفلسطينيين إنما هم عارضون تاريخياً في ذلك الوطن المنتظر، وأن "الحل" القائم على "الدولتين" العربية واليهودية، إنما هو أمر زائف وملفق في معمعان الصراعات التاريخية! ومن ثم، فإن رفض العرب الفلسطينيين تلك المقولة إنما هو من باب "التزوير التاريخي"! وعلى ذلك يأتي رفض الصهاينة لما يدعو إليه الفرنسيون وآخرون أوروبيون غيرهم من حق الفلسطينيين في وطنهم فلسطين، وهذا طبعاً من باب التزوير التاريخي، بالمعنى الحقيقي، من قبل عتاة الصهاينة في فلسطين.
لنتوقف هاهنا لمواجهة الموقف الآخر في العالم العربي، وهو ذاك المتمثل في موقف المجموعة الحاكمة في إيران من سوريا والقائل إن حق الإيرانيين في الهيمنة في حلب وغيرها من المدن السورية، إنما يأتي من أن هؤلاء يمتلكون "العقيدة الدينية الصحيحة" مقابل الهيمنة الدينية في سوريا القائمة (على مبادئ "الكفر" - في حلب كما في سوريا)! وهذا ما أتاح للملالي ولمن يدخل في حقلهم في إيران أن يعتقدوا جازمين بأن غيرهم من السوريين، إنما هم "كَفَرة" في فهمهم لحملة "مبادئ الإيمان الإسلامية الأصلية"! ولن ندخل في تفصيلات هذا الموقف، ولكن ما يلفت النظر فيه أنه يقود إلى السماح بإخراج السوريين من بلدهم، بسبب اندراجه في الإيمان "المذهبي" المتطرف! فكما نلاحظ، ليس ثمة ما يميز بين الموقفين، بل ثمة ما يؤكد من وجهة النظر الصهيونية والأخرى الإيرانية، وحدة الأمر بين الموقفين. وهو ما يضيف إلى مشكلتنا وجهاً جديداً قد يتمثل في "جبهة الإيمان" المتمثلة بإيران وإسرائيل، وجبهة الكفر المتمثلة في سوريا!
من هنا نستعيد ما كتبه المفكر العربي السوري النهضوي نجيب عازوري عام 1905 في كتابه "يقظة الأمة العربية"، لنكتشف خصوصية بالغة الأهمية والخطورة بالنسبة إلى المحاولات المفتوحة لتدمير بلد عربي بجريرة بلد عربي آخر، لنقرأ النص التالي وتبرز أمامنا كلمتان تخصان الموقف "الآن" بالنسبة إلى سوريا ومعها كل الوطن العربي، وضمنه خصوصاً فلسطين الذبيحة: نعم سوريا وفلسطين الجريحتان الذبيحتان على أيدي من يزعم الوفاء للإسلام ولليهودية الدينية!
يقول عازوري: "إن ظاهرتين هامتين متشابهتي الطبيعة بيد أنهما متعارضتان، لم تجذبا انتباه أحد حتى الآن، تتضحان في هذه الأخيرة، في تركيا الآسيوية، أعني: يقظة الأمة العربية وجهد اليهود الخفي لإعادة تكوين مملكة إسرائيل القديمة على نطاق واسع. ومصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر إحداهما على الأخرى، وبالنتيجة النهائية لهذا الصراع بين هذين الشعبين اللذين يمثلان مبدأين متضاربين، يتعلق مصير العالم بأجمعه"، (ص 61).
ولنتذكر أهمية ما كتبه عازوري خصوصاً بالنسبة إلى مرحلتنا هذه المعيشة، فالموقف الراهن، في عام 2017، يعصف بالوطن العربي بكل أقطاره، على نحو قد يسمح بالقول إننا نعيش الآن تلك المرحلة على حد السيف.
فسوريا، ولبنان، ومصر، والعراق، وليبيا، واليمن، وتونس، إنما هي بلدان عربية على حد ذلك السيف، مع تعاظم الإرهاب وجنوح معظم النظم العربية إلى هذا الشكل أو ذاك من الصراع ضد أعداء أصبحوا كثراً، وتحت أسماء الإرهاب والتخلف والانهيار، بما نشأ فيها من صراعات هائلة داخلية ومشتركة، وكل هذه الصراعات راح أوارها يتعاظم وخطرها يتفاقم ويفرض نفسه على المنطقة والعالم.
لقد عوملت سوريا في كينونة الصراع الوجودي الحالي كأنها سهم يعرض للبيع الرخيص والوضيع! ولعل مثل ذلك لم يحدث في بلد آخر من العالم! لقد عُرضت سوريا في سوق النخاسة، واقتسامها بين الأصدقاء والأعداء أصبح سيد الموقف، الذي افتقدت مثيله البلدان الأخرى! بل بلغ الأمر أن أخذ المقاتلون يقصفونها من طائراتهم، دونما وخزة تثار في ضمير العالم، بحيث اعتقد الرأي العام الدولي أن سوريا يتيمة لا مساعد لها، لا في داخلها ولا في وسطها العربي والعالمي، فنشأ لدينا الثنائي المتيتّم بجناحيه السوري والفلسطيني. وهو واقع مأساوي تأباه سوريا وفلسطين كلتاهما، وسيبقى الجواب الصاعق الحكيم هو الرد على امتهان فلسطين وسوريا معاً!