الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المأزق التركي في "كوباني"!

المأزق التركي في "كوباني"!

21.10.2014
عائشة المري



الاتحاد
الاثنين 20-10-2014
تسارعت التطورات على الأرض في عين العرب "كوباني"، إذ تشير الأنباء الواردة من هناك إلى نجاح طيران التحالف الدولي في طرد تنظيم "داعش" خارج المناطق التي كان قد سيطر عليها، فقد ساهمت الضربات الجوية في تحجيم تقدم "داعش" للسيطرة على المدينة الكردية بالتزامن مع المقاومة الكردية على الأرض، كل ذلك بينما لا يزال الجيش التركي يحكم إغلاق الحدود التركية السورية أمام آلاف الأكراد الراغبين في الانضمام للقتال في مدينة "كوباني" السورية. وشهدت تركيا مظاهرات واضطرابات لمناصري حزب الشعب الديمقراطي، الذي يمثل بصورة غير رسمية حزب العمال الكردستاني، تحولت إلى اشتباكات وأعمال شغب وتخريب وحرق وقتل في عدد من المدن التركية للاحتجاج على موقف الحكومة التركية من محاصرة مدينة "كوباني" من قبل عناصر تنظيم "داعش". وعلى الفور، طرح تساؤل المصالحة التركية الكردية.. فهل انهارت عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني؟
لقد ترك إرث الصراع الدامي بين تركيا والأكراد جراحاً عميقة وحالة فقدان ثقة مستعصية على رغم بدء عملية السلام واستمرار المفاوضات التركية مع عبدالله أوجلان وهو في سجنه في جزيرة "إميرالي"، وعلى رغم التأكيدات التركية والكردية بأن العملية السلمية مستمرة، إلا أنها على الأرجح لا تسير بشكل جيد، فهي إما متوقفة أو معطلة، أو أنها قد وصلت إلى طريق مسدود. وجاء الموقف التركي الأخير من مدينة "كوباني" ليشعل نار الخلافات، ويجسد عدم الثقة المتبادلة، فعلى رغم أن الحكومة التركية وقطاعات كبيرة من الأحزاب التركية تؤيد الوصول إلى اتفاق تصالحي إلا أن هناك قطاعات أخرى خاصة من المعارضة التركية، وتحديداً حزب "الحركة القومية" وحزب "الشعب الجمهوري" وغيرهما ترفض عملية التفاوض من الأساس وتعتبرها خيانة للدماء التركية. ومن ناحية أخرى، فإن عدداً من الأحزاب الكردية التي اتخذت العمل العسكري سبيلاً وحيداً في تحقيق أهدافها لا زالت تعارض العملية السلمية التفاوضية مع الحكومة التركية.
وتطالب الحكومة التركية بإقامة منطقة عازلة على حدودها لحماية نفسها من عدم الاستقرار في سوريا، وكذلك إقامة منطقة حظر للطيران، ولكن إقرار مطالب الحكومة التركية سيعني إقامة ممرات آمنة وسيفرض سيطرة تركية على مقاطعات كردية في سوريا، الأمر الذي قد يرفضه المقاتلون الأكراد.. والسؤال الأدعى للطرح: ما الذي يمنع تركيا من إنقاذ "كوباني"؟ في الواقع هناك سببان رئيسيان، الأول هو غموض موقف الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من وجهة نظر الحكومة التركية، فهل أولوية الائتلاف الإطاحة بنظام الأسد أم مجرد محاربة "داعش"؟ والثاني أن تسليح المقاتلين الأكراد سيؤدي إلى تعزيز قوة حزب العمال الكردستاني، وعلى رغم أن رئيس الوزراء التركي تعهد باتخاذ كل ما هو ضروري للحيلولة دون سقوط "كوباني"، فإن قليلين هم من يتوقعون أن تعبر الدبابات التركية الحدود لتحقيق هذا. ولكنّ لعدم تحرك تركيا لإنقاذ "كوباني" ثمناً قد يكون انهيار مفاوضات المصالحة مع الأكراد وعودة العنف.
ويرى عدد متزايد من المحللين السياسيين أن عملية السلام بين الحكومة والأكراد باتت على المحك، وأن الحكومة التركية اليوم تواجه مأزقاً حقيقياً فالمواقف المتلونة لأردوغان لم تعد كافية، فهناك حاجة ماسة لإعلان موقف صريح وواضح ولتحرك عملي، فإما دعم الحرب على تنظيم "داعش" بدعم قوى التحالف الدولي في الحرب، وفي ذات الوقت وقف الدعم التركي المباشر وغير المباشر لتنظيم "داعش" والتدخل الإيجابي، أو الامتناع عن التدخل السلبي في القتال القائم في مدينة "كوباني"، وإلا أصبحت المصالحة التركية الكردية على المحك في ظل تزايد التهديدات بعودة القضية الكردية إلى مربع الصراع وهو ما لا يريده الأتراك أو الاكراد.
إن محصلة الأحداث قد تدفع بالحكومة التركية إلى الاختيار: إما الوقوف مع "داعش" وخسارة الأكراد، وإما أن تدعم أكراد المنطقة في معركة "كوباني" في الحرب على "داعش" وتربح استمرار عملية السلام الداخلي، ولكن لكلا الخيارين تبعات في ظل حالة انعدام الثقة التاريخية بين الأكراد وتركيا.