الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المآل السوري المحتمل

المآل السوري المحتمل

27.07.2014
د.عبدالله جمعة الحاج



الاتحاد
السبت 26/7/2014
ما تشير إليه الحرب الأهلية الدائرة في سوريا هو أنها تمكنت من القطر تماماً، وبأنها تعمل كمغناطيس يجذب الشباب العربي والمسلم من كل فج عميق في العالمين العربي والإسلامي وأوروبا الغربية لكي يذهبوا إلى سوريا وينخرطوا فيما صوره لهم، من أغووهم، بأنه جهاد ضد أعداء الإسلام والمسلمين، ويهدف في نهاية المطاف إلى إقامة الدولة الإسلامية المنشودة.
ولا شك بأن السكوت على مثل هذا المشروع منذ البداية، هو الذي أوصل الأمور إلى ما آلت إليه حالياً في المنطقة، خاصة ما يحدث في العراق وسوريا، وبالتأكيد أنه ستكون له تداعياته على دول الغرب أيضاً، إنْ لم يكن الآن فهو حادث في المستقبل لا محالة. لو حدث التدخل المناسب لمنع هذه الظاهرة منذ البداية عندما كانت موجات المد السياسي والعسكري تسير في غير صالح النظام السوري ربما أخذ الأمر مسارات أخرى ومنع تدفق العناصر الإرهابية والمتطرفة. من الشجاعة بمكان الاعتراف بهذه الحقائق والبحث عن استراتيجية لاحتواء ما يمكن احتوائه والعمل على محاربة الانتشار الإيراني والاشتراك الواسع لهم في الحروب الدائرة حالياً في سوريا والعراق واليمن، والإرهاب الذي يقوم به المتطرفون. مثل هذا التطلع يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الحقائق التي تلوح في الأفق حول واقع الدولة السورية غير القابلة للإصلاح أو الإعادة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل اندلاع الأحداث الحالية.
وسط هذه الفوضى العارمة، يبدو بأن الصراع الدائر سيتمخض عنه دولة مفككة بشكل دائم وراسخ ومؤكد على شابهة ما هو حادث في العراق حالياً. وبمسح للخريطة الاجتماعية السورية حالياً يمكن استشراف ما يمكن أن تصبح عليه الحدود الجديدة لدويلات الطوائف التي ستخرج من بطن الأحداث الدائرة: الشمال الشرقي هو موطن الأقلية الكردية التي لا تخفي تطلعاتها للانضمام إلى أشقائها من أكراد العراق وتركيا وإيران. أما شبه الكفل أو الردف الممتد من دمشق باتجاه الأراضي الغربية والشمالية التي تقطنها الأقلية العلوية - وهم ضرب من الشيعة النصيرية - فسيبقى مرتبطاً بقوة بإيران و"حزب الله" في لبنان لأسباب أمنية وطائفية. ويبدو بأن أحد الأسباب التي دفعت بنظام بشار الأسد لضرب ريف دمشق بالأسلحة الكيميائية ينطلق من هدفه إخراج الثوار السُنة من المنطقة، لكي يقوي من قبضته على الأراضي المحيطة بالعاصمة. إن تصرف من هذا القبيل يكشف عن هدف العلويين النجاة والبقاء ضمن دولة مصغرة خاصة بهم.
الأجزاء الأخرى من الكيان السوري الذي يسير في طور التفكك يشمل دويلات مدن تقطنها أغلبية سُنية وملل ونحل أخرى صغيرة تشكل بقية السكان، في حين يشكل السُنة وحدهم 70 بالمئة من مجموع السكان، تلك التجمعات السكانية تختلف في نظرتها لدرجة الإسلام الذي تريد أن تراه في حياتها الخاصة وفي سياسة الدولة، فالبعض منهم أكثر علمانية، والبعض الآخر لديه هوس إقامة الدولة الإسلامية المتشددة.
هذه المنطلقات المتعددة تقود إلى تصادمات سُنية بين المعتدلين والمتطرفين، في الوقت الذي يؤجج فيه المقاتلون الأجانب الصراعات الدينية القائمة. وتوجد فرص كثيرة كما يشير الواقع إلى تمكن عناصر "القاعدة" ممثلة في الوقت الراهن في "داعش" من انتهاج العنف المسلح ضد جيران سوريا، كما هو حاصل في العراق كبداية، وضد الغربيين والمصالح الغربية في المنطقة، والغرب ككل كدار للحرب في المستقبل. ولا توجد قوة تستطيع إعادة سوريا كدولة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأحداث الأخيرة، مثلما أن المجتمع الدولي لن يتمكن من النجاح في حربه ضد الإرهاب، أو التصدي لمطامع دول الإقليم التوسعية في المنطقة.