الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللجنة الدستورية السورية والتشكيك في جدية النظام

اللجنة الدستورية السورية والتشكيك في جدية النظام

28.09.2019
درويش خليفة


القدس العربي
الخميس 25/9/2019
بعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن التوصل لتفاهم بين النظام والمعارضة السورية، على تشكيل اللجنة الدستورية وإزالة كافة العراقيل للإعلان عنها بشكلً رسمي، بدأت وزارات خارجية الدول الفاعلة في الملف السوري في الترحيب بهذا التفاهم والثناء عليه كونه يمثل نافذة الحل السياسي حسب وجهة نظرهم.
ولكن السوريين من المناهضين لنظام الأسد، بقوا على موقفهم المشكك في جدية النظام بالتعاطي إيجابا معها، أي اللجنة الدستورية. بسبب قتله لما يقارب المليون من أبناء شعبه واعتقال نصف مليون وتهجير وتشريد أحد عشر مليوناً بين نازح ولاجئ. ودائما ما يبررون شكهم بسبب الخذلان المتواصل لهم ممن يدعون صداقتهم للشعب السوري في مطالبهم بالتغيير الديمقراطي.
حيث أن التطمينات المقدمة أن المخرجات ستخضع لاستفتاء شعبي، ليست محل ثقة بالنسبة للسوريين، معارضي الأسد، حسب ردود أفعالهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكذلك بعض النخب السورية اعتبروا اللجنة التفافا واضحا وصريحا على القرار الدولي 2254 ومخرجات جنيف 1.
إذ أن القفز لتشكيل لجنة دستورية وتجاهل البند الأول " هيئة الحكم الانتقالي" من القرار الدولي 2254 الذي يشار إليه كمرجع للحل السياسي يعتبر خرقا واضحا من قبل أطراف أستانا. والتي ترعاها روسيا وتحاول هندسة الحل السياسي السوري وفق رؤيتها وبما يضمن مصالحها.
حقيقة 18 شهرا من المماطلة من قبل النظام وحلفائه كانت كفيلة في تمييع الموضوع، وهذا ما يجعل الجمهور السوري العريض لا مبالي للمنتج أيًا كان.
حكومة ظل
أما المتفائلون من المعارضة السورية والدول الإقليمية فيرون الحل السياسي من خلال دستور جديد ينتج نظاماً سياسياً جديداً، في محاولة لانتشال الحالة السورية من الضياع والتشتت، مؤسساً لمرحلة جديدة عساها تحقق خرقا في بنية النظام الصلبة تجاه مطالب الشعب السوري والمرنة مع حلفاء النظام الإيرانيين والروس.
ومن الملاحظ أيضا، أن روسيا وإيران تعملان على حكومة ظل داخل (مؤسسات النظام) تحقق مصالح الطرفين وتعزز توغلهم في الملفات الحساسة كالملف الأمني والعسكري والاقتصادي. ومن خلال التواصل مع عدد من أعضاء اللجنة الدستورية المسربة أسماؤهم من المعارضة السورية، تجدهم يتكلمون عن معركة سياسية، قاموا بالتحضير لها عبر تأمين مستلزماتها وعتادها وبكل ثقة، وهذا ما يلمس في ردود بعضهم الحادة مع النصيحة أن "تذهبوا ومعكم تصور لمسودة دستور يراعي مطالب السوريين، تبنون عليه حواراتكم، كي لا تغرقوا بتفاصيل من وحي النظام".
بكل وضوح كلما نحاول أن نكون إيجابيين في التعاطي مع تشكيل اللجنة، نجد أنفسنا محاطين بصور الأطفال والنساء الذين يقيمون تحت أشجار الزيتون منذ نيسان/ أبريل لحظة انطلاقة العملية العسكرية على مناطق شمال حماة وجنوب إدلب من قبل النظام وحلفائه وما خلفوه من تهجير ودمار لممتلكات السوريين وسفك لدماء أبنائهم.
منظمة غير محايدة
وهنا يشار إلى أن الأمم المتحدة الراعي للعملية السياسية السورية، ليست منظمة محايدة كما توصف نفسها، إنما منظمة منحازة لدول أعضائها، وهذا ما قرأناه مؤخرا من خلال شكرهم نظام الأسد على تعاونه ودعمه للاجئين في سوريا، من جنسيات مختلفة. متناسين ملايين السوريين المهجرين واللاجئين بسبب وحشية الأسد تجاه مناهضي حكمه.
الأمم المتحدة ومن خلفها فريق المبعوث السابق ستيفان ديمستورا رأوا، أن فك عقدة الحل السياسي السوري من خلال الدستور وقانون انتخابات يكون كفيلا بالتغيير في بنية النظام الممزوجة بين السلطة السياسية والجيش والأفرع الأمنية. مع أن النظام والمعارضة يؤكدان خضوع الجيش للدستور، إلا أن كلا منهما لديه موقف متباين؛ فالنظام يعتبر الجيش خاضعا للرئاسة بموجب المادة 103 من دستور 2012: "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، ويصدر جميع القرارات والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة، وله حق التفويض ببعض هذه السلطات".
الورقة الخماسية
أما المعارضة فتعتبر أن الجيش يجب أن يخضع لسلطات الحكم الانتقالي، أو للحكومة بعد اتمام التسوية. أما فيما يتعلق بالأفرع الأمنية فلا يعتقد أن وفد النظام سيخضعها للدستور لأنها ستُفقد النظام أهم اركان حكمه وبهذا يفقد الكثير من قوته وجبروته في مواجهة الشعب السوري الطامح للانعتاق عن حكم الأسد.
ويجب ألا ننسى أيضاً أن القطاع المسيطر عليه من قبل قوات سوريا الديمقراطية "قسد" غير ممثل في اللجنة الدستورية، وقسد تعتبر ذراع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا. وهذا ما قد يذهب بالأمريكان لوضع العصي في العجلات. في حال كانت المخرجات غير مرضية للإدارة الأمريكية.
ومن الواضح أن الأمريكيين لا يملكون حلولاً تفصيلية للحالة السورية سوى الورقة الخماسية غير الرسمية التي قدمها وزير خارجيتهم الأسبق تيلرسون، قوبلت برفض روسي وعدم جدية المبعوث السابق ديمستورا والتي تتضمن تقليص صلاحيات الرئيس للوصول إلى مستوى من التقارب بين صلاحياته وصلاحيات رئيس الوزراء، مع ضمانات لاستقلال المؤسسات المركزية الأخرى والإدارات الإقليمية، في إشارة إلى الإدارات المحلية. وتدعو إلى إصلاح أجهزة الأمن بحيث تخضع للسلطة المدنية ويتم إنهاء الحصانة عنها، إضافة إلى عملها بشكل حيادي مع خضوعها للمساءلة والمحاسبة.
كما تطالب الورقة بإشراف الأمم المتحدة على الانتخابات، وبمشاركة النازحين واللاجئين بموجب القرار 2254، بحيث تؤسس مؤسسات وفق معايير دولية تشرف على الانتخابات، بما فيها هيئة انتخابية مهنية وحيادية ومتوازنة، وتطبيق إجراءات بناء الثقة وتوفير البيئة المحايدة لإجراء الانتخابات.
وطبعا أي طرح غير الورقة الأمريكية الخماسية، كانت ستقبل به روسيا لآنها لا تمس أركان حكم الأسد.