الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللجنة الدستورية السورية: العربة قبل الحصان

اللجنة الدستورية السورية: العربة قبل الحصان

05.11.2019
حسام الحميد



العربي الجديد
الاثنين 4/11/2019
تعدّدت وتنوعت محاولات المعارضة السورية للتفاوض مع النظام، من جنيف، بجولاتها العديدة، إلى أستانة مروراً بسوتشي، ووصولاً إلى جنيف مرة أخرى، مع اجتماعات اللجنة الدستورية. ولكن هذا كله من دون جدوى، فما بُني على باطل فهو باطل. والباطل هنا، في الأصل، هو التفاوض مع نظام مجرم، أوغل في دماء السوريين إلى أقصى ما يمكن للبشرية أن تتصوّره من جرائم تدمير المدن وقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين على مبدأ واحد، الأسد أو نحرق البلد. وما حدث في جلسة يوم الخميس للجنة الدستورية في جنيف ما هو إلا دليل على سعي النظام إلى إفشال أي شيء، والمماطلة في كل شيء، فالسلوك الاستفزازي الذي مارسه وفد النظام، من خلال إطلاق شعارات، وترديد هتافاتٍ تشيد بدور الجيش السوري في القضاء على الإرهاب والمجموعات المسلحة، ما هو إلا صورة مصغرة عما ينتظر هذه اللجنة، وعن حقيقة نية النظام في إفراغ هذه اللجنة من مضمونها، من خلال عناصر هذا الوفد الذين، في غالبيتهم العظمى، هم عناصر في أجهزته الأمنية أو ضباط في الجيش الذي دمر سورية، وقتل أهلها وشرّدهم، فكيف يكون لهم دور في صياغة دستورٍ من المناط به إعادة السلم والأمن والأمان للسوريين.
مهمة وفد النظام ستكون فقط المماطلة والإغراق في التفاصيل، وفي محاولة لتضييع الهدف 
"مهمة وفد النظام ستكون فقط المماطلة والإغراق في التفاصيل"الأساسي المفترض من هذه اللجنة تحقيقه، فكما استغرق العمل على تشكيل هذه اللجنة قرابة العامين، سيضيع وقت هذه اللجنة في العمل على البنود والتفاصيل. وفي الغالب، لن تكون النتيجة سوى في مصلحة النظام، ولن تحقق ما سعت من أجله المعارضة السورية في الدخول في الحل السياسي.
وقد يكون وفد المعارضة نسي أو تناسى عمداً أن المدخل الوحيد لأي حل سياسي في سورية هو بيان جنيف 1 للعام 2012، وقرار مجلس الأمن الصادر بموجبه رقم 2254، والذي وضع أساس العملية السياسية الهادفة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي شامل وغير طائفي، تتولى فيه هذه الهيئة كل السلطات التنفيذية، بما فيها صلاحيات رئيس الجمهورية، وكذلك صلاحيات رئيس الحكومة، وتشرف، فيما بعد، على صياغة دستور جديد، والإعداد للانتخابات، بإشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة بأعلى المعايير الدولية، من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم الذين يعيشون في المهجر.
اجتماعات اللجنة الدستورية باطل أريد به حق، فمهما كانت طبيعة هذه اللجنة ومكوناتها ومقرّراتها، لن تشكل طموحاً لملايين السوريين الذين عانوا من إجرام هذا النظام، ولن تشكل لديهم أملاً في الوصول إلى الحل السياسي المنشود. وهتافات المتظاهرين الذين خرجوا يوم 
"وفد المعارضة تناسى عمداً أن المدخل الوحيد لأي حل سياسي في سورية هو بيان جنيف 1 للعام 2012"الجمعة في إدلب، منددين باللجنة الدستورية، تعبيرا عن صوت الشارع السوري المعارض إجمالا، والذي يعرف تماماَ أن هذه اللجنة لعبة روسية جديدة، لإعادة تأهيل النظام القائم، والحيلولة دون التغيير السياسي في البلاد، فلا يمكن لدستورٍ يصنعه المحتلون والقتلة على أشلاء سورية المدمرة، وعلى رفات مئات آلاف الشهداء، وعلى أجساد مئات آلاف المعتقلين في سجون الأسد، ولا في غياب ملايين المهجّرين والمشردين في كل أصقاع الأرض. لا يمكن لهذا الدستور أن يبني وطناً حراً يحفظ لأهله الحرية والكرامة الإنسانية، ويصون حقوقهم الشرعية في العيش الكريم.
اللجنة الدستورية جولة جديدة للنظام المجرم في سورية، ومن خلفه روسيا المحتلة، للقضاء على كل نضالات الثورة السورية العظيمة، وتضحيات أبنائها الشرفاء، والذهاب بهم إلى نظام أشد فتكاً وإجراماً بشرعة قانونية ودولية، فمهما كانت نتائج هذه اللجنة ومخرجاتها، فلن تكون في مصلحة المعارضة السورية، لأن ما قامت عليه تحت رعاية الأمم المتحدة في هيكلية أعضائها، لن يساعد المعارضة في تحقيق ما تدّعي السعي إليه، فلدى النظام 50 عضواً هم، في 
"يسيطر وفد النظام على غالبية أعضاء مجموعة المجتمع المدني الخمسين الذين عيّنتهم الأمم المتحدة"غالبيتهم، من الأجهزة الأمنية والجيش، وهو يسيطر، بشكل أو بآخر على غالبية أعضاء مجموعة المجتمع المدني الخمسين الذين عيّنتهم الأمم المتحدة، بالإضافة إلى أعضاء وفد المعارضة المحسوبين عليه سراً، أو المجموعة المعارضة والمحسوبة على روسيا، الأمر الذي سيكون، في محصلته، غياب أي فرصة للمعارضة في الحصول على أكثريةٍ لتحقيق ما تريده في أي بندٍ من بنود الدستور الجديد، والمحصلة ستكون مخرجات دستور جديد مفصل على مقاس النظام.
ستذهب هذه اللجنة الدستورية بالسوريين إلى دستور جديد أو إلى تعديل دستور النظام في عام 2012، وسيجري النظام نفسه استفتاء على النتائج الصادرة عن هذه اللجنة تحت سلطته وبإشرافه، وتحت تهديد أجهزته الأمنية ورعبها، وفي غيابٍ سيكون شبه تام لأي إشراف دولي.
أولوية السوريين كانت وما زالت، منذ اليوم الأول للثورة العظيمة، هي إسقاط النظام، بكل أشكاله ورموزه، وإطلاق سراح آلاف المعتقلين في السجون، وليس إعادة تأهيل هذا النظام، ولا يحق لأي جهةٍ تدّعي تمثيل الثورة السورية في تجاهل هذه المطالب.