الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون الفلسطينيون في سوريا والجغرافية القسرية الجديدة

اللاجئون الفلسطينيون في سوريا والجغرافية القسرية الجديدة

03.03.2020
نبيل السهلي



العربي الجديد
الاثنين 2/3/2020
بعد استقرار دام لنحو أربعة وستين عاما، لم تفلح خطابات النأي بالنفس من دخول اللاجئين في المعادلة السورية ؛وتبعا لذلك تمت عملية نزوح طالت أكثر من 170 ألف فلسطيني من مخيمات اللاجئين في سوريا إلى المنافي البعيدة والقريبة حتى بداية العام الحالي 2020، ناهيك عن النزوح الداخلي المضاعف.
وقد شهدت غالبية المخيمات الفلسطينية في سوريا تدميراً كبيراً، الأمر الذي أدى إلى حالات نزوح شبه شاملة ، وخاصة مخيم اليرموك ، مخيم درعا، مخيم حندرات في حلب ، مخيم خان الشيح إلى الغرب من العاصمة السورية دمشق، وكذلك مخيم الحسينية في جنوب دمشق. ولهذا زادت ظاهرة النزوح الداخلي أيضاً بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا .
 
الترانسفير الكبير
 
وقعت موجة النزوح الكبرى بعد قصف طائرة ميغ حربية جامع عبد القادر الحسيني في وسط مخيم اليرموك ، في يوم الأحد 16-12-2012 في تمام الساعة الثانية عشرة وخمس وأربعين دقيقة ظهرا وتدمير القسم الأكبر منه .
وقد استشهد إثر تلك العملية (90) من النازحين الفلسطينيين والسوريين داخل المسجد وجميعهم من سكان منطقتي التضامن والحجر الأسود المحاذيتين للمخيم .
وقد اعتبر اليوم المذكور منحى جديدا للحالة الفلسطينية في سوريا. قدر مجموع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا في عام 2012 بنحو (534) ألف لاجئ فلسطيني إضافة إلى (62) ألف نازح فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة، اضطروا النزوح إلى سوريا خلال عامي 1967 و 1970 .
وبالنسبة إلى التوزع الجغرافي للاجئين الفلسطينيين في سوريا حتى عام 2012 ؛ فتشير دراسات متخصصة ، إلى أنه كان يتركز (67) في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين في العاصمة السورية دمشق حتى نهاية عام 2012، والمخيمات القائمة في ضواحيها. في حين توزع (33 ) في المائة على المحافظات الأخرى. وبشكل عام، كان يقطن اللاجئون في تسعة مخيمات في سوريا معترف بها من قبل وكالة أونروا نحو (30) في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين في سوريا، وترتفع إلى (60) في المائة إذا أخذنا في الاعتبار مجموع سكان مخيم اليرموك من اللاجئين الفلسطينيين الذي وصل إلى (151) ألف لاجئ فلسطيني في نهاية عام 2012.
ولايعتبر مخيم اليرموك مخيماً وفق تصنيفات الأونروا رغم انتشار خدمات الأونروا من صحة وتعليم بشكل كبير، نظراً لأنه كان يدار من قبل وزارة الإدارة المحلية السورية عبر بلدية اليرموك .
وصل العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا بعد النكبة الكبرى عام 1948، حيث طبق الصهاينة سياسة سكانية قامت على الاقتلاع والتطهير العرقي، وأدت إلى طرد (850) ألفا من الفلسطينيين خارج أرضهم، ووصل من بين هؤلاء (85)ألفا إلى سوريا، كانوا يمثلون (10) في المائة من اللاجئين المقتلعين من فلسطين إثر النكبة عام 1948، واستمرت عمليات ترحيل محدودة للفلسطينيين إلى سوريا، حتى نهاية النصف الأول من الخمسينيات. وثمة (90) في المائة من اللاجئين بشكل عام من الجليل والساحل الفلسطيني.
 
نكبات متتالية
 
ومرة أخرى ونتيجة ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية، مرتبطة بما تعرض له الشتات الفلسطيني من أزمات، فقد جاءت إلى سوريا عام 1956، أعداد من اللاجئين الفلسطينيين من لبنان ودول مضيفة أخرى للاجئين، وشكل هؤلاء فئة خاصة من حيث تعامل القانون السوري معهم، وإن كانوا قد أضيفوا إلى الكتلة الأساسية التي وفدت سنة 1948، والسنوات التي تلتها.
وإثر عدوان 1967 قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بطرد (460) ألف فلسطيني من الضفة الغربية والقطاع، حسب معطيات الجامعة العربية. وأدت عمليات الطرد القسري الجديدة إلى مجيء أعداد أخرى من الفلسطينيين إلى سوريا، وبسبب الأحداث التي شهدها الأردن عام 1970 وفدت إلى سوريا أعداد قليلة من النازحين الفلسطينيين.
وتشير دراسات وتقديرات غير رسمية إلى أن مجموع النازحين الفلسطينيين الذين أتوا إلى سوريا خلال السنوات المشار إليها بلغ نحو (62) ألفا خلال عام 2012 ، لكن قسما كبيرا من هذه الفئة نزح إلى مصر ومن ثم إلى قطاع غزة . ويشار إلى أن اللاجئين في المخيمات كانوا يعيشون في غالب الأحيان في مناطق وأحياء تجمع أهالي قرية المنشأ في فلسطين، ما أدى إلى الحفاظ على بعض العادات والتقاليد، فنرى في اليرموك على سبيل المثال لا الحصر تجمع أهالي طيرة حيفا في حارة خاصة بهم جنوب المخيم، وأهالي صفورية في وسطه، وأهالي قرية بلد الشيخ في حي التضامن المجاور ، في حين يعيش اللاجئون الفلسطينيون في سوريا في التجمعات خارج المخيمات في أحياء داخل المدن السورية وفق نسق اجتماعي متداخل إلى حد كبير، وهناك حالات تزاوج كثيرة بين اللاجئين والشعب السوري خصوصاً في مدينتي درعا ودمشق .
تعود أصول اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى (300) قرية في الجليل والساحل الفلسطيني، وتتبع (16) مدينة هي مراكز أقضية في فلسطين، مثل حيفا، الناصرة، طبرية، صفد، عكا، بيسان، ويافا، والقدس، جنين وغيرها من المدن الفلسطينية، وقد ساهم اللاجئون الفلسطينيون في العمل الفدائي منذ بداياته في عام 1965 وقدموا الآلاف بين شهيد وجريح وأسير .
وقد عبر اللاجئون أيضاً تعبيرات مختلفة عن وحدة المصير مع أهلهم أثناء انتفاضة عام 1987 وانتفاضة الأقصى المباركة، إن من خلال التظاهر في المخيمات والاعتصام أمام الصليب الأحمر أو مقار الأمم المتحدة، أو عبر الرسوم والمعارض في شوارع دمشق والمخيمات جنباً إلى جنب مع الشعب السوري وشرائحه المختلفة أطباء وفنانين ومحامين وغيرهم، هذا فضلاً عن التبرعات المالية والعينية للانتفاضة في المخيمات والمدن السورية. وتبعاً لاستمرار المشهد السوري الدموي ، واستهداف وملاحقة الشباب الفلسطيني واعتقاله ومعاناة اللاجئين المعيشية وفقدان الأمن، سنشهد عمليات فرار مستمرة إلى منافي قريبة وبعيدة، بعد أن ساهم اللاجئون الفلسطينيون في سوريا منذ عام 1948 في ميادين الحياة كافة؛في عملية الإعمار وفي الرياضة وفي التعليم والمسرح والتمثيل والتعليم العالي أيضاً، والشواهد كثيرة على ذلك تحتاج إلى بحوث . وفي هذا المعنى، كان اللاجئ الفلسطيني ذخراً لسوريا، وليس عبئاً عليها.