الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون السوريون في تركيا عالقون بين تذمر المضيف وغياب منظور العودة إلى الوطن

اللاجئون السوريون في تركيا عالقون بين تذمر المضيف وغياب منظور العودة إلى الوطن

22.07.2019
إبراهيم درويش


القدس العربي
الاحد 21/7/2019
 لا يمكن التقليل من صدمة خسارة حزب العدالة والتنمية لمدينة اسطنبول في الانتخابات البلدية الأخيرة على مسألة اللاجئين السوريين في تركيا. فقد حذر مرشح حزب الشعب الجمهوري الفائز أكرم إمام أوغلو منهم وقال في مقابلة تلفزيونية إنهم “يمثلون صدمة خطيرة” وهناك الكثير من الأتراك يعتقدون أن الأزمة السورية لعبت دورا في هزيمة مرشح حزب العدالة بن علي يلدرم. وقد استغل حزب الشعب الجمهوري الناقد لمواقف الرئيس رجب طيب اردوغان من الحرب في سوريا السخط الشعبي الناجم عن تراجع الاقتصاد لبناء حالة ضد السوريين الذين باتوا رمزا للكراهية في تركيا وعزز مواقعه خاصة في الأحياء الفقيرة والساخطة في عاصمة البلاد الاقتصادية.
ويجد السوريون أنفسهم عالقين وسط صراعات محلية ومصالح جيوسياسية، فهم لا يستطيعون العودة إلى وطنهم الذي فروا منه، ولم يعد البلد المضيف يرحب بهم. وهذا هو حال دول المنطقة التي استقبلت سوريين بأعداد كبيرة والأقرب مثالا لبنان الذي استهدف اللاجئين وأمرهم بتدمير محال عملهم باعتبارهم خطرا على اقتصاد البلاد. ونفس التذمر واضح في الأردن الذي أخذ نصيبا من الحرب الأهلية السورية. ولكن الوضع لم يتطور إلى حالة العداء المستحكمة في لبنان. ثم مظاهر الكراهية الجديدة في تركيا التي استقبلت 3.6 مليون سوري يعيش منهم 100.000 لاجئ في المخيمات القريبة من الحدود مع سوريا فيما تعيش الغالبية منهم في مدن وبلدات تركيا منهم نصف مليون في اسطنبول. وبسبب الأزمة الاقتصادية والبطالة التي وصلت إلى 13 في المئة وفي الأحياء التي تعاني من آثار التراجع الاقتصادي يشعر سكانها أن المهاجرين السوريين ينافسونهم في الوظائف وأن الحكومة تقدم لهم مميزات خاصة. وفي دراسة مسحية أجرتها جامعة قادر خاص في اسطنبول قالت نسبة 67.7 في المئة من المشاركين إنهم “غير راضين بوجود اللاجئين السوريين”. وفي بعض الأحيان تتحول مشاعر السخط إلى عنف، ففي حزيران (يونيو) هاجمت مجموعة أتراك واجهات المحلات التي يملكها السوريون بعدما انتشرت شائعات أن مهاجرا سوريا تحرش جنسيا بفتاة تركية في اسطنبول. وانتشرت هاشتاغات تعبئ ضد السوريين مثل “لا أريد سوريين في بلدي”. وتحركت السلطات التركية الأسبوع الماضي وأغلقت تسجيل مهاجرين سوريين جددا في اسطنبول في محاولة منها للتعامل مع المهاجرين غير المسجلين في المدينة.
وفي ظل مظاهر الشك والغضب ضد المهاجرين يشعر الكثير من السوريين بالخوف. وفي مقال للصحافية التركية أفسين يورداكول نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” (18/7/2019) تحدثت فيه للاجئ اسمه وليد زيدان من الغوطة الشرقية التي فر منها بعد الهجوم الكيميائي عام 2013 ويعمل كطباخ في حي الفاتح حيث يذهب أولاده إلى المدارس التركية “ونسوا سوريا” كما يقول. ورغم شعور بمناخ العداء للمهاجرين إلا أن عزاءه هو في حزب العدالة والتنمية الذي لا يزال يقرر السياسات المتعلقة بهم. وقال “طالما بقي حزب العدالة والتنمية موجودا فأنا موجود وإن لم يكن فقد انتهيت”. ورحبت الحكومة التركية بقيادة رجب طيب اردوغان بالمهاجرين السوريين ووفرت لهم وسائل الراحة وتحملت مسؤوليات تجاههم أكثر من أي بلد آخر في العالم. ولكن الحكومة التركية بدأت ترد على السخط المتزايد ضد المهاجرين. وقال اردوغان الأسبوع الماضي أن أي شخص تثبت إدانته بنشاطات جنائية فسيتم ترحيله وأن المهاجرين سيتوقع منهم قريبا المساهمة في جزء من الخدمات الصحية التي يحصلون عليها. لكن مسألة اللاجئين السوريين لا تعالج من خلال الرد على المشاعر المعادية للسوريين لأن عودتهم إلى بلادهم تبدو بعيدة في المدى المنظور ولهذا تحتاج الحكومة التي أشرفت على إدارة شؤون اللاجئين خلال السنوات السبع الماضية لتخطيط بعيد المدى تشترك فيه البلديات والمشاركة في تعزيز الانسجام الاجتماعي. ولن ينجح التخطيط إلا في حالة تعامل الطرفان مع المسألة بعيدا عن الحزبية. وتقول يورداكول في مقالها بصحيفة “نيويورك تايمز” إن اسطنبول كبرى مدن البلاد يمكن أن تكون مثالا يحتذى به في كيفية التعامل مع اللاجئين السوريين. فرغم رغبة عمدة البلدية الجديد وحزبه بعودة اللاجئين إلى بلادهم إلا أنه تعهد بمساعدة النساء والأطفال ومعالجة ظاهرة زواج الأطفال، ولم يقدم بعد خطة واضحة. ويرى مراد اردوغان، من الجامعة التركية- الألمانية في اسطنبول الذي قام بدراسة طرق دمج المهاجرين، أن هناك غيابا في التنسيق بين بلديات وإدارات الأحياء في اسطنبول. وصار معظم السوريين من المتحدثين بالتركية ولديهم وعي بمظاهر السخط المحلية ويمكن والحالة هذه دعوة عمدة المدينة لهم للمساهمة في التصدي للتحديات والمساهمة في برنامج يهدف للتدريب وتوفير العناية النفسية. وعلى إمام أوغلو التعاون في بناء استراتيجية اتصالات تبدد الشائعات والمعلومات المضللة وتخلق جوا للنقاش. وفي الوقت نفسه هناك حاجة كما يقول الباحث اردوغان لمراجعة قوانين الهجرة التركية بشكل تسمح للسلطات المحلية التعامل جيدا مع الحركيات الاجتماعية والاقتصادية. ولأن تركيا أنفقت حتى الآن أكثر من 37 مليار دولار على اللاجئين السوريين فإن تخصيص أموال جديدة لهم قد تؤدي إلى ردة فعل سلبية في وقت يتباطأ فيه النمو الاقتصادي وربما تم الاستعاضة عن المخصصات الحكومية بمساعدات من الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية. وبدون خطط واضحة سيشعر مجتمع اللاجئين بالتهميش في وقت تزداد فيه مظلومية السكان. وبدلا من التحارب والتركيز على ردود الفعل على الحكومة والمعارضة التعاون معا لمواجهة تحديات اللاجئين السوريين.
نهج جديد
ويؤكد على هذا النهج ما كتبه كل من البرفسور كمال كريشسي والبرفسور غوكتشي أويسال كولاسين في موقع معهد بروكينغز (18/7/2019) وناقشا فيه أهمية تقنين وضعية اللاجئين السوريين في تركيا. واعترف الكاتبان بأن العودة أو إعادة التوطين ليسا خياران حقيقيان للاجئين ولن يعودوا إلى بلادهم في المنظور القريب ولهذا سيبقون في تركيا. وحان الوقت للتفكير بطريقة تفتح مجال العمل لهم بطريقة قانونية. ويعترف الكاتبان أن هذا لن يحدث بدون تعاون مع المجتمع الدولي، صحيح أن اللاجئين السوريين في تركيا يتمتعون بالحماية من الترحيل الإجباري ويحصلون على نوع من الأمان ودعم مؤسسات الدولة في بعض المناحي الصحية والتعليمية وبعض الدعم المالي الذي لا يغطي احتياجاتهم ولهذا السبب كانوا يعملون بطريقة قانونية في قطاع العمل. وفي غياب الاحصائيات عن عمل السوريين تقدر بعضها عدد العاملين منهم بحوالي نصف مليون شخص يعمل معظمهم في قطاع النسيج والزراعة والإنشاءات والتعليم. وفي بداية عام 2016 بدأت الحكومة بالسماح للاجئين السوريين التسجيل في قطاع العمل الرسمي إلا أن عدد الرخص التي منحت بنهاية عام 2018 لم تتجاوز 65.000 حسب وزارة الداخلية. ومع ذلك يواجه السوريون معوقات بيروقراطية للحصول على أذونات العمل التي تحتاج المال والوقت. كما وتصطدم بالكوتا المخصصة لهم وهي 10في المئة. وعادة ما يكونون عرضة للاستغلال نظرا لقلة المهارات اللغوية والتعليم بل ويجد المتعلمون منهم أنفسهم خارج سوق العمل، وهو ما يمثل خسارة للاقتصاد التركي.  فالسوريون في النهاية يمثلون قوة اقتصادية بما لديهم من خبرات ورغبة للعمل. وهم ليسوا خطرا على البلدان التي فروا إليها كما يبشر العنصريون خاصة دونالد ترامب. وأثبتت الدراسات الأكاديمية منها تلك التي أعدها أربعة باحثين في المؤسسة القومية للعلوم الأمريكية وبنوا نتائجها من خلال دراسة مسحية أجروها مع لاجئين في الأردن بالفترة ما بين 2016- 2017. ونشروا نتائجها لأول مرة بمقال في موقع “ذا كونفرزيشن” (19/7/2019) حيث كشفوا أن التخويف من المهاجرين السوريين مبالغ فيه وأن الحديث عن زيادة عددهم بالإرهاب في الغرب ليس صحيحا. فغالبية الـ 13 مليون سوري الذين أجبروا على الهروب من بلادهم يتطلعون للعودة إليها وان من يرغب بالهجرة للغرب عادة ما يريد تحسين حياته وتدفعه الرغبة الشخصية والبراغماتية. وعادة ما يرتبط الحلم بالهجرة للغرب بتوفر الأمن والحماية والمساعدة. وهناك من تؤدي هجرته إلى الغرب لهجرة دائمة. وربما دفع التمييز والعدائية في البلد المضيف المهاجرين للتشدد، وهذا السيناريو بيد الدول المضيفة لكي تمنعه.
حرب على اللافتات
 وكمثال على المخاوف في تركيا ما أصبح يعرف بالحرب على اللافتات بالعربية، فوجود اللاجئين المكثف بمحلاتهم التي تحمل اللغة العربية أثار مشاعر حنق لدى الأتراك القوميين، لأنها كما يشير موقع “المونيتور”(17/7/2019) تحمل أبعادا سياسية. وظهور الأحرف العربية تذكير لهم بما فعله مصطفى كمال أتاتورك عام 1928 وهو استبدالها بالأحرف اللاتينية. وبالنسبة للكثير من السكان المحليين فإن وجود اللافتات العربية يذكر بمشكلة اللاجئين متعددة الأوجه، وبعضهم يشتكي من أنهم يخسرون تركيا أو بدأ تعريبها. وقام السوريون بإنشاء أكثر من 15000 شركة في تركيا لحد الآن بحسب أرقام من وزيرة التجارة روشار بيكان. ومعظم الأعمال التجارية السورية موجودة في اسطنبول وبصرى ومحافظة مرسين والمحافظات الحدودية مثل هاتاي وغازي عنتاب. ومن بين المنزعجين من انتشار اللافتات العربية الصحافي التركي المشهور أمين كولاسان، الذي كتب في صحيفة “سوزكو” اليومية التي تنتقد الحكومة: “عام 1928 تمت ثورة الأبجدية. وبعد عقود عادت الأحرف العربية إلى السوق وسط غزو السوريين والعرب والآسيويين والأفارقة. وتم إلقاء اللغة التركية في سلة القمامة”. وتفاقم الأمر لدرجة أنه قبل انتخابات 31 آذار (مارس) المحلية جعلت أحد المرشحات الموضوع نقطة على أجندتها في منطقة الفاتح وهي منطقة من اسطنبول تعيش فيها أكبر جالية سورية في اسطنبول فعلقت إيلاي أكسوي من حزب الخير لافتة كبيرة في المنطقة كتب عليها: “لن أسلم الفاتح للسوريين”. مما أثار ضجة دعت حتى الرئيس اردوغان القول في تجمع انتخابي في اسطنبول بأن أكسوي “مخزية” و “وقحة” وقال موجها الكلام لها: “ليس عندك مشكلة مع اللغة الانكليزية – فلماذا تزعجك اللغة العربية؟ العربية لغة عالمية. إن جهالا يدخلون الانتخابات في الفاتح”.
 ومع ذلك قررت حكومة الرئيس بعد الهزيمة التي واجهها الحزب في اسطنبول إزالة اللافتات العربية عن المتاجر.  وأعلن نائب وزير الداخلية، اسماعيل جتاكي في أوائل تموز (يوليو) بأن الكتابة على واجهات المتاجر الأمامية يجب أن تكون بالأحرف التركية بنسبة لا تقل عن 75في المئة.  وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بالموضوع، واحتجاجات مثل: “لا يمكن منع اللافتات العربية بينما تتركون اللافتات الانكليزية كما هي”. ولافتات المتاجر باللغة الانكليزية والروسية شائعة في تركيا أيضا ولكنها لا تولد ردة فعل لأنها تستخدم لجذب السياح الأوروبيين والروس الذين يجلبون الأموال وهو ما ينعش الاقتصاد. ويظل لب المشكلة ليس اللغة ولكن الاقتصاد، حيث يوفر اللاجئون من سوريا وغيرها من البلدان العربية عمالة رخيصة مما ساعد على البطالة بين أهل البلد وبالمقابل فإن اللاجئين يشكلون منافسة في سوق العمالة فهم مستعدون للعمل بشكل غير قانوني بنصف رواتب الأتراك. وذكر سياسي من حزب العدالة أنه سمع الشكاوى من أصحاب المتاجر في اسطنبول حيث يقولون إن الشعب التركي “يتحمل عبء اللاجئين ولكنهم يذهبون لبعضهم لشراء حاجياتهم. ولا نحصل على شيء منهم”. وأكبر كثافة للسوريين هي في محافظة كلس الحدودية حيث وصلت نسبتهم إلى 80 في المئة من عدد السكان البالغ 142000 نسمة. وحتى عدة أسابيع خالية كانت عاصمة المحافظة ومع كثافة اللافتات العربية تبدو وكأنها انتقلت إلى سكان جدد كما ورد في تقرير “المونيتور” وقام المجلس بإزالة عدد كبير من اللافتات.