الرئيسة \  تقارير  \  الكتب وحلول مشكلات الديمقراطية   

الكتب وحلول مشكلات الديمقراطية   

04.10.2021
ستيفن كارتر


ستيفن كارتر
الشرق الاوسط
الاحد 3/10/2021
ما تفتقر إليه السياسة الأميركية هو تحديداً ما تقدمه الأعمال الأدبية العظيمة، وهو الشعور بالتعاطف اللازم لفهم البشر.
إنه أسبوع الكتب المحظورة، حيث يتبادل تيار اليسار وتيار اليمين الاتهامات ويحمّل كل منهما الآخر المسؤولية عن النكهة المأساوية للرقابة. يمكن استغلال هذه المناسبة بشكل أفضل من خلال الاعتراف بأهمية الكتب للديمقراطية، والتفكير فيما يخاطر به الأميركيون بتسارع انتشار عادة عدم قراءتنا لها. كيف تمثل الكتب أهمية للديمقراطية؟
أولاً لما ترمز إليه. دعونا لا ننظر إلى النصوص الرقمية بل إلى الكتب الورقية. تمثل الكتب الورقية من خلال وجودها الملموس الدائم أهمية الأفكار، فهي ثابتة داخل وسيط ولا يمكن تغييره أو تعديله، فالكلمات مطبوعة في صفحات إلى أن تُبلى تلك الصفحات بفعل الزمن، ما يشير إلى وجود أفكار ينبغي تأملها على مدى زمني طويل لا بشكل لحظي فحسب. لذا ليس الكتاب مجرد وسيلة لنقل معلومات متعلقة بمهمة محددة، بل كما يقول نيكولاس باسبانيس، محب الكتب العظيم: “جمال وروعة الأحرف”. تذكرنا المجلدات الملموسة المطبوعة بصلابتها وثقلها بأن تقدير الكتابة الجيدة والأفكار العظيمة يستغرق وقتاً.
ثانياً تقوم الديمقراطية المزدهرة على ما نقرأ، وبوجه خاص على مدى الرغبة في استثمار الوقت في قراءة الأعمال الأدبية العظيمة. رغم أن القوائم غير مثالية بالضرورة، تعد براعة اللغة عاملاً مشتركاً بين الأعمال العظيمة، حيث يجد المرء في الكتاب الجيد كلمات تتسم بالوضوح والقوة بدرجة تجعلها قادرة على “جمع بعض الحياة داخلها”.
لماذا يمثل ذلك أهمية بالنسبة إلى الديمقراطية؟ لأن قراءة الأعمال الأدبية الجادة، كما يقول علماء الاجتماع، تزيد القدرة على الشعور بالتعاطف، وهو نتيجة تبدو حقيقية بوجه خاص حين يتعلق الأمر بالنصوص الصعبة. رغم وجود منتقدين لهذا البحث، تتوافق الاستنتاجات التي خلص إليها مع الحدس والبديهة لسبب بسيط، وهو أن الأعمال الأدبية المعقدة تساعد في تعليمنا أن الناس معقدون. كلما ازداد اعتقادنا في مدى تعقيد الناس، ازدادت قدرتنا على رؤية حتى خصومنا السياسيين كمشاركين معنا في النشاط المشترك للحكم الديمقراطي.
على سبيل المثال كيف سنستجيب لشخصية جاي غاتسبي إذا تفاعلنا معه من خلال منشور على مدونة يستعرض فيه خطاياه. وبالتأكيد لم نكن لنتمكن من تكوين موقف وفهم متعاطف معه مثل المثار من رواية سكوت فيتزغيرالد عن الطموح والكارثة. وبالمثل إذا كان “سيث” شخصاً غريباً سمعنا بجريمته المروعة عبر نشرة أخبار على إحدى القنوات التلفزيونية، ربما لم تكن مشاعرنا لتتحرك نحو تأمل الحقائق الصعبة عن الحب واليأس التي يجبرنا نثر الكاتبة توني موريسون الرائع على التعامل معها بجدية. إن الأدب الرائع العظيم يدعونا إلى التوقف والتأمل، لكن العالم الذي نعيش فيه صاخب وسريع ومليء بالهرج والمرج، لذا نواجه سؤالاً صاغه ديفيد يولين كاتب المقالات جيداً بقوله: “كيف يمكننا استيعاب الأمور في ظل ثقافة تنتشر فيها المعلومات والأفكار بشكل سريع لدرجة أننا لا نجد الوقت الكافي لتقييم إحداها قبل ظهور غيرها؟”.
التحرك سريعاً يمنع المرء من التفكر والتأمل؛ وفي مثل هذه البيئة لا يمكن للأدب الحقيقي أن يزدهر. هذا هو المقصد الحقيقي في رواية راي برادبري الكلاسيكية “فهرنهايت 451”، التي تعد من الأعمال الأساسية على قائمة الكتب التي يجب قراءتها خلال المرحلة الثانوية. لقد ظل برادبري لسنوات ينتحب على سوء فهم القراء والمترجمين للرواية، ولم يكن قلقه يتعلق برقابة الدولة، بل بمصير الرواية في مجتمع لم يعد يقرأ فيه الناس النصوص الصعبة لرفضهم فكرة التعقيد، فهم يريدون البساطة والسهولة، ويرغبون في حياة لا يعكرها تحدي الأفكار غير المستحبة. يقول كابتن بيتي، شخصية الشرير غير التقليدي في الرواية: “ماذا يمكن أن تكون عليه كتب الخائنين؟”، محذراً من أن الذين يقرأون النصوص الصعبة يواجهون خطراً كبيراً وهو تغير طريقة تفكيرهم.
التعقيد هو ما تعلمنا إياه النصوص الصعبة الجادة، فالحياة معقدة بطبيعتها والناس كذلك، والأفكار معقدة هي الأخرى، وكلما ازداد إيماننا بتلك الحقائق، أصبحنا أكثر ديمقراطية. إذا توقفنا عن قراءة الكتب الجادة، التي تتحدانا وتبطئ إيقاعنا وتجبرنا على التفكير، سوف يتأثر شعورنا بوجود ما يجمعنا كبشر رغم اختلافاتنا سلباً. مع ذلك حتى إذا كنت محقاً بشأن الأدب، هل الكتب الورقية مهمة حقاً؟ ألا يمكن للنصوص الرقمية أن تنقل إلينا ذلك التعقيد؟
رغم أن هذا الأمر غير محسوم وواضح بعد، تشير الأدلة إلى أن القراءة على الشاشة ليست مثل قراءة الصفحة الورقية، حيث توضح دراسات باستمرار أن قراء الكتب الورقية يستطيعون استيعاب الكلمات المكتوبة أفضل مما يستطيع قراء النصوص الرقمية استيعاب النصوص نفسها. وتظهر تلك النتائج حتى بين الطلبة الذين يفضلون قراءة النصوص الرقمية على قراءة النصوص الورقية. لا توجد بعد أي أدلة تجريبية تدعم التوقع بزوال واختفاء تلك الاختلافات مع تقدم جيل في العمر وهو يمارس قراءة النصوص الرقمية.