الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "القمة الثلاثية".. صفقات بلا حسم

"القمة الثلاثية".. صفقات بلا حسم

02.07.2019
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 1/7/2019
على الرغم من التباين الكبير في ملفات دولية وشرق أوسطية عدة بين الولايات المتحدة وروسيا، إلا أن الحاجة إلى عقد صفقات بين الطرفين تبقى مسألة حيوية لكلا الطرفين.
فالطرفان يدركان بأن عملية تأمين المصالح الحيوية لا يمكن أن تمر من دون عمليات تفاوض مستمرة، مباشرة أو غير مباشرة، هدفها وضع أوراق القوة على الطاولة، وصولاً إلى عملية تبادل المصالح، فيما يمكن لكل طرف أن يقدمه للآخر.
القمة الأمنية الثلاثية التي عقدت مؤخراً في القدس، وضمت جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، ونيكولاي بيتروشيف، أمين عام مجلس الأمن القومي الروسي، ومئير بن شابات، مستشار الأمن القومي "الإسرائيلي"، تأتي في سياق حاجة الطرفين الأمريكي والروسي إلى التفاوض، فكل طرف لديه أوراق قوة، لكن ليس بإمكانه تحقيق مكاسب استراتيجية من دون الطرف الثاني، ولذلك فإن فتح المسار أمام عملية تبادل المصالح في الشرق الأوسط لن تكون عملية سهلة، أو من خلال جولة واحدة، فهي عملية- مسار، أكثر من كونها ترسيم نهائي للمصالح.
التوقعات الأولية التي سبقت القمة، والتي أطلقها عدد كبير من المحللين، والتي قالت بإمكانية توافق الطرفين حول إيران، هي من باب القراءة الرغبوية لا أكثر، فقد أظهرت التصريحات التي أطلقها مسؤولون روس بعد انتهاء القمة، أن المسافة بين الموقفين الأمريكي والروسي حول إيران، وطريقة التعامل معها، لا تزال مسافة بعيدة.
الثابت الوحيد في القمة هو التوافق الأمريكي الروسي على أمن "إسرائيل"، ومكانتها في منظومة الأمن والاستقرار الجديدة في المنطقة، فاختيار القدس كمكان لانعقاد القمة يشكل بحد ذاته رسالة إلى جميع الأطراف في المنطقة، وفي مقدمتهم إيران، بأن أمن "إسرائيل" هو أولوية لا يمكن تجاوزها، وقد بدت القمة أيضاً، بمثابة نجاح سياسي ل"إسرائيل"، في كونها تمكنت من جمع القطبين العالميين الفاعلين في قضايا المنطقة.
القضايا التي ناقشتها القمة هي سوريا، و"صفقة القرن"، وإيران، وهذه القضايا هي قضايا مترابطة عضوياً؛ حيث لا يمكن عزل الواحدة عن البقية، والأطراف الثلاثة، الأمريكي والروسي و"الإسرائيلي"، يعتقدون أن الوضع الراهن يشكل فرصة لتمرير مصالح استراتيجية، لم يكن من الممكن تمريرها في ظروف مختلفة، خصوصاً لجهة الهشاشة في البنية السياسية العربية، ووجود متغيرات كبيرة، بما فيها تغيرات في مزاج الشارع العربي نفسه، بعد النتائج الكارثية في بلدان ما يسمى "الربيع العربي".
تريد روسيا حصد نتائج استثمارها في الصراع السوري، فهي قد تمكنت بعد تدخلها العسكري في خريف عام 2015، من وضع يدها على هذا الملف بشكل رئيسي، واعتراف جميع اللاعبين الآخرين لها بأنها تشكل بوابة الحل، لكنها لا تزال حتى اللحظة غير قادرة على توظيف نتائج انتصاراتها العسكرية على هيئة مصالح استراتيجية مستدامة، وهو الأمر الذي لن يكون ممكناً قبل البدء في مرحلة سياسية جديدة في سوريا، وفتح مسار إعادة الإعمار.
ما تحتاج إليه أمريكا و"إسرائيل" من روسيا هو تحجيم إيران في سوريا، لكن هذا الأمر ليس سهلاً، وتمتلك إيران تجربة كبيرة في خلط الأوراق، ويكفي أن نتذكر كيف خلطت الأوراق في العراق بعد عام 2003، وبالتالي فإن روسيا لا تستطيع الإقدام على مجازفة كبيرة في هذا المجال، أو على الأقل فهي لن تكون قادرة على اتخاذ خطوات جريئة وسريعة تجاه الوجود الإيراني في سوريا.
ومن جهتها، تريد روسيا من الولايات المتحدة التعاون معها، من أجل إقناع الأوروبيين والعرب، بضرورة بدء مسار سياسي، انطلاقاً من الوقائع الراهنة، بما يسمح ببدء عملية إعادة الإعمار، لتتمكن روسيا من حصد مكاسب متعددة، وفي مقدمتها المكاسب الاقتصادية، خصوصاً فيما يتعلق بغاز المتوسط، والتمهيد لحل ملفات أخرى، من بينها ملف القرم، ورفع العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على أهم القطاعات الروسية.
لا تبدو واشنطن مستعجلة في الوصول إلى سلة من التفاهمات مع موسكو، فلئن سمحت واشنطن لموسكو بإحراز موقع متقدم في الملف السوري، إلا أن هذا الموقع يبقى ناقصاً، طالما أن مناطق شمال وشرقي سوريا، تخضع للنفوذ الأمريكي؛ حيث تشكل تلك المناطق الخزان الاقتصادي لسوريا (النفط، المياه، القمح)، وبالتالي فإن واشنطن تدرك حجم المأزق الروسي، وستطلب أثماناً كبيرة من موسكو، لقاء التعاون معها في سوريا، وقد لا تستطيع موسكو دفع تلك الأثمان.
الصفقات المتوقعة من خلال تعاون أطراف القمة الثلاثية لا يمكن التكهن بأنها ستمضي قدماً، فلا تزال عملية رسم ملامح منظومة الأمن والاستقرار الجديدة بلا حسم، في بيئة هشة ومشتعلة بالاضطرابات.