الرئيسة \  واحة اللقاء  \  القصف وكورونا والسيول: ثالوث المآسي في شمال غرب سوريا 

القصف وكورونا والسيول: ثالوث المآسي في شمال غرب سوريا 

09.11.2020
منهل باريش



القدس العربي 
الاحد 8/11/2020 
ما يحدث في شمال سوريا هو حال طوارئ إنسانية تطال الصحة العامة وقد تتحول إلى كارثة حقيقية، بدون تحرك دولي فوري، وتزويد المستشفيات بالإمدادات والمعدات الكاملة لمواجهة الأزمة. 
أدانت الأمم المتحدة، الخميس، القصف على محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وانتقد المتحدث الرسمي باسم أمينها العام، ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحافي عقد في مقر المنظمة الدولية في نيويورك، مقتل ثمانية مدنيين يوم الأربعاء الماضي، بينهم أربعة أطفال وعاملا إغاثة في مؤسسة احسان للإغاثة والتنمية. مشيرا إلى أن نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة للشأن السوري مارك كاتس، قلق للغاية من التصعيد الحاد في أعمال العنف في إدلب. موضحاً أن التقارير الأولية “تشير إلى مقتل 8 مدنيين على الأقل جراء القصف، بينهم 4 أطفال وعمال إغاثة محليون، فيما أصيب 13 على الأقل”. 
وبدأت قوات النظام السوري قصفا مركزا ومستمرا على مناطق سيطرة المعارضة في محافظة إدلب وخصوصا المناطق الواقعة جنوب الطريق الدولي حلب-اللاذقية /M4 وطريق مدينة إدلب-باب الهوى. 
ونعت مؤسسة احسان للإغاثة والتنمية مقتل اثنين من عامليها الإنسانيين، إبراهيم اليونس ورغيد الجسري، في القصف الذي تعرضت له مدينة أريحا جنوبي إدلب صباح الأربعاء. 
في السياق، قال قائد قطاع أريحا في الدفاع المدني، وليد اصلان لـ “القدس العربي”: “كثفت قوات الأسد وحليفها الروسي قصفها منازل المدنيين والمدارس والأسواق في مدينة أريحا وقرى وبلدات جبل الزاوية”. لافتا أن فرق الدفاع المدني السوري سجلت خلال شهر تشرين الأول (اكتوبر) الفائت “أكثر من 170 خرقاً من قبل النظام وحليفه الروسي على المناطق المحررة، أدت لسقوط أكثر من 40 شخصا بين قتيل وجريح”. ووصف ما يحصل أنه تصعيد عسكري خطير على المنطقة، يهدد بكارثة إنسانية جديدة تضع حياة أكثر من 4 مليون مدني تحت نيران المدافع والطائرات في ظل انتشار فيروس كورونا وبدء فصل شتاء جديد. 
كما استهدفت قوات النظام السوري الحقول الزراعية وقاطفي الزيتون في جبل الزاوية، حيث قتل ثلاثة عمال وأصيب عدد آخر، في الفطيرة وكنصفرة وأطراف البارة. ويذكر استهداف قاطفي الزيتون بهجوم ربيع 2019 في ريف حماة الشمالي ومطلع 2020 الذي استهدف مواسم زراعة البطاطا والقمح والشعير والفستق الحلبي والزيتون. ويتزامن التصعيد اليوم مع بدء جني محصول الزيتون في إدلب. ويشكل استمرار القصف أو أي هجوم عسكري محتمل تهديدا جديدا وحرمان الفلاحين في منطقة خفض التصعيد الرابعة من موسمهم الرئيسي الثالث على التوالي، ومواسم فصلية أخرى تراجعت أساسا بسبب استمرار الأعمال الحربية للنظام وعدم توفر الأيدي العاملة وارتفاع سعر مادة المازوت التي تشغل مولدات الكهرباء الخاصة باستخراج المياه. 
على صعيد آخر، تضررت عشرات الخيام، خلال المنخفض الجوي في منطقة شمال سوريا. وتسببت الهطولات المطرية بحدوث أضرار مادية ضمن المخيمات. فتضرر 13 مخيماً في مختلف المناطق خلال اليوم الأول من المنخفض والتي تقطنها نحو 1419 عائلة. وارتفع عدد المخيمات المتضررة خلال اليوم الثاني إلى 38 مخيماً في مختلف المناطق، حسب الفرق الميدانية التابعة لمنظمة “منسقو استجابة سوريا”. وحدد مدير المنظمة، محمد الحلاج في اتصال مع “القدس العربي” أهم الاحتياجات المطلوب تقديمها بشكل عاجل وفوري في المخيمات والتجمعات المتضررة في مناطق شمال غرب سوريا. وأشار إلى ضرورة تزويد الخيام بـ “عوازل مطرية وأرضية (إن أمكن) لدرء تساقط الأمطار ودخولها إلى داخل الخيام”. والعمل على “تجفيف الأراضي ضمن المخيمات والتجمعات وسحب المياه بشكل فوري وطرحها في مجاري الأنهار والوديان، وعدم الانتظار حتى يتم جفافها بشكل طبيعي. وإنشاء حفر وخنادق في محيط المخيمات بشكل عام ومحيط كل خيمة بشكل خاص بحيث توفر تلك الحفر سدا أوليا لامتصاص الصدمة المائية الأولى الناجمة عن الفيضانات”. 
ويؤدي التوسع العشوائي لمخيمات الشمال السوري وعدم وجود بنية تحتية مدروسة إلى تكرار الفيضانات مع كل عام. ويوجد في الشمال السوري حسب التقديرات ما يزيد عن 1200 مخيم، تضم نحو مليون مهجر ونازح. ربعهم في ريف حلب الشمالي موزعين على 116 مخيما حسب الحلاج. ويؤدي عدم وجود شبكة صرف صحي إلى تفشي الأمراض الموسمية بشكل كبير في فصل الصيف، إضافة إلى تلوث المياه السطحية بسبب تسرب المياه الملوثة من الحفر العشوائية في المخيمات إلى المياه السطحية. ويساعد عدم وجود مجاري وأقنية مياه على غرق المخيمات والطرق المنخفضة. وأشار حلاج إلى “انهيار بعض الكتل الأسمنتية في مخيمين على الأقل نتيجة سوء التنفيذ”. 
طبياً، دقت مديرية صحة إدلب ناقوس الخطر مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد -19 إلى ما يزيد عن أربعة آلاف وسبعمئة إصابة. وأعلنت المديرية في بيان لها، الجمعة، ان لديها خمس مستشفيات، هي الزراعة وكفر تخاريم وشام والكارلتون وجسر الشغور، قادرة على استقبال حالات المرضى المتأزمة فقط، كون الطاقة الاستيعابية لأسرة العناية المركزة تبلغ 71 سريرا فقط، 59 سريرا قيد الاشغال من مرضى حاليين. وتبلغ أعداد المنافس في تلك المشافي 48 منفسة، 11 منها مشغولة. وتحوي هذه المشافي 168 سريرا. وأضافت صحة إدلب ان لديها 15 مركز عزل بطاقة 635 سريرا مشغول منها 99 سريرا. 
وطالبت المديرية من الأهالي اتخاذ سبل الوقاية كونها السد المنيع أمام انتشار الوباء. وناشدت المؤسسات الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية بتحمل مسؤوليتها، والعمل بشكل جدي وسريع من أجل إنقاذ حياة أكثر من ثلاثة ملايين شخص يقطنون المنطقة، نصفهم يعيش ضمن مخيمات ذات كثافة سكانية عالية، ولا بد من الإسراع في تقديم الدعم اللازم للقطاع الصحي في المحافظة قبل ان تقع كارثة صحية وإنسانية رهيبة. 
وقال فريق منسقو استجابة سوريا أن الأسبوع الأخير شهد أعلى حصيلة إصابات يومية مسجلة، بواقع 301 إصابة. وأعلى حصيلة إصابات بين الكوادر الطبية بواقع 61 إصابة.  في حين بلغت حصيلة إصابات المخيمات 27 إصابة ضمن 16 مخيما. وحذر الفريق من مخاوف زيادة الإصابات تزامناً مع بداية فصل الشتاء، وظهور الانفلونزا الموسمية والتي من الممكن أن تحد من قدرة مختبرات الترصد الوبائي (المخبر المتخصص بأخذ المسحات للمصابين وتحليلها) في المنطقة لتشابه الأعراض بين المرضين. 
واقترح منسقو الاستجابة “استخدام فترة الحجر الصحي المجتمعي المعززة لمدة زمنية مؤقتة كوقت مستقطع، من أجل تحسين استراتيجية مواجهة الفيروس ومواجهة المشاكل الملحة”. وطالبوا السلطات المحلية بفرض إجراءات الإغلاق في بعض المناطق، على اعتبار انها ستتيح مواجهة المشاكل المتعلقة بضعف القوة العاملة في المستشفيات والاخفاق في التوصل لحالات الإصابة بفيروس كورونا غير المعروفة بشكل كامل وإتمام إجراءات العزل وتعقب الحالات بجانب النقل وسلامة أماكن العمل. 
ما يحدث في شمال سوريا اليوم هو حال طوارئ إنسانية. وستُضحي أي حالة طوارئ تطال الصحة العامة بكل سرعة كارثة حقيقة، ما لم يتم اعتماد تحرك دولي إنساني فوري، وإعطاء الطواقم الطبية والعاملين في المجال الإنساني الوسائل اللازمة للحدّ من المخاطر بشكل صحيح قبل وقوع الكارثة، وتزويد المستشفيات بالإمدادات والمعدات الكاملة التي تحتاج إليها لمواجهة هذه الأزمة الطارئة. 
وأشار مدير منسقو استجابة سوريا إلى أن أعداد الإصابات في مخيمات شمال غرب سوريا بلغت 500 إصابة. 
ويحذر أطباء ومتخصصون من خطر انهيار القطاع الطبي في إدلب بسبب تفشي وباء كورونا وعدم مقدرة القطاع المنهك أساسا الاستجابة الكافية في حال تزايد أعداد المصابين، وفشلت حملات التوعية للمدنيين لأسباب مختلفة، أهمها الجهل وعدم وجود مساكن ملائمة للعزل، فربع سكان شمال سوريا يعيشون في الخيام ونصفهم في مسكن غير لائق ولا يؤمن شروط الحد الأدنى من الحياة الصحية. ويضاف الفقر والعوز إلى تلك الأسباب فأغلب السكان لا يستطيعون البقاء في منازلهم بسبب عملهم، وجلوسهم في منازلهم يعني موتهم جوعاً. كما يعاني النازحون والمهجرون من سوء تغذية لا تساعد أجسادهم على مقاومة فيروس كورونا. 
ولا تبشر الظروف المرافقة للمآسي الثلاثة بفرج قريب، فاللقاح ضد فيروس كورونا يحتاج إلى نهاية ربيع 2021 حتى يدخل حيز الاستعمال بالحد الأدنى. وقصف النظام سيستمر ومن المرجح ان يتصاعد لينتهي بعملية قضم جديدة يسيطر خلالها على منطقة جنوب طريق حلب- للاذقية/M4 وعدة قرى وبلدات شماله. من غير المستغرب ان تكون مدينة إدلب احداها خصوصا بعد الرسالة الواضحة لتعيين محافظ جديد لإدلب قبل أيام، هو البعثي محمد نتوف، الذي تولى إدارة شؤون المحافظة من مدينة حماة، وبقي منصب المحافظ شاغرا بعد سيطرة جيش الفتح على محافظة إدلب في ربيع 2015. 
ويعتبر الشتاء مآساة لساكني الخيام، حيث تسبب البرد بمقتل عدد من الأطفال تجمدا العام الماضي وموت أسرة كاملة بسبب استنشاقهم المخلفات السامة الناتجة عن احتراق مواد التدفئة.