الرئيسة \  واحة اللقاء  \  القبر الأبيض المتوسط!

القبر الأبيض المتوسط!

03.09.2015
سعد الحميدين



الرياض
الاربعاء 2/9/2015
    منذ أن انطلت على بعض دول منطقة الشرق الأوسط كذبة الربيع العربي الذي ما فتئ أن تحول إلى خريف في واقعه بالأحداث التي توالت هائجة تأججت نيرانها ليس من أبناء البلدان ذاتها وإنما توغل في جذورها من يمثل أدوات تخريب وتدمير بالوكالة لدول تريد تفتيت العالم العربي (الذي كان يسمى في مرحلة تاريخية ماضية "الوطن العربي") ولكن عندما تبدت النوايا عرف بأن وهماً كان وراء تسمية (الوطن العربي) لما حدث من عبث ومحاولة تسلط لبعض الدول على دول أخرى، فعادوا بعد أحداث ونكبات وانقلابات إلى اختلاف في الوجهات وتباين في الولاءات والمصالح، والعمالة وتخوين البعض للبعض، فكانت الدعايات الأقوى هي القائد الرئيس للشارع، وتعددت الأصوات فتنافرت الدول وأصبح الواقع يفرض أن تعمل كل دولة على المحافظة على كيانها والعمل على ماترى أنه الطريق السليم، فصار أن برزت كيانات إقليمية بعضها نجح لكونه قام على أسس سليمة ومراعية للواقع الذي يلائمها وقدراتها، فكان مجلس التعاون الخليجي العربي أنموذجاً فاق كل التوقعات لكونه قام على دراسات مخلصة من أبناء المنطقة لحماية هذه الدول التي لها مكانتها الإقليمية والاقتصادية وما تمثله من ثقل في المنظومة العالمية، وتوالت النجاحات التي أكدتها الإنجازات التي شملت بلدان الخليج العربي كافة، والمواقف التي كانت صلبة في مواجهة أي عدوان على دولة من دول مجلس التعاون الخليجي العربي، فما نتج عن الخريف العربي إلا أن أصبح الصورة القاتمة والمشوهة التي تعاني منها البلدان التي نكبت وأصبحت تنقاد وتقاد حسب أهواء جماعات تعمل لغير صالح بلادها بعدما تعمل وتوسع من النفوذ الذي تحاول بعض الدول التي تكن العداء لكل ماهو عربي وخاصة إيران التي لازالت عقدة الفارسية مهيمنة على سياسييها وملاليها بأنها القادرة على فعل كل شيء، حيث نُفِخَتْ من الغرب بالتعامل معها وممالأتها في الكثير من مواقفها ونواياها الخفية، أخذت تصرّح بشعور العظمة على ألسنة ممثليها في المحافل الدولية ووسائل إعلامها التي تضخم الأفعال التخريبية التي تمارسها في الدول التي تسللت إليها عن طريق العملاء المأجورين والذين اندسوا بين الصفوف لتنفيذ مخطط التوسع الفارسي الذي مارس عملياته التخريبية في دول عربية سهلها لها الخريف العربي فكان الدخول في سورية ومن قبل حزب الله في لبنان الذي أرجع لبنان إلى حالة الفوضى والاضطراب حتى شوهته بعد أن كان درة الشرق، ثم العراق وما لحق به من دمار، وفي اليمن عن طريق الحوثيين الموالين لها والناسفين مصالح وطنهم الأم وراء ظهورهم وعززهم المخلوع الذي باع نفسه وإمكانات البلد التي كانت تحت يديه بواسطة عملائه إلى إيران، ولكن عاصفة الحزم ثم إعادة الأمل، كانت بالمرصاد وقد قلبت الموازين على المشروع الفارسي بل فتتته، حيث أخذ يحاول إشعال الفتن في مواقع مختلفة، فهو مشتت ومدرك أن التوسع الفارسي لن يكون، ولكن هناك من يعمل وهو في عماه بمساندة الوهم الفارسي مخرباً ومدمراً بلاده سياسياً، واقتصادياً، وتاريخياً، وإنسانياً، فَدُكَّت مدن، وغيرت معالم، ومحيت صور جميلة حل محلها أشباح ودمار، وأصبح الهاجس الفارسي أن تستمر هذه الأفعال السلبية، وهي في حقيقة الأمر تعمل وتحاول إشغال المواطن الإيراني المغلوب على أمره وتصور له أنها في خطر وأنها يجب أن تعمل خارجياً ثم تلتفت إليه، ومتى ماتحرك وجد القمع والسحق، ومن يدعون من الغرب أنهم حماة الإنسانية لا يحركون ساكناً ولا يوجّهون لوماً، ولكنهم يذهبون للمنهوكين والمحطمين من أفعال الحرب التي تؤججها وتغذيها إيران والدول التي تنتظر دورها في الدخول في معمعة المماحكات وتنشر تقاريرها المتباكية على الإنسان وانتهاك حقوقه متغاضية عما يفعله عملاء إيران من تدخل سافر في دول لها كياناتها واستقلالها بواسطة العملاء والمرتزقة من الداخل ومن الخارج الذين سهلت لهم وجلبتهم من دول آسيا الوسطى بواسطة الدعاية الدينية وقد تواجد منهم الكثير في سوري وبتسهيلات إيرانية متخذين أسماء جهادية كما يدعون وهم يذبحون المسلمين، وفي مثل هذا الوضع الذي يشبه مافي العراق وما فعلته به جارته إيران هاجر الباحثون عن العيش بأمان من المشردين، والهاربين من ويلات الحروب إلى بعض الدول الأوروبية منطلقين عبر البوابة الليبية التي أصبحت بدون بواب وما من حسيب ولا رقيب، وما يحدث يومياً من غرق مئات البشر الضعفاء والمحاولين النجاة، فصارت ليبيا محطة تجمّع وانطلاق للمهاجرين والمهجرين بحثاً عن حياة آمنة يتلقفهم قراصنة ومصاصو دماء من فاقدي الإحساس بإنسانية الإنسان والمتجردين من الضمير الإنساني، ويزجُّون بهم في قوارب مطاطية وسفن متهالكة ويقذفون بهم عبر البحر الأبيض المتوسط الذي أسماه أحد المنكوبين وهو يبكي أمام كاميرا إحدى الفضائيات (القبر الأبيض المتوسط) لا يعلمون إلى أين توصلهم هذه الوسيلة التي طالما تنكفئ بالمئات في عرض البحر فيموت الكثيرون غرقاً، وهم قد دفعوا مايملكون من الليرات، والدناير على أمل التعويض الذي يأتي ولا يأتي، وصورة الشاحنة التي كانت محملة بالجثث البشرية المتحللة التي وجدت مركونة في النمسا التي قيل إن عددها فوق السبعين جثة، وما صاحب ذلك من دعوات ظاهرة من دعوة للعمل من قبل الدول الأوروبية في مساعدة ومساندة المهجرين واستيعاب البعض، ولكن هي مجرد دعاية ومحاولة تحسين الصورة، ولو رجعنا للواقع لوجدنا أن ممن يدعي المساعدة هو من يمد مساعدة باليد الأخرى السلاح ويمعن في التسويف لتستمر الحروب ويعم الدمار، فيستمر الغرق كل يوم غرقى، والجهود لمحاولة منع هذه الظاهرة عاجزة وستعجز مادامت الحروب والدمار لم تجد من يوقفها بالقوة من الدول الكبرى القادرة على ذلك عن طريق اتخاذ القرارات الحازمة وتفعيلها والتدخل العملي والفعلي الذي يوقف مثل هذه الأعمال اللا إنسانية المهينة، ومعروف من يشعل كما هو معروف من يقدر على أن يخمد نيران الحروب، والوسائل معروفة، أما التشنج الإعلامي والتظاهر بالعمل المتمثل في الدعايات الإعلامية ماهو إلا ضحك على الواقع المؤلم، فقد طفح الكيل ولم يبقَ إلا الحلول العملية من القادرين ولكنهم لا يفعلون، والسؤال لماذا؟