الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الغموض كسلاح في ساحة العلاقات الدولية

الغموض كسلاح في ساحة العلاقات الدولية

03.05.2017
علي حسين باكير


العرب
الثلاثاء 2/5/2017
كتب فيليب لوهاوس وهو باحث متخصص في السياسات الدفاعية والأمنيّة قبل حوالي أسبوع، مقالاً عن أهميّة عدم القدرة على توقّع تحركّات أو سلوك المنافس أو الخصم في السياسة الدولية، ثم ربط ذلك بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لافتاً إلى أنّ الانتقادات المتزايدة له ليست في محلّها، وأنّه يوفّر فرصة غير مسبوقة للولايات المتحدة في مواجهة خصومها، من خلال حالة الغموض التي يتّصف بها.
وفقاً للباحث المذكور، فإن قيمة عدم القدرة على توقّع سلوك المنافس أو الخصم تكمن في أنّها تخلق فرصة لمباغتته، وكما يعلم أي طالب للاستراتيجية فهي بمثابة عنصر خادع ولكنها عنصر إيجابي جداً، لأنّها تعطي صاحبها القدرة على اختيار الزمان والمكان المناسبين لاستغلال نقاط ضعف الخصم أو العدو، ولهذا السبب بالتحديد تقوم الولايات المتّحدة وعدد من الدول بالاستثمار بشكل ضخم في جهود جمع المعلومات، فالقادة الذين لا يمكن تنبؤ تحرّكاتهم أو سلوكهم، يخلطون حسابات الدول الأخرى، ويدفعونها إلى أن تكون أكثر حرصاً في تعاملها معهم، وهو أمر إيجابي على اعتبار أن هذه الدول ستبقى تحت ضغط عدم اليقين إزاء ما هو متوقع.
أمّا الفائدة الثانية للغموض أو لعدم القدرة على توقّع تحركات المنافس، فهي أنها تجرّد الخصم من قدرته على الدفاع عن نفسه، فعندما تضطر إلى مواجهة عدو لا يمكن تنبؤ سلوكه أو خطوته التالية، سيكون عليك تخصيص المزيد من الموارد والجهود للحفاظ على الأمن، وإذا لم تكن قادراً على تحمّل هذه النفقات المتزايدة فسيكون عليك أن توظّف الموجود والمحدود على مساحة أوسع، وهو ما سيؤدي إلى تأمين ضعيف في نهاية المطاف.
أمّا الفائدة الثالثة، فتتعلق بإعطاء وزارة الدفاع المرونة المطلوبة للتعامل مع التحديات الصاعدة أو المفاجئة، على اعتبار أن الجيش الأميركي غالباً ما يتّبع عقائد عسكرية محددة علنية ومعروفة، وبالرغم من أنّها تحدّث بشكل دوري ومستمر لكنها تحرمه من القدرة على المراوغة، وتسلبه المرونة المطلوبة عندما يحدث أمر مفاجئ أو طارئ، مما يحدّ من قدراته على مواجهة هذه الأحداث بكفاءة عالية.
لا شك في أنّ كل ما تمّ ذكره صحيح بشكل عام، لكنّه يحتاج إلى بيئة ملائمة، وإلى شروط مناسبة. بمعنى آخر، هناك فرق دوماً بين الغموض المدروس الناجم عن استراتيجية، وبين العشوائية في السلوك، والفوضى في التصرّف. من المهم بمكان أن يكون هناك نوع من الغموض في طريقة التعامل مع المنافسين والخصوم، فإذا استطاع الخصم قراءة سلوكك، فضلاً عن توقّع خطوتك القادمة فسيسهل ذلك عليه الأمر، وسيعطيه اليد العليا، بحيث يكون متقدماً عليك بخطوة.
لكن في المقابل، فإن الغموض الناجم عن عشوائية أو فوضى يحمل معه سلبيات كبيرة على العلاقة مع الأصدقاء والحلفاء، لأنّه يوقعهم في حيرة أيضاً، ويطعن في مصداقية ومدى التزام صاحبه بالتعهدات التي يقطعها لهم، وحتى هذه اللحظة، لم يثبت أن سلوك ترمب ناجم عن استراتيجية غموض مدروسة، وإلى أن يقرر أن يعمل وفق هذا السياق، فإن الغموض المتعلق بتصرفاته العشوائية قد يحمل معه أيضاً سلبيات للحلفاء والأصدقاء، بحيث يقوض ذلك من مصداقية الولايات المتحدة ويجعلها حليفاً غير موثوق به.;