الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العودة إلى خيار الوضع القائم

العودة إلى خيار الوضع القائم

23.02.2016
باسم الطويسي



الغد
الاثنين 22/2/2016
هل تذهب الأوضاع في سورية إلى تهدئة من نمط جديد؟ وهل تذهب الأوضاع في اليمن نحو حسم قريب؟ وهل حان وقت تصفية صراعات مرحلة التحولات العربية التي عرفت بـ"الربيع العربي"؟ لا إجابات حاسمة عن هذه الأسئلة. لكن المقدمات التي تصاغ في هذا الوقت تشير إلى تبلور إرادة دولية نحو العودة إلى خيار الوضع القائم في عدد من الملفات، وفي بعضها الآخر الوضع القائم قبل التحولات العربية.
لا يعني هذا الخيار عودة النظم ونخبها السياسية إلى سابق عهدها؛ بل إعادة تركيب النظم السياسية على مصفوفة من الولاءات الإقليمية والدولية المشابهة للوضع القائم سابقا. إذ علاوة على أن المنطقة العربية أثبتت، خلال السنوات الخمس الماضية، أن كلف التغيير كبيرة، والتغيير بحد ذاته يحتاج إلى زمن قد يمتد لعقود طويلة، كما أن قضية التغيير تحتاج لعمق مجتمعي يحمل هذا المشروع ويحميه؛ فإن المنطقة ما تزال غير مهيأة لهذه المهمة. في المقابل، نجد القوى الدولية هي الأخرى عاجزة عن دفع فاتورة التغيير أو تحمل كلفه السياسية والاستراتيجية.
قاد المحافظون الجدد منذ إدارة الرئيس جورج بوش الأب تيار التغيير والنزعة التدخلية في الشرق الأوسط، والتي أخذت المنحنى الأكثر حدة في عهد الرئيس جورج بوش الابن الذي وجد في أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 المبرر الكبير لواحدة من أكثر نزعات التدخل في شؤون الآخرين في العالم. صاحب ذلك شعور سياسي بعظمة الامبراطورية (الأميركية) وشرعية تمددها. وبعد أكثر من عقدين على هذه النزعة، وأكثر من عقد على موجتها العاتية المتمثلة في احتلال العراق، ثبت أنها الأكثر كلفة على الاقتصاد والمجتمع الأميركيين والأقل عائدا عليهما.
إن مراجعة هذه الخبرة السياسية والاستراتيجية في إدارة التغيير والاستقرار خلال أكثر من عقدين، تفسر جانبا من التحولات في معادلة القدرة على والرغبة في التدخل في الصراعات الراهنة، وعلى رأسها التردد الأميركي في الانخراط في الصراع على مستقبل سورية، والميل إلى التسويات والتفاهمات الهادئة في الصراعات التاريخية، مثلما حدث في الملف النووي الإيراني. فقد وصل إلى يقين القوة العظمى أن النزعة التدخلية الحادة أفرغت الكثير من الأرصدة الأميركية، ليس الاقتصادية فحسب، بل السياسية والمعنوية أيضا نتيجة حجم تراكم الفشل في إدارة التغيير الذي خلفة المحافظون الجدد.
على الرغم من الحمولة الأخلاقية التي أسبغت على صيغ التغيير، إلا أنها، ومن دون استثناء، فشلت في الوصول إلى الحد الأدنى من الأهداف المعلنة، من قبيل مشاريع نشر الديمقراطية، وإعادة البناء والإعمار، ومسار إعادة بناء الدولة، ومعركة كسب العقول والقلوب. هذا الفشل صاحبته نزعة لعسكرة العالم؛ حيث وصل الإنفاق العسكري العالمي ذروته في العقد الأول من هذا القرن، كما هي الحال في تصاعد الإنفاق العسكري الأميركي.
سلوك إدارة الرئيس باراك أوباما التي خفضت الإنفاق العسكري إلى أدنى معدلاته منذ العام 1991، يشير إلى نمط جديد من العقلانية الاستراتيجية استنادا إلى الواقعية السياسية في إدارة المصالح، على الرغم من حالة الإحباط التي تشهدها المنطقة جراء السياسات الأميركية. فسلوك حلفاء الولايات المتحدة في الأزمات الراهنة لا يدل على إدراك كنه هذه التحولات، إلى جانب إدراك وجود أزمة حقيقية في قيادة النظام العالمي.