الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العملية في درعا: فصل جديد في مآلات المعارضة الحزينة

العملية في درعا: فصل جديد في مآلات المعارضة الحزينة

09.07.2018
إبراهيم درويش


القدس العربي
الاحد 8/7/2018
كما هي العادة في فصول الحرب الأهلية السورية الطاحنة منذ سبعة أعوام، يتعهد المقاتلون المعارضون لنظام الأسد القتال حتى النهاية وشيئا فشيئا يقررون الخروج أو القبول بشروط النظام أي الاستسلام له. وتعودنا كما في حالات مثل حمص والغوطة الشرقية وقبلهما، على رؤية حافلات الحكومة وهي تنقل المقاتلين وعائلاتهم إلى مناطق المعارضة في الشمال التي تقلصت إلى محافظة إدلب ومناطق تسيطر عليها تركيا مع حلفائها من الجيش السوري الحر.
لكن ما يلفت النظر في المعارك التي شنها النظام السوري في جنوب – غرب البلاد، هي أنها لم تستمر طويلا مثل الغوطة الشرقية والمناطق الأخرى المحاصرة. وهذه المفارقة أيضا فقد جرى الحديث عن الجبهة الجنوبية كونها من أكثر الجبهات تماسكا وبحضور قليل لتنظيم «الدولة» الإسلامية وتنظيم القاعدة. وحاول البعض تقديم المنطقة التي كان مقاتلوها يتعاملون مع غرفة العمليات العسكرية في عمان كمثال على منطقة للحكم الذاتي بعيدا عن نظام بشار الأسد. وكانت المنطقة الرابعة من مناطق خفض التوتر التي تم الاتفاق في ثلاث منها بين روسيا وتركيا وإيران أما هذه فقد تمت بتوافق بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة الدول العشرين التي انعقدت في ألمانيا العام الماضي. وفي كل الحالات خرق النظام وبدعم من الروس شروط الاتفاق وقاما بعمليات عسكرية مدمرة فيها أخرجت مقاتليها ودمرتها بشكل كامل وهذا يدخل ضمن خطة الأسد إعادة تشكيل سوريا «الصغيرة» التي سيحكمها فيما بعد الحرب وقد شرد معظم سكانها السنة وأصبحت الرؤية الطائفية فيها أكثر وضوحا كما أشارت مجلة «إيكونوميست»(28/6/2018). والواضح أن المعركة في الجنوب كانت جزءا من طموحات الأسد «المنتصر» استعادة المناطق التي خسرها من اندلاع الحرب الأهلية في عام 2012 رغم أن الوجود التركي في الشمال والأمريكي – الفرنسي في الشرق سيعقد من مهامه لكن ثوار سوريا ومنذ خروجهم ضد النظام كانوا ضحايا انقساماتهم وأكثر من هذا ضحية المناورات الدولية خاصة أمريكا التي أكدت للمقاتلين في الجنوب أن لا يتوقعوا دعمها مما يعني دعوة لهم للاستسلام وعدم المضي في القتال مع أن وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت تحذيرا للنظام وروسيا بأنهما سيواجهان تداعيات خطيرة لو واصلا العملية ضد المعارضة في منطقة درعا قريبا من الحدود الأردنية.
سياق إقليمي
واللافت في الأمر ان السياق الإقليمي وقف هذه المرة ضد المعارضة وبشكل واضح، حيث كان هناك «تفهم» ان لم يكن قبولا بالعملية العسكرية في الجنوب والتي تعني عودة الأسد بدون إيران إلى هذه المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية في الجولان المحتل. ومن هنا كان حديث إسرائيل عن ضرورة خروج الإيرانيين من المناطق القريبة من حدودها وتأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لا تتوقف رحلاته إلى موسكو على أهمية العودة إلى ترتيبات عام 1974 التي جاءت بعد حرب عام 1973 والتي تم فيها تحديد مناطق منزوعة السلاح برقابة اممية وظلت هذه المناطق هادئة حتى اندلاع الحرب الأهلية. وتعتبر هذه الترتيبات التي تحدث عنها مسؤولون لمراسل وكالة «أسوسيتدبرس»(5/7/2018) «الخطوط الحمراء» لإسرائيل. وقال مسؤول إسرائيلي بارز «مطلبنا هو انسحاب القوات الإيرانية أو خروجها بالكامل من سوريا وخاصة مناطق الجنوب – الغربي». ويعد موقف القادة الإسرائيليين تحولا من الحرب التي أظهروا انهم ليسوا مع جانب فيها، رغم غاراتهم الجوية على مواقع الإيرانيين وقوافل حزب الله ودعمهم لعناصر في المعارضة الجنوبية في العلاج والمساعدة الغذائية وأحيانا السلاح الخفيف. وينبع التحول من توصل القادة الإسرائيليين، وهو موقف عدد من الدول الغربية وبالذات أمريكا أن بقاء الأسد لم يعد القضية، وأن نجاته لم تعد محلا للنقاش. فقادة إسرائيل ربما فكروا يوما أن وضعهم أحسن مع نظام جديد في دمشق لكنهم يؤمنون بفكرة الشيطان الذي تعرفه وهذا هو الذي ظل محافظا على الحدود معهم هادئة لأكثر من أربعة عقود. وفي هذا السياق قال مسؤول عسكري إسرائيلي «نبحث عن عنوان نثق به ونبحث عن دفاع وأمن لأراضينا ومصلحة شعبنا» و «لو حصلنا على هذا فسيكون جيدا». والمشكلة بالنسبة لإسرائيل هو البعد الإيراني في الأزمة الذي كاد يقود في شباط (فبراير) لمواجهة كاملة بين إسرائيل وإيران على الساحة السورية. وفي أيار (مايو) دمرت إسرائيل مواقع إيرانية داخل سوريا وأكدت أنها لن تتسامح مع الوجود الإيراني على الساحة السورية. وفي كل التطورات تلعب روسيا دور القاضي والحكم، وتثق بها على إسرائيل وحصلت منها على ضوء أخضر لضرب ما تراه تهديدا لها طالما لم تصب القوات الروسية على الأرض التي تستخدم أحيانا قواعد عسكرية مشتركة مثل قاعدة تيفور في منطقة حمص والتي كانت هدفا للغارات الإسرائيلية. وفي العملية على الجنوب لعبت روسيا دور الوسيط والمقاتل من خلال الغارات التي دكت مواقع المعارضة. ومنذ بداية العملية في 19 حزيران (يونيو) شن الطيران الروسي والتابع للنظام حوالي 600 غارة أدت لتشريد أكثر من 330.000 مدني من هذه المناطق.
إيران أولا وأخيرا
ولا يمكن فصل مصير المعارضة في الجنوب عن التحول الواضح في الموقف الأمريكي من سوريا، فمع خروج ترامب من الاتفاقية النووية الموقعة مع إيران عام 2015 بات واضحا أن معالم السياسة الخارجية أصبحت مع صعود كل من مايك بومبيو، للخارجية وجون بولتون إلى مجلس الأمن القومي، تركز على مواجهة إيران وتأثيرها في المنطقة سواء في سوريا، لبنان والعراق واليمن. وتعتبر سوريا الساحة الأهم لأنها قريبة من إسرائيل التي تدعم موقفا متشددا من النظام الإيراني وطالما طالبت بعملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية وكان نتنياهو من المصفقين للتظاهرات الأخيرة في إيران. ويعول الجميع على روسيا للحد من الدور الإيراني رغم أن هناك شكوكا في إمكانية لعب موسكو دورا في هذا السياق، فقد لعبت مع طهران دورا في حماية النظام السوري. إلا ان مشكلة موسكو نابعة من عدم وجودها الفعلي على الأرض، فهي تسيطر على الأجواء لكنها تعتمد على القوات التابعة لإيران ووكلائها من حزب الله والجماعات الشيعية الأخرى. وحسب مسؤولين نقلت عنهم مجلة «فورين بوليسي» (5/7/2018) إن بوتين في الوقت الحالي غير مهتم بإخراج الإيرانيين من المعادلة السورية المعقدة. وقالوا إن فكرة طرح الرئيس الأمريكي ترامب مع نظيره الروسي في لقاء هلسنكي المرتقب بينهما في 16 تموز (يوليو) لا معنى لها لأن الجواب سيكون «لا» رغم ما ورد على لسان مستشار الأمن القومي بولتون من إمكانية التعاون للحد من الدور الإيراني في سوريا. واعتبر دبلوماسيون سابقون قراءته للأحداث مغلوطة. وقال مايكل ماكفول، السفير الأمريكي السابق في موسكو: «أعتقد أن من المبالغة الفادحة الاعتقاد بقدرة بوتين على إخراج الميليشيات الموالية لإيران من سوريا، فليس لديه ذلك النفوذ على إيران». ويرى يوري بارمين، الخبير بشؤون الشرق الأوسط في المجلس الروسي للشؤون الدولية: «أعتقد أصبح واضحا الآن ان روسيا لن تتخلى عن شراكاتها بتلك السهولة» و «لو كان هذا الحال لتخلت روسيا عن الأسد وإيران منذ وقت طويل». وعلق ريتشارد نيفيو، النائب السابق لمساعد سياسة العقوبات في وزارة الخارجية إن الروس لا يدخلون بصفقات تعاقدية، وتحتاج أمريكا لتقديم تنازلات كبيرة كي تقنع بوتين بالتحرك ضد إيران في سوريا. وقال: «لو طلبت إدارة ترامب قائلة: نريد (بوتين) منك إخراج إيران وحزب الله ونعتقد أنه يجب رحيل الأسد ونتطلع لعملية انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة لضحك الروس عليهم». ويرى ماكفول، السفير السابق أن بوتين يمكن أن يوافق على شيء غامض ولا يلتزم به لاحقا. وهذا جوهر ما تحدث عنه دينيس روس المفاوض الأمريكي السابق والباحث في معهد واشنطن بمقاله الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» (5/7/2018) وقال فيه إن أمريكا تخلت عن سوريا لبوتين وليس لديها ما تقوله له أو تطالبه. وأكد أن أمريكا باراك اوباما وترامب كررت الخطأ تلو الخطأ وتغاضت عن «خيانة» موسكو على أمل التعاون في الملف السوري. وتحدث روس عن جهود وزير الخارجية السابق جون كيري التي أحبطتها في كل مرة روسيا. فقد قام الروس مع النظام السوري والإيرانيين بعملية عسكرية دمروا فيها وأفرغوا ثلاث مناطق خفض توتر من سكانها وبقيت الرابعة التي اتفق عليها ترامب وبوتين في جنوب – غرب سوريا هادئة – حيث حررت الأسد ودفعته بدعم من الروس للهجوم على مناطق أخرى. وعاد الأسد والروس للمنطقة هذه وكان رد الخارجية الأمريكية إصدار بيان حذرت فيه نظام الأسد والروس من «التداعيات الخطيرة لهذه الانتهاكات»، ولكن هل واجهت موسكو «التداعيات الخطيرة»؟ لا. ويعلق روس أن لا أوباما أو ترامب كان لديهما الاستعداد لفرض ثمن على الروس، فكلاهما كان يريد الخروج من سوريا لا التورط فيها. وكلاهما سمح لبوتين لأن يكون الحكم/الوسيط في الأحداث. وكل ما يمكن أن تقوم به واشنطن اليوم التركيز على بقائها في سوريا لحين هزيمة تنظيم الدولة – السبب الرئيسي لوجودها هناك بالإضافة لحث موسكو التعاون على احتواء الوجود منعا لحرب شاملة بين طهران وإسرائيل. ويرى جون بوديستا وبريان كاتوليس بمقال مشترك في «فورين بوليسي» (6/7/2018) أن ترامب فشل بوقف الانتهاكات الروسية لاتفاق أشرف عليه شخصيا في جنوب – غرب سوريا. وقالا إن ما يجري في الجنوب مهم ليس لسوريا ولكن لإسرائيل وحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط التي تخشى من ان تعطي العملية الأخيرة إيران مساحة للمناورة وتركيب أسلحة ثقيلة وصواريخ متقدمة داخل سوريا. ويخشى الأردن الذي عانى من أزمة اقتصادية وسقوط حكومة من موجة جديدة من اللاجئين. لهذا السبب لم يجد الفارون من جولة الحرب الجديدة إلا السماء يلتحفونها والصحراء.
ووصفت صحيفة «نيويورك تايمز» (6/7/2018) وضعهم قائلة إن 15 مدنيا ماتوا على الحدود الأردنية بسبب «قرص العقارب لهم والجفاف والأمراض التي نتجت عن المياه الملوثة». وفي منطقة ترتفع فيها درجة الحرارة إلى ما فوق 43 درجة مئوية نهارا وتنخفض في الليل، فالحياة قاسية في ظل عدم السماح للاجئين بعبور الحدود الأردنية، مع ان الحكومة تقدم المساعدات لهم. ودعا المفوض السامي للاجئين في الأمم المتحدة فيليبو غراندي الأردن السماح للموجة الجديدة دخول الأراضي الأردنية وإن بشكل مؤقت. لكنهم عالقون على الحدود بدون غطاء أو دواء. ووصفتهم «إيكونوميست» (28/6/2018) بالفلسطينيين الجدد، لكن لاجئي الأزمة السورية عالقون على الحدود ولا أحد يريدهم، إنهم ضحايا وحشية الأسد والتعهدات الغربية الفارغة التي منحته فرصة للنجاة ولم يعد لديها مثل أمريكا القدرة على منعه، وكل ما يمكن أن تعمله الآن هو الحد من استمراره في المجزرة بعدما خسر الغرب مصداقيته هذا إن كانت لديه النية والإرادة.