الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العملية التركية لضبط الأمن في عفرين

العملية التركية لضبط الأمن في عفرين

24.11.2018
بكر صدقي


القدس العربي
الخميس 22/11/2018
أثارت صور، نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، للناشط الإعلامي بلال سريول بعد تحريره من قبضة "فرقة السلطان مراد" الموالية لتركيا، استياءً واسعاً بسبب علامات التعذيب الواضحة على جسده. وسريول هو من النشطاء المدنيين المعارضين ممن تم تهجيرهم من الغوطة إلى عفرين التي تسيطر عليها فصائل تابعة لحملة "غصن الزيتون" التركية.
وفي وقت لاحق دخل سريول الأراضي التركية، في وقت لا تسمح فيه تركيا بدخول أي نازحين سوريين.
ليس سريول أول ضحايا تلك الفصائل المحسوبة على "الجيش الحر" الذي تحول، في مناطق سيطرة القوات التركية، مؤخراً، إلى "الجيش الوطني". بل تتواتر شكاوى كثيرة من منطقة عفرين حول انتهاكات تلك المجموعات المسلحة التي باتت، منذ وقت طويل، أقرب إلى عصابات مرتزقة تمارس السلب والنهب حيثما حلت. ولا يقتصر الأمر على مدينة عفرين والقرى التابعة لها إدارياً، بل تشمل أخبار الانتهاكات مناطق "درع الفرات" أيضاً الممتدة من جرابلس إلى إعزاز وصولاً، في العمق، إلى مدينة الباب قرب مدينة حلب. وتتراوح الانتهاكات بين الخطف بهدف طلب الفدية، والقتل لأتفه الأسباب. كما شهدت تلك المناطق عمليات اغتيال مجهولة الفاعل لنشطاء مدنيين أو لقادة عسكريين للمجموعات المسلحة، إما في إطار تصفية حسابات أو في إطار الصراع على مناطق النفوذ والسيطرة و"الغنائم".
مختصر القول، إن المناطق التي دخلها الجيش التركي، سواء في عملية درع الفرات، منذ صيف العام 2016، أو في عملية "غصن الزيتون" في أواخر كانون الثاني للعام الحالي 2018، تشهد فوضى أمنية كبيرة، ضحاياها السكان المدنيون أولاً. نوع من قانون الغاب حيث كل من أمسك بالسلاح يفرض سلطته على السكان ويرتكب ما يشاء من انتهاكات. وكل ذلك في المنطقة التي تسيطر عليها القوات التركية التي لم تتدخل ولا حاولت فرض قواعد سلوك معينة على فصائل عسكرية محسوبة عليها. مع العلم أن جهاز الاستخبارات التركي متواجد في تلك المناطق، ولديه شبكة متعاونين محليين يزودونه بالمعلومات التي تهمه. وهو ما يعني أن صانع القرار التركي، بأعلى مستوياته، لا بد أن يكون على اطلاع على ما يحدث في مناطق يتحمل المسؤولية السياسية عنها.
إن المناطق التي دخلها الجيش التركي، سواء في عملية درع الفرات، منذ صيف العام 2016، أو في عملية "غصن الزيتون" في أواخر كانون الثاني للعام الحالي 2018، تشهد فوضى أمنية كبيرة، ضحاياها السكان المدنيون أولاً
لم يعرف أحد الجواب على سؤال: لماذا تمتنع تركيا عن ضبط الوضع الأمني في مناطق سيطرة جيشه وحلفائه من الفصائل؟ وتزداد أهمية السؤال بالنظر إلى أن المسلك التركي، في الميادين غير العسكرية ـ الأمنية، يتناقض تماماً معه في الميدان المذكور. العلم التركي يرفرف في كل مكان، وأقامت الحكومية التركية مستشفيات، كادرها الطبي خليط من سوريين وأتراك. وشبكات الهاتف المحمول التركية هي المسيطرة على سوق الاتصالات، وتعمل شركات بناء تركية على بناء مرافق عامة أو ترميم أبنية مهدمة بسبب الحرب. التجارة نشطة بين تركيا ومناطق سيطرة جيشها، بما في ذلك شراء معظم موسم الزيتون المنتج في منطقة عفرين. القصد أن الإجراءات التركية في تلك المناطق تشير إلى ديمومة البقاء، في حين تتصرف القوات التركية وكأن أمن تلك المناطق لا يعنيها من قريب أو بعيد.
لذلك فاجأت العملية الأمنية التي قادتها قوات خاصة تركية وبمشاركة فصائل "الجيش الوطني"، في مدينة عفرين، يوم الأحد 18 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، السكان المحليين والمراقبين الخارجيين على حد سواء. ترى ما الذي تغير حتى تغيرت السياسة الأمنية التركية بطريقة مفاجئة؟ أم أنها عملية منفردة لهدف محدود ولا يتعلق الأمر بتغيير كبير؟
امتنعت المراجع السياسية التركية عن أي تعليق على العملية، واقتصر الأمر على تغطية هامشية في وسائل الإعلام، عبر تقديمها على أنها ملاحقة لمطلوبين بسبب انتهاكاتهم. والحال أن الانتهاكات لم تقتصر على فصيل "شهداء الشرقية" بل شاركت فيها جميع الفصائل. واللافت، بهذا الخصوص، أن حالة الإعلامي بلال سريول المذكورة في مقدمة هذا المقال، التي ربما كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، تشير إلى مسؤولية لواء السلطان مراد، وليس شهداء الشرقية. والأول من أكثر الفصائل رعاية من قبل تركيا، وقد شارك في الحملة ضد شهداء الشرقية التي انتهت بطرد عناصرها من مدينة عفرين بعد الاستيلاء على جميع مقراتها.
ترى هل يتعلق الأمر باستحقاقات ملحة تواجهها تركيا إزاء شريكها الروسي في اتفاق سوتشي بشأن إدلب؟ أي هل هي رسالة تركية تريد طمأنة الروس إلى أن تركيا جادة في محاربة الفصائل "الناشزة"؟ (فقبل أشهر قليلة، افتعل "شهداء الشرقية" معركة محدودة مع قوات النظام في ريف حلب الغربي). أم، بالعكس، هي رسالة لروسيا بأن فصائل "المعارضة المسلحة" هي تحت السيطرة التركية، بما يمنح تركيا موقع المفاوض الذي يملك أوراق قوة يفاوض بها روسيا في الخلاف حول اللجنة الدستورية؟ أم أن الأمر يتعلق بإدراك متأخر لضرورة ضبط الأمن في مناطق محسوبة عليها، ولاستمالة السكان لمصلحتها؟
لقد سبق لحزب الشعوب الديمقراطي ـ الممثل السياسي لكرد تركيا في البرلمان ـ أن أثار موضوع انتهاكات الفصائل المحسوبة على تركيا في منطقة عفرين، لكن الحكومة التركية تعاملت معه بازدراء، وأنكرت وقوعها جملة وتفصيلاً. ترى هل يتعلق الأمر، بالنسبة لعفرين على الأقل، ببداية التحضير للانتخابات البلدية التي ستجرى في آذار/مارس 2019، لكن معركتها بدأت منذ الآن؟ والقصد هو محاولة الحكومة كسب قلب الناخب الكردي من أجل الفوز ببلديات مناطق جنوب شرق الأناضول ذات الكثافة السكانية الكردية. بل إن صوت الناخب الكردي مهم أيضاً في بعض المدن الكبرى غرب البلاد، كاسطنبول مثلاً. ومعروف أن التنافس على أصوات الكرد يكون أساساً بين حزب الشعوب وحزب العدالة والتنمية الحاكم. كل الاحتمالات المذكورة، أو بعضها، قد تكون وراء العملية الأمنية في عفرين، وقيل إنها ستمتد أيضاً إلى جرابلس والباب وغيرها من بلدات وقرى منطقة درع الفرات. ولكن لا بد، من باب الطرافة، من ذكر بعض "تحليلات" صحف موالية للحكومة التركية، بلغ بها "تسييس" العملية الأمنية حد اتهام "شهداء الشرقية" بتلقي أموال من "دول خليجية" لاختلاق ما يربك الحكومة التركية، على خلفية التوتر السعودي ـ التركي بشأن جريمة قتل جمال خاشقجي!