الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العمق السياسي للمناطق الآمنة في سورية

العمق السياسي للمناطق الآمنة في سورية

12.02.2017
د. حسام العتوم


الرأي الاردنية
السبت 11/2/2017
منذ بداية صراع الدولة العربية السورية مع الاحتجاج الشعبي السوري ومن ثم مع المعارضة الوطنية السورية عام 2011، وقبل ذلك ابان بدايات الربيع السوري وسط هيجان الربيع العربي وتلاطم امواجه إن صح التعبير وبالعكس انطلاقاً من درعا ودمشق وباقي المدن السورية، بهدف مواجهة الفساد والطبقية وغياب العدالة، وبعد ذلك منذ بدايات دخول موجات الارهاب إلى داخل سورية عبر الحدود الطويلة، وبعد اختراق أركان مجتمع الدولة بجهد خفي للعرب والعجم، قادت الولايات المتحدة الأمريكية رقعة شطرنج الصراع ذاك وهذا بحكم علاقاتها المتينة مع العرب وتركيا وإيران وتحالفها العسكري مع بعضهم عبر (الناتو).
وسارت أمريكا وفق نظرية أعدت مسبقاً في (الكونغرس)، و(البنتاغون)، و(الايباك) مستخدمة الورقة العربية غير القادرة على الوحدة، وعينها على أمن (اسرائيل) واعتباره خطا أحمر، وهدفها صوب الاطاحة بنظام الاسد في دمشق على غرار سيناريو سابق لها في (بغداد) و(طرابلس) بعد خلخلة (تونس) و(القاهرة)، فهيّجت العرب وأقنعتهم بالخطة (ب) التي تحمل ذات الهدف المتمثل بالإطاحة تحت غطاء دعم المعارضة بالمال والسلاح، وهو امر قادها للتفكير بالمناطق (العازلة) أو (الآمنة) بعد دروس استفادت منها أي أمريكا وبعدها روسيا في الحربين العالميتين الاولى 1914/ 1918، والثانية 1939- 1945.
وما كاد أن ينجح مسار أمريكا السياسي والعسكري السياسي والعسكري آنذاك على الأرض السورية وهو وجود تراسنة الصواريخ الكيماوية السورية الخطيرة التي امتلكها نظام دمشق لمنع الامتداد الاسرائيلي الى ما بعد الجولان السوري المحتل وليس بهدف تحريره بطبيعة الحال، ولمواجهة أي اعتداء خارجي على اراضيها سواء كان من طرف (امريكا والناتو) أو من جانب (تركيا) أو حتى من جهة العرب، واعتبارها في المقابل مهددة لأمن (اسرائيل)، وعدم أحقية امتلاكها لها رغم احتفاظ (تل ابيب) بترسانة نووية اقوى بعد كشف الخبير اليهودي المغربي (جون كروسمان- مردخاي فعنونو) لها عام 1985.
واختالت امريكا وقتها في ديارنا العربية إبان حقبة (أوباما) السياسية وكثرت من زياراتها المكوكية السرابية وسط ملفات العرب الساخنة مثل (القضية الفلسطينية)، وقضيتي (العراق) و (سورية) مروراً بقضية (ليبيا)، ولم يخطر على بالها ولا حتى على خاطر العرب بأن روسيا قادمة لا محالة إلى وسط الملف السوري من خلال علاقتها الجيوبوليتيكية المتينة مع دمشق، فوضعت عينها على حزمة الترسانة الكيماوية العسكرية السورية واتفقت مع أمريكا لهذه الغاية، ودفعت باتجاه اصدار قرار جماعي لمجلس الأمن رقم (2118) بهدف تفكيك السلاح الكيماوي سابق الذكر وأدانه استخدامه وسط منطقة عربية وشرق اوسطية ملتهبة اصلاً، وكان هذا عام 2013، وسبق هذه الخطوة الدولية الهامة وبجهد روسي دبلوماسي ملاحظ من قبل وزير الخارجية (سيرجي لافروف) انعقاد مؤتمر جنيف(1) للسلام حول سورية عام 2012، والتخطيط من اجل انجاح مؤتمر جنيف(2)، وبعد ذلك نجاح روسيا تحديداً في تحقيق انجازات عسكرية حقيقة على الأرض في موضوع سحق وكنس وطرد الارهاب المنحدر عن تنظيم (القاعدة) وعصابتيه الشرّيرتين المجرمتين (داعش)، و(النصرة)، ومن الجو، والبحرية فقط، وبمساعدة الاتصالات الفضائية الدقيقة، نجمت عن تدمير مخيمات تدريبية ومصانع للمتفجرات وتصفية لقيادات هامة لهم. وواصلت روسيا مسيرتها السياسية بعد ذلك في عقد هدنة بين نظام دمشق والمعارضة الوطنية بالتعاون مع تركيا وإيران بعد ترويض وجهات النظر معهما، وهي الهدنة التي اسست لمؤتمر (الاستانا) هذا العام 2017 في كازخستان، وتبعاته وجلساته التي مازالت تنعقد بحثاً عن حلول جذرية لأزمة سورية الدموية التي استمرت قرابة ستة أعوام ومازالت بحاجة لترميم، وأمام سورية اليوم ملفات متجددة بحاجة لدراسة وافية من أهمها اقتلاع الارهاب وتحصين الحدود والداخل منه، وإعادة البناء وهو عمل طويل ومكلف، وتطوير باتجاه جنيف (3)، والروس يقتدون في عملهم بمقولة ونستون تشرشل: "أن تفاوض مئة عام خير من أن تحارب عاماً واحداً".
وثمة فرقٌ بين المناطق الآمنة والعازلة من وجهة نظر القانون الدولي حسب الرأي القانوني للأستاذ الدكتور انيس القاسم، فالمناطق الامنة تحتاج لقانون امم متحدة والمناطق العازلة هي مجرد اتفاق بين دولتين، وتخوف سوري وعربي في المقابل من تحويل المشروع الأمريكي الجديد هذا إلى موديل من (سايكس بيك) بحيث يؤدي إلى تقسيم سورية إلى دويلات صغيرة، وهو أمر اكده العميد اسعد الزعبي رئيس الوفد السوري المعارض في مفاوضات جنيف اثناء حديثة لقناة عربي 21 وتخوفه من توزيع سوريا على دول الجوار أو تقسيمها داخلياً، وفي المقابل وإذا ما اخذنا بالنوايا الحسنة للرئيس الأمريكي الجديد (دونالد ترامب) الذي اصدر أوامره لطاقمه الإداري بدارسة موضوع المناطق الامنة في سورية قانونياً والخروج بصيغة مناسبة تقضي إلى منع الهجرة وإعادة المهاجرين إلى بيوتهم ووطنهم، وإعطاء مهلة مقدارها (90) يوماً من تاريخ 25 كانون الثاني 2017، فإننا نجد في المقابل ردة فعل قانونية سريعة على حظر سفر 7 دول ذات اغلبية مسلمة للولايات المتحدة الامريكية وهي (إيران، والعراق، وليبيا، والصومال، والسودان، وسورية، واليمن). وتم اعفاء مزدوجي الجنسية، ومن دخل البلاد الامريكية من اللاجئين قبل ذلك، وأعلنت مجموعة من المحاكم الأمريكية رفضها للامتثال لقرار (ترامب) هذا، منها (محكمة بوسطن الفدرالية، ومحكمة سياتل الفدرالية، ومحكمة ولاية فرجينا الفدرالية، ومحكمة بروكلين الفدرالية بولاية نيويورك).
ويقابل هذه المعادلة من جديد انتقاد روسي دبلوماسي وسياسي ورد على لساني كل من وزير الخارجية (سيرجي لافروف) و(دميتري بيسكوف) مدير إعلام الكرملين في موضوع عدم استشارة واشنطن لموسكو في مسألة مشروع المناطق الامنة، خاصة وان الجانبين الأمريكي والروسي اتفقا خلال مكالمة هاتفية بين الرئيسين (ترامب) و(بوتين) واستمرت 45 دقيقة على التعاون المشترك في كافة المجالات التي تربط العلاقة بين بلديهما العملاقين، واعتقاد لدي يقول بأن الإدارة الامريكية الجديدة من حول الرئيس (ترامب) ارادت من خطوة المناطق الامنة هذه ليس ابعاد الاثار السلبية من تدفق اللاجئين صوب امريكا ولا حتى التخلص من تكلفتهم المادية الباهضة، وإنما العودة بقوة إلى سوريا وعدم خسران موقعها الاستراتيجي الذي قدمت إليه روسيا، والعزف بعيد المدى من جديد على مسألة توريد الغاز القطري إلى أوروبا وهو الذي يشكل أحد الاسباب الهامة للحرب السورية الخاضعة لهدنة مستقرة الآن، ولكي تشارك امريكا بوضوح في إعادة بناء سورية وعدم ترك الباب مفتوحاً في هذا المجال لروسيا وحدها والتي هي صاحبة مشروع حماية الدولة السورية ونظامها الأسدي الحاكم أمام أمواج الارهاب والأطماع الخارجية الدولية رغم تجاوز الأسد لأصول قواعد النظام الجمهوري عبر دستور متجدد مشكوك بهويته السورية، وتوجيهه للحكم بطريقة الملكية الخفية، وهنا لا يسعني إلا أن اقدّر عالياً لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني بالرئيس الأمريكي دونالد رامب وبالإدارة الأمريكية الجديدة بداية شهر شباط الحالي والتي احدثت اضاءة أردنية وعربية في البيت الأبيض، وأثمرت في تعزيز العلاقة الأمريكية مع الأردن القلعة الصامدة وسط منطقة هائجة ومائجة بالإرهاب، وفي تفهم أهمية توفير الأمن والأمان للشعب العربي السوري الشقيق، وفي تحريك عملية السلام المتوقفة بين اشقائنا الفلسطينيين وبين (الاسرائيليين) من جانب آخر، ولا يمكننا إلا أن نصفق بصوت مرتفع لجهود جلالته في اقناع الادارة الامريكية لأهمية تجميد المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية على ارض فلسطين وإلى تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات في محاربة الارهاب ومنهم (الخوارج)، وإلى عدم إتخاذ سياسات تؤجج حالة الاحباط على الساحة الفلسطينية، وإلى ضرورة تقييم العواقب وما قد يسببه من غضب، ومن مخاطر على حل الدولتين، وذريعة يستخدمها الارهابيون لتعزيز مواقفهم في اشارة لموضوع المشروع الامريكي في نقل سفارة واشنطن إلى القدس، وهو المرفوض عربياً بكل تأكيد ووسط المسلمين والمسيحيين، وأخيراً اتمنى على القيادة الأمريكية الجديدة تفهم العالم، والعمل من اجل تقاسم المصالح الدولية وإنهاء الحرب الباردة وسباق التسلح لما فيه كل الخير للإنسانية جمعاء، وان تكون امريكا صديقة حقيقة لروسيا ولدول العالم ولقضاياهم العادلة أفضل الف مرة من اختيار (اسرائيل) فقط صديقة لها وتخسر في الحرب الاعلامية الدولية الدائرة في المقابل.