الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العلاقات التركية الأمريكية بعد فشل الانقلاب

العلاقات التركية الأمريكية بعد فشل الانقلاب

30.07.2016
محمد زاهد جول


الشرق القطرية
الخميس 28/7/2016
الرسائل المتبادلة بين المسؤولين الأتراك ونظرائهم الأمريكيين منذ وقوع الانقلاب الفاشل مساء الجمعة 15 يوليو 2016 تبعث على الريبة والشكوك من المواقف الأمريكية نحو تركيا، فقد كان من اللافت أولًا أن يصدر في اليوم الأول للانقلاب تحذير من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للحكومة التركية: "بألا توجه اتهامها لأمريكا بأنها هي من يقف وراء الانقلاب"، وأن يتبعه بتهديد آخر للحكومة التركية أيضًا: "بأن اتهام تركيا لأمريكا بالضلوع في هذا الانقلاب سوف يسيء للعلاقات التركية الأمريكية"، كان هذا التحذير يوم 16/7/2016، ولما يمضي أربع وعشرون ساعة على وقوع الانقلاب، وهذا أمر مريب أولًا، ولما راجع المحللون الأتراك بيان السفارة الأمريكية في أنقرة في الساعات الأولى للانقلاب ووصفه: "بأن تركيا تواجه انتفاضة"، بينما تبين أنها انقلاب دموي غاشم، استاء الشعب التركي من هذا الوصف، الذي لم يجد مواطنا تركيا واحدا يصدق بأن الانقلاب الغاشم هو انتفاضة، وأخيرًا جاءت أخبار قاعدة إنجيرليك على مسامع الأتراك مثل الصاعقة، فقد أثارت أكبر الشكوك على تورط قاعدة إنجيرليك في هذا الانقلاب، وبالأخص إقلاع طائرات تزويد بالوقود لطائرات الانقلابيين من قاعدة إنجيرليك، مما دفع الشعب التركي كله للشعور بالأسف من تورط أمريكا بهذا الانقلاب، وبالأخص أن أمريكا لها تاريخ حافل في دعم الانقلابات العسكرية السابقة في تركيا.
لم توجه الحكومة التركية اتهامات رسمية علنية لأمريكا بالتورط بهذا الانقلاب، ولكنها تصدر تصريحات متوالية بأن على أمريكا أن تسلم زعيم الانقلاب فتح الله جولن المقيم في بنسلفانيا الأمريكية إلى تركيا، بعد تقديم الحكومة التركية الأدلة الدامغة على تورط جولن بهذا الانقلاب، ولعل تصريح رئيس هيئة الأركان التركية خلوصي آكار يوم 25/7/2016 أي بعد أسبوع واحد من فشل الانقلاب يمثل أكبر دليل على ذلك، فقد أكد رئيس هيئة الأركان التركية بان فتح الله جولن هو من تزعم الانقلاب فعلًا، فقد جاء أحد كبار جنرالات الانقلاب يطلب منه بعد أن رفض المشاركة في الانقلاب أن يتصل بفتح الله جولن في الساعات الأولى من بدء الانقلاب، ولكنه رفض بحسب قوله، فهذا دليل يقدمه رئيس هيئة الأركان التركية أمام الرأي العام التركي والأمريكي والعالمي على أن جولن هو من تزعم الانقلاب من أمريكا، فهذا التصريح دليل قاطع أولًا، وهو دليل بين الأدلة الكثيرة التي تفرض على الحكومة التركية المطالبة بتسليم جولن للقضاء التركي بشكل عاجل، ودون مماطلة.
لقد كانت مطالبة الرئيس التركي لأمريكا بتسليم فتح الله جولن أمام كل الفضائيات التركية والعالمية، ولم يجر أردوغان مقابلة مع صحيفة عالمية كبرى إلا وكرر مطالبته بتسليم جولن، فلا يستطيع الرئيس السكوت عن المطالبة الشعبية بتسليمه، وقد أراق هذا الشخص القابع في أمريكا كل هذه الدماء في الشوارع والمدن التركية، وقد أمر الجنود المتهورين بالخروج بالدبابات لقتل المواطنين دون ذنب، فلماذا لا تلتفت أمريكا إلى مشاعر الشعب التركي وأحزانه وآلامه، وتبحث عن الحيل القانونية لإرجاء تسليمه أو إخراجه من أمريكا، على هذا الأساس جاء تصريح وزير الخارجية التركي جاويش أغلو يوم 25/7/2016 بأن العلاقات التركية الأمريكية سوف تتأثر كثيرا إذا لم تسرع أمريكا بتسليم جولن للقضاء التركي، كما أرسلت تركيا وزيري الداخلية والعدل التركيين ومعهما أربعة ملفات كبيرة تفيد بتورط جولن بالعملية الانقلابية بشكل قاطع.
هذا الموقف الحازم من الحكومة التركية شاركت به أحزاب المعارضة كلها، فقد طالب زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أغلو أمريكا بتسليم جولن، كما طالب زعيم حزب الحركة القومية التركية دولت باهشلي أمريكا بتسليم جولن إلى القضاء التركي، بل وصف تورط أمريكا في هذا الانقلاب الفاشل ودعمها لفتح الله جولن بأنه حرب صليبية فقال: "إن الحملة الصليبية ما زالت متواصلة، وأنه يجري استخدام منظمة فتح الله غولن الإرهابية في هذا الإطار، ضد تركيا"، في كلمة ألقاها دولة باهشلي أمام البرلمان التركي، وقال باهشلي: "إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية متورطة في المحاولة الانقلابية في 15 يوليو الجاري، وتدخلت عبر قاعدة إنجيرليك (في جنوب تركيا) ، فإن النتيجة الطبيعية لذلك هي تضرر علاقات الصداقة والشراكة الإستراتيجية بين البلدين بشكل كبير"، وقال: "إذا كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـ"سي أي إيه" والبنتاجون تقفان وراء الخونة (الانقلابيون) فهذا يعني أننا أمام مشكلة خطيرة جدًا".
وأخيرا جاء وصف صلاح الدين ديمرتاش لما قامت به جماعة جولن بأنها جريمة كبرى ضد حكومة منتخبة وضد الشعب التركي ومؤسساته المدنية والعسكرية خاتمة مهمة لتأكيد موقف المعارضة التركية من ذلك، هذه المواقف التركية ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تسمعها بأذن واعية، ذلك أن الشعب التركي كله وحكومته وأحزاب المعارضة فيه وجيشه وقواته الأمنية كلها مجمعة على تورط فتح الله جولن بهذا الانقلاب وتزعمه له، فهل تقدم أمريكا مصالحها مع رجل واحد أو جماعة واحدة مهما كان نفوذها في أمريكا على مصالح أمريكا مع دولة كاملة بتسعة وسبعين مليون مواطن تركي، وما تربطهما من مصالح إستراتيجية وعلاقات صداقة تاريخية.
هذه المواقف التركية ينبغي دعمها من الدول العربية والإسلامية ومن شعوبها وأحزابها السياسية، ليس دفاعًا عن تركيا فقط، وإنما لإيقاف المحاولات العبثية التي تسمح بها أمريكا ضد الشعوب والدول العربية والإسلامية، فقد كان الانقلاب الفاشل في تركيا من الخطورة بحيث كان يمكن أن يؤدي إلى فتن وإراقة دماء لا يعلم مداها إلا الله تعالى، ولذلك فإن القول بأن تركيا قد ودعت الانقلابات ينبغي أن يرافقه أن تتوقف أجهزة الاستخبارات العالمية عن التفكير بالانقلابات الخارجية التي تدمر الدول، وتحرق البلاد، وتدخل الشعوب العربية والإسلامية في الحروب الأهلية الظالمة، فتسليم جولن لتركيا لن يكون نصرًا للشعب التركي فقط، وإنما نصر لكل الشعوب المهددة بالانقلابات الخارجية.