الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العلاقات الإيرانية – السورية: الملالي ونظام الأسدين

العلاقات الإيرانية – السورية: الملالي ونظام الأسدين

24.04.2019
مشعل العدوي


جيرون
الثلاثاء 23/4/2019
يُشكّل العالم العربي الوجهة الأساس للاستراتيجيات الإيرانية المتعاقبة، اعتمادًا على بناء فكري أسطوري يرمي إلى بناء قوة إقليمية كبرى تتوجه نحو محيطها في المشرق والخليج العربيين، وكانت سورية أولى الخطوات في المشروع الإيراني بعد استيلاء الملالي على الحكم في طهران عام 1979.
يُعتبر محمد حسين منتظري (منتظري الابن)، مؤسس الحرس الثوري الإيراني، مُنظّر هذه العلاقات، وواضع فلسفتها، وهو أحد الكوادر التي عملت تحت ظلال الخميني حين كان في منفاه في العراق. وقبيل انتصار الثورة الإيرانية، مثّل منتظري الابن همزة الوصل بين الخميني وعدد من القوى السياسية في الساحة العربية، من بينها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وكانت لديه رؤية مفادها أن الثورة الإيرانية الوليدة لا يُمكن أن تقف على قدميها إلا بالارتكاز على منظومة وثيقة من التحالفات مع القوى التي تشاركها الأهداف الأساسية، وأن هذه التحالفات تُعدّ جزءًا من الثورة ذاتها، ثورة مستمرة لا دولة مستقرة، وعلى خلفية رؤيته هذه تحـرك منتظري الابن لوضع اللبنات الأولى لعلاقات إيران مع عدد من الدول الموصوفة حينذاك بالراديكالية في العالم العربي، ومن ضمنها سورية وليبيا واليمن الجنوبي، فضلًا عن حركة فتح.
كان يحظى منتظري الابن في تحركه هذا بدعم الخميني وبقية قادة الثورة الإيرانية، كالمرشد الحالي علي خامنئي، والرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، وعلى أساسها تقاطرت الوفود الإيرانية إلى دمشق طارحة الكثير من التصورات الداعية في مجملها إلى إقامة روابط خاصة ومتقدمة، وذلك بعد أسابيع فقط من استيلاء نظام الملالي على الحكم في طهران، فيما يمكن وصفه بالتوجه الإيراني نحو الدول الهشة أو الرخوة سياسيًا في العالم العربي.
هنا يمكن تناول العلاقات السورية – الإيرانية عبر مرحلتين زمنيتين:
الأولى تغطي الفترة من استيلاء الملالي على الحكم في طهران حتى قيام الثورة السورية، من عام 1979 حتى عام 2011، وتشمل ثلاث محطات للعلاقة بين الطرفين: المأسسة، تعزيز العلاقات، الاستقواء.
المرحلة الثانية منذ قيام الثورة السورية عام 2011 حتى العام 2018، ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة هيمنة إيران على النظام الحاكم واحتلال سورية.
المرحلة الأولى: 1979 – 2011
أولًا– محطة مأسسة العلاقات:
كانت الأهداف في السعي الأول لمأسسة علاقات إيرانية – سورية، تتقارب لدى نظام الحكم، فكلاهما يسعى لتكريس ذاته في مواجهة ضغوط خارجية وداخلية، فالنظام الإيراني الوليد حينذاك كان يرمي إلى تعزيز ثورته عبر ترسيخ بنية النظام السياسي داخليًا من خلال استجلاب شرعية خارجية، وهي فكرة تصدير الثورة، التي عُبر عنها من خلال الحرب مع العراق.
في المقابل، برع نظام الأسد الأب في استجلاب الشرعية الخارجية على حساب الداخل، بغية تكريس حكم دكتاتوري كان يواجه ضغطًا داخليًا معارضًا، وصل إلى حد الصدام المسلح عام 1982، وضغوط خارجية تهدد استمراره، سواء على الجبهة اللبنانية التي احتلها في العام 1976 أو في تصاعد ضغوط التوتر في علاقاته على الجبهة الشرقية مع العراق منذ عام 1979 وابتعادًا من الحليف التقليدي المصري بعد اتفاق كامب ديفيد.
كان النظامان معزولين إقليميًا، ويواجهان تحديات مشتركة تتقاطع أبرزها في العراق، إذ سعى الخميني في حرب الخليج الأولى 1980 – 1988 لتقويض المنافس الإقليمي الأكبر له (العراق) وفتح الباب أمام تصدير ثورته عربيًا، فيما سعى الأسد الأب في موقفه من تلك الحرب لتقويض المنافس الأيديولوجي والقوة الإقليمية التي تهدد استقرار نظامه وشرعيته الأيديولوجية.
أصبح النظام البعثي “العلماني” الذي كان يُحارب الإخوان المسلمين في سورية، مدافعًا عن حركة إسلامية شيعية راديكالية معادية للممالك السنية في المنطقة، ولعل الخصومة مع العراق هي التي سببت هذا التحول في السياسة السورية الخارجية، فكان حافظ الأسد يسعى بأي ثمن لمنع الانتصار العراقي في الحرب، لأنّ مثل هذا الانتصار كان سيعيد إلى الجار العراقي قوته الإقليمية من جديد.
أما إيران التي ناهضت العـراق في إطار حرب كلفتها الكثير، فكانت توفر للأسد الأب وسائل عدة لتحييد خصمه، في ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي، وأيضًا في ما يخص لبنان، ووفقًا لـ “إليزابيت بيكار” فإنه بصرف النظر عن القطيعة مع العراق يدخل الخيار السوري في إطار خلافات متزايدة مع الدول العربية، ولا سيما السعودية بخصوص لبنان والنزاع العربي – الإسرائيلي، ولعل التحالف بين دمشق وطهران، هو بالدرجة الأولى مؤشر على عزلة سورية في المحيط العربي، ومحاولة لإيجاد بديل لهذه العزلة.
وقدمت هذه العلاقات شرعية إقليمية للنظام الإيراني ودعمًا لنظام الأسد الأب سياسيًا عسكريًا واقتصاديًا، سواء عبر الدعم المالي أو عبر الإسناد العسكري للقوات السورية في لبنان، مثلت مخرجًا لأزمة شرعية نظام الأسد الأب، ساعدته في الاستمرار في الحكم لعقود لاحقة.
استطاعت القوات السورية الحصول على هامش تحرك أوسع في لبنان، بفضل الوجود الإيراني في هذا البلد، من خلال “حزب اللـه” الذي أنشأته إيران لإسناد قوات الأسد في صراعه مع “إسرائيل” للهيمنة على لبنان ، وعلى المستوى الاقتصادي زودت إيران سورية بـ 5 مليون طن من النفط سنويًا، بينما تعزز موقف دمشق المالي مع تنميـة السياحة الشيعية والتعاون الاقتصادي الثنائي، حيث أصبحت إيران تشكل أهم سوق بالنسبة إلى الاقتصاد السوري، ولا سيما في ما يخص السياحة الدينية، ففي عام 1984 زار أكثر من 160 ألف إيراني سورية، وقد استغلت دمشق هذه العلاقة لتقترض من طهران مبالغ كبيرة من دون أن تكون لها نية سداد هذه المبالغ في المستقبل. وقد سهل التضامن الطائفي بين إيران الشيعية ونظام الأسد الأب من التقارب بين البلدين بقيادة الأقلية العلوية، غير أن حافظ الأسد لم يكن يسعى لتشكيل محور شيعي يصل إلى جنوب لبنان، وذلك لأسباب تتعلق بالاستقرار الداخلي والتوازن الطائفي، لذا لم يكن النظام السوري يسعى لتكريس انتقال الثورة الإسلامية إلى العراق أو إلى لبنان موضع نفوذه. كما أنه كان يخشى ضعف شريكه اللبناني، أي الميليشيا الشيعية (أمل) التي كان الخميني وأنصاره في لبنان ينتقدون توجهاتها العلمانية.
لذا احتفظ الأسد الأب بشيء من استقلالية القرار في علاقاته مع إيران، وخاصة لناحية الامتداد الثوري “الشيعي”، سواء في سورية أو محيطها، مع المحافظة على الأطر الشكلية العقائدية لتوجهاته البعثيـة، المتمثلة في البعد العربي، عبر مناصرة بعض القضايا العربية من جهة، ومحاولة ترميم العلاقات السورية – الخليجية، والتقرب من دول الخليج بغية الحصول على دعم مالي أكبر منها، أو حتى لناحية الانفراد بالقرار على الساحة اللبنانية في ما يشبه توزيع المكاسب، وفيما أقر الأسد الأب للنظام الإيراني مشروعية حربه مع العراق، حصل في المقابل على إقرار إيراني بالدور السياسي والعسكري السوري في لبنان، والرؤية السورية للصراع العربي – الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وأطر التحالفات داخلها، فيما استمر نظام الأسد الأب مع عدة جهات دولية، بتمرير كميات من الأسلحة السوفييتية الصنع، إلى النظام الإيراني لتعزيز موقفه في حرب الخليج الأولى، وخاصة بعد تقدم القوات العراقية في إقليم الأحواز العربي، بغية تعديل الميزان العسكري لصالح القوات الإيرانية، التي استطاعت في مراحل لاحقة إرجاع الجيش العراقي إلى الحدود الدولية.
على الرغم من تقارب استراتيجية الطرفين، فقد كانت لديهما أهـداف منفصلة جعلتهما أحيانًا يدخلان في حالة من التنافس، إذ كان لطهران طموحات تتعلق بالنزاع العربي الإسرائيلي لا تتوافق مع دمشق التي كانت ترفض ضم إيران إلى جبهة الممانعة. وكثيرًا ما تجاهل الأسد الأب اقتراح إيران بإرسال الحرس الثوري للقتال، في كل من “إسرائيل” ولبنان. فخلال الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1984، منع السوريون الحرس الثوري الإيراني من مغادرة دمشق، ولم يصل سوى 100 من عناصر هذا الحرس إلى البقاع، حيث درّبوا مقاتلي الميليشيات الشيعية اللبنانيين. وكلما أرادت سورية الضغط على حليفتها منعت المسلحين الإيرانيين والأسلحة من المرور من أراضيها إلى لبنان. وأصبح الطرفان يتوجهان من خلال حلفاء آخرين، ولا سيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والسيطرة على “حزب اللـه”، المنافس الأول لميليشيا (أمل)، ونسوق مثالًا على ذلك، الحرب بين التنظيمين الشيعيين (أمل وحزب الله) في أيلول/ سبتمبر 1987 للسيطرة على ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان.
غير أن نهاية هذا النزاع أظهرت صلابة العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين، إذ فضلت إيران أن ترضي سورية على الجبهة اللبنانية، لتحتفظ بدعمها على الجبهة العراقية، وهو ما أجبر “حزب الله” على القبول بأي قواعد تفرضها سورية. وعلى الرغم من أن علاقة القوة كانت لصالح الميليشيا المقربة من “حزب الله”، جاء اتفاق كانون الثاني/ يناير 1989، المبرم بين التنظيمين، ليعزز موقف (أمل) وسورية. بالمقابل حاول الأسد الأب تسويق دعمه الدبلوماسي لطهران في دول الخليج العربي، وقد شهدت هذه المرحلة تأسيسًا لما سيظهر لاحقًا من تغلغل مذهبي شيعي للنخب الإيرانية في المجتمع السوري، وإن كان حجمه محدودًا، لكن بنيانه كان استراتيجيًا سيتم توظيفه في مراحل تاريخية لاحقة، في عملية عبث من قبل النظامين بالتركيبة السكانية في سورية.
يمكن اعتبار نهاية عقد الثمانينيات من القرن العشرين، مع وفاة قائد الثورة الإيرانية الخميني، ونهاية حرب الخليج الأولى، واندلاع حرب الخليج الثانية مع التغييرات الكبرى الحاصلة في البيئة الدولية لناحية شكل النظام الدولي، نهاية لمرحلة المأسسة، حيث أدت جملة التغيرات تلك إلى انكشاف سورية إقليميًا، ودخولها في مرحلة الاستقواء السوري بالإيراني على المستوى العربي والإقليمي، والاستقواء الإيراني بالسوري في تغلغله في البيئة العربية.
ثانيًا– محطة تنميط العلاقات:
شهدت هذه المرحلة تغيرات في بنية العلاقات الإيرانية – السورية، ترافقت مع التغيرات الكبرى الناتجة على مستوى الإقليم ومستوى النظام الدولي. إذ أخرجت حرب الخليج الثانية القوة العراقية من الحسابات السورية والإيرانية معًا، وغدا العراق مجرد دولة (حاجز بري) بين الحليفين لا أكثر، من دون أن يشكل تهديدًا لأي منهما، كما في السابق. لكن غياب الحليف السوفييتي بالنسبة إلى سورية، وانتهاء الحرب الأهلية في لبنان، بعد اتفاق الطائف، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، وضع النظامين أمام شكل جديد من العلاقات الإقليمية، وبخاصة مع انخفاض الاندفاع الإيراني في “سياسة تصدير الثورة” لصالح إعادة ترتيب الوضع الداخلي اقتصاديًا والمتأزم من حرب الخليج الأولى، أو لناحية سعي نظام الأسد الأب للاندماج عربيًا عبر التقارب مع دول مجلس التعاون الخليجي ومع مصر، ومحاولة التقارب مع الولايات المتحدة، وانفتاحه الاقتصادي المتدرج. وقد شكلت مشاركة القوات السورية، إلى جانب القوات الدولية في حرب الخليج الثانية، عاملًا ضاغطًا على العلاقات مع إيران، وخاصة مع انضمام سورية إلى تحالف “إعلان دمشق” القاضي بمشاركة قوات سورية ومصرية في ترتيبات أمن دول الخليج العربي، وهو ما يتناقض مع المطامع الإيرانية في تلك الدول، وخاصة في البحرين والكويت وجزر الإمارات المحتلة، لكن مسارعة إيران إلى احتواء نظام الأسد الأب عبر جولات من المحادثات، دفع المسؤولين الإيرانيين إلى التعبير عن غضبهم من سياسات مصر وحدها ضمن ترتيبات “إعلان دمشق”.
تميز عقد التسعينيات في العلاقات البينية بين الطرفين بفترة من الهدوء في تلك العلاقات، إذ اكتفى الطرفان بتأكيد علاقاتهما المميزة من ناحية، مع سير نمطي تقليدي للعلاقات بين الدول، وحجم تبادل تجاري محدود، ودعم للسياسات والمواقف العامة لكلا الطرفين، من دون أن تشهد تلك الفترة تصعيدًا في التقارب، كما سيحصل في العقد اللاحق لذلك، الذي تميز بأنه عقد الضغوطات الكبرى على الطرفين معًا، مع انفضاض كثير من حلفاء الأسد الابن عنه، نتيجة إخفاقاته الخارجية، وقد دفعه ذلك إلى الاستقواء بالنظام الإيراني في مواجهة الضغوط الغربية من جهة، والابتعاد العربي عنه من جهة أخرى. أي أن العلاقات بين الطرفين اتخذت منحى نمطيًا، كسائر العلاقات الدولية الودية مع التفضيل الاستراتيجي الممنوح لإيران على مستوى السياسات الكلية والتوجه العام للدولتين.
ثالثًا- محطة الاستقواء:
وضعت حرب الخليج الثالثة والاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 كلًا من سورية وإيران على فوهة بركان، وكانت الدولتان هدفًا لاحقًا في مساره، وفق ما تقوله المذكرات والوثائق المتداولة، وعلى الرغم من أن سورية وإيران تبنتا مقاربتين مختلفتين للتعامل مع الغزو الأميركي للعراق، فإنهما اشتركتا في الشعور بالخطر المحدق غير الافتراضي أو بعيد المدى على خلفية التطورات الكبرى هذه، تسارعت وتيرة التعاون السوري – الإيراني، واتسع نطاقه، ليشمل جملة عريضة من القضايا الثنائية والإقليمية.
في هذا الإطار، برز التعاون العسكري والفني والتقني بين الدولتين، وخاصة على صعيد الصناعات الصاروخية، وتشير التقارير الغربية إلى هذا التعاون قد بدأ فعليًا بدعم سوري للبرامج الإيرانية الناشئة، قبل أن تصبح إيران داعمًا رئيسيًا للتصنيع العسكري السوري عامة، والصاروخي خاصة، وقد ارتدى هذا التعاون مدلولًا جيوسياسيًا مع الدعم الإيراني – السوري لـ “حزب الله” في لبنان، حيث نقلت سورية عمليًا تجربتها الصاروخية للحزب وترافق ذلك مع إعادة طرح فكرة “تصدير الثورة الإيرانية بأطر صلبة عسكرية، بعد أن اتخذت منحى سياسيًا – اقتصاديًا في العقد السابق، فمع وصول الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى السلطة عام 2005، تم إحياء كثير من الطموحات الإيرانية، التي تم التأسيس لها في المراحل السابقة، وخاصة في تحدي الدور العربي، والتغلغل السياسي – الهوياتي في عدد من المجتمعات العربية.
هذا الموقف الإيراني انعكس أيضًا، من خلال وصول العديد من رجال الأعمال الإيرانيين إلى دمشق للاستثمار فيها، ونسق البلدان سياستهما من أجل مواجهة التحديات الجديدة. لكن مع إخفاق السياسة الأميركية في العراق، استفادت إيران الكثير وزادت من نفوذها هناك، بينما أصبحت سورية معزولة وتشهد الكثير من الصعوبات على جبهتها الغربية، وخاصة بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وبذلك أصبحت إيران الطرف القوي في هذه اللعبة، كما شهدت العلاقات زخمًا أكبر إثر استدراج “حزب الله” لـ “إسرائيل” في عدوانها على لبنان 2006، حيث أعاد هذا العدوان تشكل التحالفات الإقليمية، وتوسع ما اصطلح على تسميته بـ “محور المقاومة والممانعة” في محاولة فرض أجندات إيرانية على العالم العربي، بل بلغ استقواء الأسد الابن بالنظام الإيراني حد خروجه عن الأعراف الدبلوماسية، بتطاوله على الحكام العرب حين رفضوا منطق الانجرار في مغامرات عسكرية لإيران و”حزب الله” التي ترمي إلى إشعال المنطقة، على غير حساب المنطقة العربية وتوظيف العامل الديني في استخراج فتاوى دينية تخدم الأغراض السياسية للمشروع الإيراني، إذ دفعت إيران نحو عسكرة إقليم المشرق العربي عبر استدعاء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان تحديدًا، بغية استعراض للقوة الإيرانية أمام الدول العربية من جهة، وأمام الولايات المتحدة من جهة أخرى، بغية الحصول على مكاسب سياسية في المنطقة.
هذه العلاقة المميزة أدت في حزيران/ يونيو 2006 إلى إبرام اتفاق دفاع مشترك، قال الإيرانيون بشأنه “إن إيران تعتبر أمن سورية من أمنها”، ويتعلق التعاون العسكري بإمداد سورية بالأسلحة البالستية، ويهدف إلى تحسين قدرات دفاع الجيش السوري، بتطوير أسلحة غير تقليدية وبتدريب عسكريين سوريين في إيران. وكان للحرس الجمهوري السوري مستشارون إيرانيـون. كذلك ساهم الإيرانيون في تحديث نظام الاتصالات الخاص بالرئاسة السورية، غير أن التعاون مع طهران أثر كثيرًا في التوازنات الداخلية، إذ كان جزء من كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين يعرفون أن دمشق غير مستعدة لتحمل نتائج الانضمام إلى طهران، ولا سيما أن الجمهورية الإسلامية كانت تتحدى المجتمع الدولي، وتعرض نفسها لردّات فعل انتقامية، وكذلك لعقوبات وضربات عسكرية، ويقول خبير عسكري إن السوريين يتوخون الحذر الشديد كي لا يعتبرهم أحد تحت إمرة إيران، لكن على عكس ما حدث في الثمانينيات، أصبحت إيران طرفًا أساسيًا على الساحة الإقليمية، بينما ازداد الموقف السوري ضعفًا من دون أن يعني ذلك أنّ دمشق فقدت قدرتها على التأثير في المنطقة، أو أن طهران أصبحت تملي عليها قواعد اللعبة.
في هذا التحالف غير المتكافئ، لم يكن الأقوى يفرض خياراته على الأضعف، إذ كانت سورية تحظى بهامش للتحرك، كما أن إيران كانت بحاجة إليها للاستمرار في التأثير في الساحة شرق الأوسطية، حيث ظل حلفاؤها الفلسطينيون يتخذون سورية مقرًا لهم، كذلك بقيت دمشق محطة لتمويل “حزب الله”. وقد جرى تأكيد ما اتفق عليه ضمنيًا في عقد الثمانينيات، أي هيمنة طهران في الملف العراقي ودمشق في الملف اللبناني، كما أن إفساح إيران المجال أمام هامش سياسي للنظام السوري، كان في مصلحة إبقاء سورية ضمن المنظومة العربية، وبالتالي المحافظة على البعد العربي في السياسة الخارجية الإيرانية، وإحداث شروخ في التوجهات العربية من خلال الأداة السورية واعتبرت القيادات الإيرانية الدفاع عن النظام السوري جزءًا من الدفاع عن الأمن القومي الإيراني، حيث صرح الرئيس السابق أحمدي نجاد، في أول زيارة له إلى سورية، بأن “سورية هي خط الجبهة الأمامي للدفاع عن الأمة الإسلامية”. وأكد وزير الدفاع الإيراني السابق شمخاني أنّ: “سورية عمق استراتيجي لإيران، وهي جزء من الأمن القومي للجمهورية الإيرانية في المنطقة، وتولي طهران دائمًا أهمية لأمن الأراضي السورية”، وأشارت عدة تقارير إلى أنّ إيران تكفلت بتمويل بعض مشتريات السلاح السورية من روسيا، وذلك خلال الزيارة الثانية التي قام بها الرئيس الإيراني السابق لدمشق تموز/ يوليو 2007، وجرى خلالها الاتفاق على قيام إيران بتمويل صفقات أسلحة روسية لسورية، وجاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران عام 2008 في وقت حساس بالنسبة إلى سورية، فبعد أن كانت دمشق تقدم نفسها زعيمة “جبهة الممانعة العربية”، اندفعت للتفاوض مع “إسرائيل” بوساطة تركية، وشاركت في مؤتمر “الاتحاد من أجل المتوسط في باريس”، وكان من أهم أهدافه دمج “إسرائيل” في المنطقة والتطبيع معها.
كانت زيارة الأسد الابن ترمي إلى نفي التوقعات والتخمينات بأن التوجهات السورية الجديدة ستكون على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع إيران، خصوصًا مع الغموض الذي رافق عملية اغتيال عماد مغنية ونتائج تحقيقاتها، والحديث عن ضربة عسكرية لإيران، وكان بشار الأسد قد أبلغ وفدًا من أعضاء الكونغرس الأميركي زاره في دمشق، أنه يدرك أنّ علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ستكلفه الاستغناء عن بعض العلاقات، خصوصًا تلك التي مع (حزب الله وحماس)، لكنه كان واضحًا بأن لا ترفع الإدارة الأميركية الجديدة أو “إسرائيل”، سقف التوقعات بالنسبة إلى علاقة سورية بإيران.
يلاحظ تكرار زيارات الأسد الابن لإيران، منذ توليه الحكم، حيث زار الأسد الابن إيران عقب تسلمه للحكم عام 2001 لتأكيد تحالفه مع إيران، وإظهار البعد الخارجي في سياسته، عبر تعزيز ربطها بالقوة الإيرانية على حساب البعد العربي، كما زارها ثانية حين تولى نجاد سدة الحكم 2005 مرة، وأعاد الزيارة مرة ثالثة عام 2008، وكرر عام 2010 الزيارة لتكون أكثر الوجهات على قائمته الخارجية، على خلاف والده الذي لم يقم إلا بزيارة واحدة إلى إيران عام 1990، ووصف الأسد الابن علاقته بإيـران في زيارته عام 2005 لطهران: “يعتقدون بأن العلاقة مع إيران كأنها علاقة مع عدو، وهذا الكلام غير مقبول في سورية، إيران بلد صديق، بلد جار، بلد مهم في المنطقة حتى لو اختلفنا معه، فالأفضل أن نذهب إلى إيران ونقول لها: أنت أخطأت نحن نختلف معك”.
شهدت العلاقات على المستوى الاجتماعي – العقائدي تطورًا مهمًا في هذا العقد؛ إذ أطلقت الحكومة السورية العنان للجمعيات التبشيرية الشيعية المدعومة من الحكومة الإيرانية، لتنشط في معظم المدن والأرياف السورية، على المستوى السني بالتحديد، والعلوي بشكل محدود، عبر تقديم معونات مالية نقدية أو عينيـة، وتوسيع الحوزات الشيعية في غير مناطق التواجد الشيعي، وإدارة إيرانية مستقلة للمقامات الشيعية خارج إطار السلطة السورية، حيث تم إنفاق ملايين الدولارات على تطوير تلك المقامات، بغية استيعاب العدد المتزايد من السياحة الدينية الشيعية. كما سعت إيران لاستقطاب نخب بعينها، سواء عبر تشييع تلك النخب أو تمويل نشاطاتها بغية تجنيدهم ضمن المشروع الإيراني (استئجار العقول والأقلام) تحت إشراف مباشر من مكتب المرشد في طهران، وعبر أذرع “حزب الله” في سورية، ومنهم على سبيل المثال، “مكتب آل البيت” في حلب وريفها بقيادة (السيد عبد الصاحب الموسوي) ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي. كما شهدت دمشق وريفها اتساعًا كبيرًا في الحوزات الشيعية، حتى باتت ثالث أكبر حوزة في العالم بعد حوزة (قم) في إيران وحوزة (النجف) في العراق.
تكشف الإحصاءات عن وجود 500 حوزة علمية وحسينية في سورية، تتوزع على المدن السورية يدرس فيها الآلاف من رجال الدين الإيرانيين، كما أقدمت الحكومة السورية في تلك المدة، باعتقال كثير من الناشطين الأحوازيين الحاصلين على حق اللجوء السياسي في سورية، أو حاملي الجنسيات الأوروبية منهم، وإيداعهم المعتقلات السورية، وتعريضهم لحملات تعذيب قبل تسليمهم للحكومة الإيرانية التي حكمت على كثير منهم بالإعدام أو بالسجن المؤبد والتضييق على نشاط من بقي منهم في دمشق، وخاصة الطلاب منهم.
أما على مستوى العلاقات التجارية بين الطرفين، فقد شهدت توسعًا ملحوظًا في تلك المدة، على الرغم من بقائه على المستوى الرسمي دون كثير من العلاقات التجارية للدولتين مع الدول الأخرى. وظل الميزان التجاري يميل إلى مصلحة طهران بنسبة كبيرة جدًا على حساب الاقتصاد السوري. إذ لم تسجل الصادرات السورية إلا نسبة محدودة في تلك العلاقات، لتبلغ أوجها في أعوام 2006 – 2007 – 2008 بنسبة راوحت بين الربع والثلث، قبل أن تعود للهبوط ثانية إلى نسبة متدنية جدًا، واستثمرت إيران أموالًا كثيرة ومصادر ومهارات وعمالًا في سورية، وتكثفت هذه الاستثمارات على وجه التحديد في السنوات القليلة التي سبقت الانتفاضة التي انبثقت في آذار/ مارس عام 2011 إلا أنّ العلاقات الاقتصادية الإيرانية – السورية لا تقتصر على تلك المبالغ الكبيرة من الأموال التي خصصت للاستثمارات في وسائط النقل والبنية التحتية السورية. ذلك أنّ السلطات الإيرانية وقّعت، قبل أشهر قليلة من اندلاع الثورة الشعبية، اتفاقية للغاز الطبيعي بقيمة 10 مليار دولار مع سورية والعراق، لبناء خط أنابيب للغاز يبدأ في إيران ويمر بسورية ولبنان وصولًا إلى البحر المتوسط حتى يصل إلى عدد من الدول الغربية، ووفق هذه الاتفاقية، فإن العراق وسورية سيحصلان على كميات معينة من الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي كل يوم.
حظي الاتفاق بموافقة المرشد الأعلى علي خامنئي الذي أقر بتخصيص مبلغ 8.5 مليار دولار مساعدة لسورية من مركز الأبحاث الاستراتيجية الذي يركز في أعماله على استراتيجيات إيران في ستة مجالات مختلفة، منها أبحاث السياسة الخارجية، والشرق الأوسط والخليج العربي وأبحاث الاقتصاد السياسي الدولي، كما أبرم تعاقد مهم آخر قبل اندلاع الثورة في سورية، بغرض تأسيس بنك مشترك في دمشق، تملك فيه الحكومة الإيرانية 60 بالمئة، والمفروض أن يسمح الاتفاق لإيران بتعيين مواقع مالية أخرى تتم فيها تحويلاتها إلى سورية، وكان يُسمح للبنوك السورية في ذلك الوقت بالتعامل في النواحي التجارية والتحويلات مع الدول الغربية، قبل فرض العقوبات بعد انطلاق الثورة.
المرحلة الثانية: 2011 – 2019
أولًا: العام 2011
أحدَث اندلاع الثورة السورية على نظام الأسد تحولًا كبيرًا في نمط العلاقات السياسية بين الطرفين، فبعد أن تدرجت العلاقات من علاقات ندية بين دولتين، إلى مرحلة نمطية في العلاقات، ومن ثم مرحلة استقواء كل طرف بالآخر، شكّل هذا العام بداية لما سيظهر من هيمنة إيرانية على غالبية الأداء السياسي والعسكري لنظام الأسد، الداخلي منه والخارجي، حيث وُظفت الماكينة الإعلامية الإيرانية عبر أذرعها العربية (المنار، العالم، الميادين، الفضائيات المذهبية العراقية) في خدمة الترويج لهذا النظام، وإعادة صناعة الحدث بما يحفظ استمرارية نظام الأسد، في اختراق فكري آخر لجزء من المجتمعات العربية، وإعادة صياغة وتشكيل وعي عربي زائف.
كما أصبح الساسة الإيرانيون، إضافة إلى الروس، من رؤساء ووزراء خارجية، أصحابَ المسؤولية المباشرة في إدارة الحدث السوري، والتفاوض الدولي حوله، أكثر مما يعمل نظام الأسد نفسه، وتحولت إيران إلى لاعب أساس في القضية السورية، التي لا يمكن إيجاد مخرج لها الإ بالاتفاق مع إيران على تقاسم المصالح فيها، وقد ساعد في ذلك غيابُ استراتيجية عربية متكاملة لتخليص سورية من مأزقها، ومن ذلك ما أقدم عليه الرئيس المصري السابق محمد مرسي، إذ تقرّب من إيران واعتبرها أحد مفاتيح الحل في القضيه السورية، وذلك ما دفع السعودية إلى مقاطعة الجلسات الرباعية التى دعت إليها مصر (مصر والسعودية وتركيا وإيران).
نتيجة غياب التوافق العربي حول الموضوع السوري، وخصوصًا مع دعم أنظمة كالجزائر والسودان والعراق لنظام الأسد؛ استطاعت إيران تعزيز دورها السياسى في سورية خاصة، والمشرق العربي عمومًا، وهو ما يدفع إلى محاولة فرضها كأحد المحاورين في مؤتمر (جنيف 2).
بل كان الحفاظ على نظام الأسد، بالنسبة إلى الإيرانيين، ثمنًا كافيًا لمقايضته على ملف بحجم الملف النووي، ذلك أن دمشق هي العقدة الأهم التي تمسك بأطراف محور طهران – بيروت، وهي تشكّل ذروة الحلم الفارسي- الشيعي في المنطقة، ناهيكم عن أن الإيرانيين يعلمون ضمنًا أن فرص نجاح مشروعهم النووى شبه معدومة، وهم -وإن نجحوا في الوصول إليه- لا يريدون التحول إلى كوريا شمالية جديدة، كبلد يحبس نفسه بين جدران سميكة وعالية، فمشروعهم التوسعي الطموح يعمل بعكس هذا المفهوم، وتربكه الحدود والموانع، لذلك لن تكون خسارة ملحوظة، إذا كان البديل هو إطلاق يدهم في تصنيع سلاح ديموغرافي وجغرافي أخطر وأمضى، سلاح موجود على الأرض وليس مخبّأ في المخازن، وتأثيره الفعلي يمتد على مساحة جغرافية أوسع تصل إيران بالمتوسط؛ فتُحكم الوثاق على الجزيرة العربية وتضعها بين فكي كماشة.
بحسب تصور لبعض خبراء الأمم المتحدة، فإن التنازل الذي قدمه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في جنيف، إبان المفاوضات بشأن الملف النووي، ما كان ليحدث لولا خوف طهران من انهيار النظام السوري، وعلى أساسه يمكن قراءة ذلك بمقايضة بين الملف النووي من جهة، واستمرارية نظام الأسد تحت الهيمنة الإيرانية من جهة أخرى، كما تعمل إيران على إحداث تغييرات ديموغرافية، من خلال تجنيس الآلاف من الشيعة العراقيين والإيرانيين واللبنانيين من جهة، وسحب الجنسية السورية من المواطنين السوريين من جهة أخرى. وعلى مستوى التجنيس، سبق للأسد الأب أن قام بتجنيس عشرات آلاف الإيرانيين الشيعة الذين طردهم صدام حسين من العراق، إبان حرب الخليج الأولى في ثمانينيات القرن الماضي.
ويعمل نظام الأسد على إصدار بطاقات هوية جديدة، تستثني كل المواطنين السوريين الذين لا يستطيعون مراجعة دوائر الأحوال المدنية، لكون أسمائهم على اللوائح السوداء للنظام، ومطلوب اعتقالهم ورميهم في السجون.
وفي هذا الشأن، أصدر ناشطون سوريون في مدينة السويداء بتاريخ 15/ 7/ 2013، بيانًا رفضوا فيه مشروع تجنيس ما يقارب 40 ألفًا من التابعية اللبنانية والعراقية خصوصًا، غالبيتهم من عناصر “حزب الله” اللبناني والعراقي المقاتلة إلى جانب النظام، وآخرون مدنيون، ومنحهم نسب عائلات من عائلات الجبل المعروفة والأصيلة، من سكان المحافظة ومحيطها، لإخفاء عمليات التجنيس، وكذلك استملاك أراض وتوزيعها عليهم لأهداف عسكريه وسياسية.
ثانيًا- الهيمنة العسكرية (شركاء في الجريمة):
إنّ أبعاد المشروع الإيراني في سورية لا تعتمد على مصالح سياسية يمكن التفاوض عليها بالنسبة إلى القيادات الإيرانية، أو منافع اقتصادية بغية كسر العقوبات الدولية فحسب؛ ذلك أن خروج سورية من الهيمنة الفارسية يعني انكسار المشروع في المشرق العربي، في نواة مركزية هي سورية، ويعني تمددَ هذا الانكسار نحو البيئات المشرقية الأخرى في لبنان والعراق وفلسطين، وهذا يعني سقوط الهدف الإيراني النهائي الساعي لإحكام الخناق على دول الخليج العربي، وإنهاء مطمع التغلغل العسكري في تلك الدول.
لذا دفعت إيران تدريجيًا نحو إعلاء القيمة العسكرية للمشاركة الإيرانية إلى جانب نظام الأسد، وفقًا لتطورات الواقع الميداني في سورية، بدءًا من إرسال العتاد العسكري والخبراء والمدربِين، وإن كانت تلك المساندة قائمة منذ عقود، غير أنها تعززت باضطراد وتسارع، من تاريخ آذار/ مارس 2011 مع اندلاع الثورة السورية.
تلا ذلك الإيعازُ إلى جملة الميليشيا العراقية واللبنانية التابعة لها، عقائديًا وعسكريًا، نحو الانخراط المباشر في مساندة قوات الأسد، قبل أن تتحول إلى مرتكز للعملية العسكرية الإجرامية تجاه الشعب السوري، وقبل أن تغدو قوات الأسد مجرد داعم لوجستي عسكري لها، عبر إمدادها بما تحتاج إليه أو بتمهيد السبل أمامها في اجتياحاتها المدن والقرى السورية، حيث أفادت التقارير أن عشرات الآلاف من كتائب (أبو الفضل العباس) و(عصائب أهل الحق) و(لواء عمار بن ياسر) و(كتائب سيد الشهداء) العراقية و(حزب الله) اللبناني جميعًا بقيادة قوات النخبة من عناصر (الحرس الثوري) و(لواء القدس) الإيرانيَّين، تلك القوات هي التي تخطط وتدير وتخوض المعارك ضد المعارضة في حلب وريف دمشق، حتى إن دور قوات الأسد يبدو ثانويًا في تلك المعارك، وهي ليست إلا تشكيلات مجنّدة، وفرق دعمٍ لوجستي وإمدادٍ جويٍّ ومدفعيٍّ، تدار كلها من الإيرانيين، وقد سجّل الناشطون مشاهداتهم الأعلام الإيرانية تُرفع علانيةً على الآليات التي سيطرت على مناطق عدة في سورية، وقد أعلن الائتلاف الوطني السوري -وهو المظلة الرئيسة للمعارضة السورية- أنّ مقاتلِين من 14 تنظيمًا يتبعون إيران، ويقاتلون مع القوات الحكومية في سورية، وعلى الرغم من أن إيران تبقى الحليف الرئيس للنظام السوري، فإنّ الائتلاف يقول إن المقاتلين يُجلبون إلى سورية، بمساعدة رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي، وتتنوع تشكيلة الميليشيات المقاتلة، إذ يشكل مقاتلو العراق ولبنان محورها، لكنها لا تقتصر عليهم، فهي تشمل عناصر باكستانية وأفغانية، تحت شعارات “الواجب الجهادي” والدفاع عن “زينب”، و”لن تسبى زينب مرتين”، بعد أن تمت تعبئة هذه الحشود دينيـًا، بغية حماية الأماكن المقدسة الشيعية من السوريين السُنة، وتبين ذلك من خلال ما تمّ العثور عليه مع هؤلاء المقاتلين، مثل جوازات سفر شيعية ممهورة من (المهدي المنتظر) تؤهلهم لدخول الجنة، في حال مقتلهم في العمليات العسكرية، وقد تم نشر كثير من المقاطع المصورة، لأسرى عراقيين بيد السوريين، أثبتوا فيها مشاركتهم في الجرائم ضد المدنيين السوريين، سواء أكانت غاية عملهم الارتزاق أم الاعتقاد، عبر تنظيم من كبار رجال الدين الشيعة في العراق وإيران، ومن ذلك ما أصدره رجل الدين العراقي آية الله العظمى كاظم الحائري، المقيم في إيران، من فتاوى علنية تفرض قتال الشعب السوري، إلى جانب قوات الأسد، حيث ينخرط كثير من اتباعه المقاتلين في ميليشيا (عصائب أهل الحق)، ويرأس تلك الميليشيا قيس الخزعلي، الذي كان مساعدًا لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قبل أن ينشق عنه، وفي رده على سؤال أحد أتباعه، عن مشروعية السفر إلى سورية والقتال هناك، قال الحائري: “المعركة الدائرة في سورية ليست للدفاع عن ضريح السيدة زينب، إنها حرب يخوضها الكفرة ضد الإسلام، ومن ثم ينبغي الدفاع عن الإسلام”. وأضاف في تعليقات منشورة على موقعه الإلكتروني الرسمي: “القتال في سورية مشروع، والذين يُقتلون خلال المعارك هم شهداء”. ويقول عشتار الكعبي، عضو ميليشيا “عصائب أهل الحق” الذي ينظم إرسال المقاتلين الشيعة من العراق إلى سورية: إن في سورية حاليًا نحو ألف مقاتل من التابعين للميليشيات، وإنّ كثيرين يتطوعون بالذهاب إلى الأراضي السورية للانخراط في القتال الدائر هناك. وأجاب عن سؤاله حول فتوى الحائري هل كانت وراء الزيادة في أعداد المقاتلين، فقال: “نعم، لقد كان لتلك الفتوى الأثر الكبير في تلك الزيادة”.
كما أكدت جماعة “عصائب أهل الحق” في العراق أنّ أيّ فتوى يصدرها مرجع شيعي هي ملزمة لأتباعـه ومقلديه. في حين استبعد الناطق الرسمي باسم الجماعة أحمد الكناني أن تكون الفتوى تمثل دعوة للقتال إلى جانب بشار الأسد، بل عدّ أن أيّ قتال في سورية هو بهدف منع وصول المتطرفين إلى الأماكن الشيعية المقدسة، وبالتالي يمكن أن تكون فتنة طائفية في عموم المنطقة، وأضاف الكناني أن السيد الحائري له فتوى قديمة بهذا الاتجاه، ولكنها عمومًا غير ملزمة إلا لأتباعه ومقلديه، وهذا أمر معروف لدى الشيعة، وأضاف: “إننا لا نُقاتل إلى جانب بشار الأسد، لأن رؤيتنا له أنّه نظام بعثي دكتاتوري، ولكننا نرى أنّ التغيير يجب أن يكون بوسائل أخرى، كما أنّ البديل المطروح الآن هو الأكثر تطرفًا”، لكن أمر إلزام الفتوى بفصيل شيعي منفرد من دون غيره لا يمثل واقعًا على أرض المعارك، فقد دعا عدد من رجالات الدين في إيران إلى مشاركة القتال مع قوات الأسد، وسبق لميليشيا “حزب الله” وأمينها العام أن كانوا أول المبادرين إلى تقديم خدماتهم إلى النظام السوري، منذ أيار/ مايو عام 2011، وذلك وفق إحدى وثائق خلية “إدارة الأزمة” في القيادة القطرية لحزب البعث، التي طالبت بتزويد “العناصر اللبنانية” بهويات أمنية سورية وسلاح سوري، في أثناء مشاركتها في قمع المسيرات السلمية.
ثم أعلنت ميليشيا “حزب الله” اللبناني المشاركةَ العسكرية، رسميًا، بعد شهور من الإنكار، وذلك في أيار/ مايو عام 2013، ومنذ ذلك الحين، ساعد “حزب الله” قواتِ الأسد في استعادة السيطرة على مجموعة المدن والقرى الواقعة قرب الحدود اللبنانية، ولا سيّما مدينة القصير في محافظة حمص، قبل أن تنتقل تلك الميليشيا إلى محافظة حلب ومحافظة دمشق وريف دمشق.
غير أن المشاركة الإيرانية في جريمة إبادة الشعب السوري، لم تقتصر على دعم نظام الأسد أو إرسال الميليشيات التابعة لها إلى سورية، فبعد جملة إخفاقات وخسائر مُني بها النظام والميليشيا على عدة جبهات للقتال؛ انخرط الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر في إدارة الصراع وتوجيهه والمشاركة به، فبعد صفقة الكيمياوي السوري، ضحت الولايات المتحدة بأفضلية حليفها الخليجي لمصلحة إيران، كما غضت الطرف عن التدخل الإيراني السافر في سورية، حتى أصبح الوجود الإيراني أكثر فجاجة، ولم يعد يعني الإيرانيين الالتفاف والمواربة في هذا الشأن، وقد ظهر ذلك سريعًا في تصريحات قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” الإيراني، منتصف أيلول/ سبتمبر 2013، إذ قال: إن إيران ستدعم سورية حتى النهاية. ثم بيّن ذلك بشكل أكثر وضوحًا جـواد كريمي قدوسي، عضو “لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية” في البرلمان الإيراني، عندما تحدث علانيةً عن وجود مئات الكتائب العسكرية التابعة للجمهورية الإسلامية تقاتل إلى جانب بشار الأسد، وزاد على ذلك أن “طهران” هي من يقف خلف الانتصارات التي حققها جيش النظام السوري، تلا ذلك التشييع الذي جرى لـ محمد جمالي القائد الرفيع في فيالق “الحرس الثوري” الذي قُتل أثناء تأديته “واجبه الجهادي”، في منطقة السيدة زينب قرب دمشق.
وعمدت إيران إلى مساندة نظام الأسد، عبر عمليات اختراق القوى المقاتلة ضده، من خلال ما عرف بـ (تنظيم الدولة الإسلامية) في العراق والشام (داعش) أحد تشكيلات تنظيم القاعدة الإرهابي، في حين كانت قوات (الجيش الحر) تتصدى لتوغل قوات الأسد والميليشيا المقاتلة معه، وعمدت (داعش) إلى السيطرة على مناطق كانت خاضعةً لـ (الجيش الحر)، ودخلت معه في اشتباكات أدت إلى تصفية (داعش) كثيرًا من الناشطين والعسكريين الثوريين، قبل أن تُمنى بخسائر فادحةٍ في مدينة حلب، وتضطر إلى مغادرتها، حيث كانت قد اتخذت مقارّ نظام الأسد السابقة مراكزَ لها في مواجهة الشعب السوري، ليعمد الأسد إلى قصفها بعد انسحاب (داعش) منها وسيطرة الثوار عليها.
نشر ناشطون سوريون، تسجيلاتٍ مصورة أظهروا خلالها حيازتهم جوازات سفر تعود لعناصر (داعش) في ريف حلب الغربي، بعد السيطرة على مقارهم ومنازلهم، وتظهر الصور حيازة عناصر (داعش) جوازات سفر إيرانية، إضافة إلى دخول معظمهم إلى إيران وروسيا في أثناء اندلاع الثورة السورية، وقبل وصولهم إلى سورية عبر الأراضي التركية. كما أظهر المقطع حيازة عناصر التنظيم شرائح اتصالات إيرانية وروسية، مؤكدين أنّ معظمهم يعمل لصالح أجهزة المخابرات الإيرانية والروسية، وقد أكد وزير العدل العراقي حسن الشمري أنّ رؤوسًا كبيرة في الدولة العراقية سهّلوا -بمشاركة القوات الأمنية المسؤولة عن حماية إدارة أمن سجني (أبو غريب) و (التاجي) في بغداد- هروبَ عناصر وقادة القاعدة، لتعظيم دور التنظيم في سورية، وتخويف الولايات المتحدة من النظام الذي قد يخلف الأسد، وأضاف الشمري أن قوات حماية السجنين انسحبت منهما، قبل اقتحام عناصر (تنظيم القاعدة) للسجنين في تموز/ يوليو عام 2013، وهرّبوا أكثر من 500 سجين، بينهم شخصيات من كبار قادة القاعدة، وعلى ذلك فقد شكلت (داعش) النموذج الذي أراد النظام السوري وحلفاؤه أن يكون في الواجهة، وأن تتصدر أفعاله الضجيج الإعلامي، ولهذا السبب بدأ النظام تسليم (داعش) بعضَ المواقع، ليخيّر الناس بينه وبين هذا التنظيم التكفيري، بدءًا من محافظة الرقة، بعد الإفراج عن مجموعة من رموزه من السجون السورية، وبعد إفلاتهم من سجون العراق، لتتحول (داعش) إلى رديف استبدادي للنظام في المناطق المحررة، وأتاحت للأسد المجاهرة بالقول لحلفائه اللبنانيين: “نجحنا” في جعل القاعدة في واجهة الأحداث، وهذا سيحول دون تقديم الغرب المساعدة إلى المعارضة، لأن أولوية الغرب باتت “محاربة الإرهاب”، وبالفعل تجنب طيران الأسد قصف مواقف (داعش) في الرقة، حيث كانت الطلعات الجوية تستهدف مواقع (الجيش الحر) على بعد مئات الأمتار من مواقع تنظيم (داعش).
ثالثًا- الهيمنة الاقتصادية:
شكّل الاختراق الإيراني لسورية، على المستويات كافة، بيئةً مواتية لإحكام السيطرة على الاقتصاد السوري، وتوظيفه أداةً لكسر العقوبات الدولية المفروضة على إيران من جهة، وبوابةً عربية للسلع الإيرانية، واستنزافًا كاملًا للموارد الاقتصادية السورية، في ظل عجزٍ كبير في الميزان التجاري بين الدولتين.
وعلى الرغم من اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد الابن، فإن إيران ظلّت تحتفظ بهيمنتها الاقتصادية على العلاقات التجارية مع سورية، بل إنها عززتها في مناح عدة، بلغت درجة إنقاذ الأسد من الإفلاس في مرات عدة، وضخّ مزيدٍ من الأموال في الموازنة العسكرية السورية، إذ عقد الأسد حتى مطلع عام 2019 أكثر من 45 اتفاقية مع إيران، وركزت تلك الاتفاقيات على التجارة والطاقة والاستثمار والتخطيط، والصناعات ووسائط النقل الجوي والبحري والأرضي، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصحة والزراعة، لكنّ العقوبات الدولية التي فُرضت على سورية أولًا، وإيران ثانيًا، تسببت في عرقلة تلك الاتفاقيات، التي كانت إيران تحاول تأمينها في المنطقة، وعلى الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين ألمحوا مرارًا إلى أن تحالفهم الاقتصادي لن يتأثر بقضايا الأمن بعد اندلاع الثورة السورية، فإنّ الشركات الحكومية السورية ورجال الأعمال واجهوا صعوبات جمة وعقبات كثيرة في العمليات التجارية، وفي التوصل إلى صفقات مع إيران، بسبب القيود على التحويلات بالدولار، وكان التحالف الاقتصادي الإيراني- السوري يراوح في تعامله بين عقود الحكومة والشركات الخاصة معتمدًا الدولار. غير أن الأنظمة التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية الأخرى، بعد بدء الثورة، جعلت الاستفادة من العملات الأجنبية والحصول عليها عبر المصرف المركزي السوري أمرًا صعبًا، ودفع ذلك الضغط الاقتصادي على الدولتين إلى توقيع اتفاق رمزي حول تجارة حرة بينهما، وذلك في كانون الأول/ ديسمبر عام 2011، لمحاولة التقليل من تأثير العقوبات الاقتصادية، وتخفيف الموانع التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض دول الجامعة العربية، وبموجب الاتفاقيات الأخيرة فإنّ التجارة ستحصل على مزيد من الحرية، وأعلنت اتفاقية الدولتين أنّهما ستخفضان الضرائب الجمركية لتسهيل التجارة والأعمال، وعلى وجه الخصوص فإن سورية قررت تخفيض الضرائب عن السلع السورية المصدرة إلى إيران بنسبة 60 بالمئة، لتعزيز التجارة الثنائية بينهما، وهذا ما يؤكد أهمية الملف السوري في الاستراتيجية الإيرانية نحو البيئة العربية، حيث استمرت إيران في ضخ أموالها إلى نظام الأسد، تأكيدًا على عدم استعدادها للتراجع عن مشروعها في سورية، ومنه إلى باقي الدول العربية، إذ فتحت خط ائتمان بقيمة 3.6 مليار دولار لدمشق، لتغطية حاجات النفط لسورية التي تواجه حصارًا دوليًا، وذلك مقابل حق الاستثمار في سورية، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) التي أوضحت أنّ الاتفاق الذي وقّعه عن الجانب السوري حاكم مصرف سورية المركزي أديب ميالة، وعن الجانب الإيراني محافظ البنك المركزي الإيراني محمود بهمني، يتضمن تسديد الجانب السوري قيمة النفط السوري الذى يتم توريده من إيران، عن طريق استثمارات إيرانية في سورية في مجالات عدة، كما أعلن حاكم المصرف المركزي السوري أديب ميالة في منتصف عام 2013، أن إيران تقدم تسهيلات ائتمانية تصل قيمتها إلى سبعة مليارات دولار لبلاده. وقال ميالة إن إيران تواصل دعم سورية لتقديم خط ائتماني لتمويل استيراد السلع بقيمة مليار دولار قابلٍ للزيادة فور استنفاده، وخط ائتماني آخر بقيمة ثلاثة مليارات دولار لتمويل احتياجات سورية من النفط والمشتقات النفطية.. وللسعي إلى الانتهاء من كل الإجراءات الخاصة بتقديم قرض مُيّسر من الجانب الإيراني إلى سورية، بقيمة ثلاثة مليارات دولار أخرى.
غير أن الانهيارات الاقتصادية الكبرى التي طالت الاقتصاد الإيراني، وخصوصًا عام 2013، وانعكاساتها السلبية على مستوى المعيشة داخل إيران، وما حملته من تهديد للنظام الإيراني ذاته، وقد كانت نتيجة للعقوبات الدولية المتراكمة على إيران منذ عقود، دفعت القيادات الإيرانية إلى إعادة النظر في حجم الدعم الذي يناله أتباعها في العالم العربي، حيث أكدت مصادر رسمية إيرانية أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قرّر خفض أو إلغاء المساعدات إلى بعض الدول التي تطلق عليها إيران “تيّار المقاومة”، ومن بينها سورية و”حزب الله” والميليشيات التابعة للأحزاب الشيعية في العراق، إضافة إلى تقليص رواتب ومخصصات شخصيات سياسية عراقية، تدفع لها إيران ملايين الدولارات، مقابل الخدمات التي تقدّمها في مجالات عدة، حيث أبلغ روحاني مساعديه أنه لا يستطيع أن يقتطع من الإنفاق على الخدمات ودعم السلع الأساسية، في الوقت الذي تدفع فيه إيران ملايين الدولارات إلى سورية و”حزب الله” والميليشيات في العراق، وقد تمّ إبلاغ جميع تلك الأطراف بتقليص الدعم المالي الإيراني لها، وأنّ عليها أن تواجه بنفسها هذه الحقيقة.
رابعًا. الهيمنة الإيرانية على سورية إقليميًا ودوليًا:
لا يكترث المجتمع الدولي بحجم الجرائم الواقعة على الشعب السوري، طالما أن مصالحه لا تزال مصانة ضمن اتفاقات غير معلنة، بين إيران ونظام الأسد من جهة، والقوى الغربية و”إسرائيل” من جهة أخرى، فكما سبق للغرب أن تغاضى عن الجرائم التي ارتكبها النظام الإيراني بحق الشعب العراقي، قبل أن يُحكم هيمنته عليه، بفرض إطار سياسي عبر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فإن التجربة ذاتها تتكرر في سورية، قبل أن يسعى النظام الإيراني لنقلها إلى بيئات عربية أخرى، فهي معركة إيران الكاملة والموصوفة، والصمت الدولي عن التدخل الإيراني الواسع في سورية ليس إلا أحد البنود غير المعلنة للصفقة الأميركية الروسية، كما هو بادٍ ظاهريًا على الأقل، وإذا كان الأمر كذلك واستمر على هذا الشكل، فإنه مسألة وقت فحسب، فقد قامت إيران بتغيير الوقائع على الأرض واحتلال معاقل قوات المعارضة الأكبر في حلب وريف دمشق، وسلمتها إلى الأسد لإعادة فتح طريق طهران – بيروت، على مرأى ووسط صمت مجتمع دولي تسلَّم مفاتيح مخازن أسلحة الدمار الشامل، وأدرك أنه يحتاج إلى شهور وسنوات لإفراغها، وأنّ الأفضل له أن يفعل ذلك في ظل الأسد الذي اختبر وفاءه، ولا تقع في أيدي تنظيمات كـ (النصرة) و(داعش).
خاتمة:
إن زيارة الأسد الأخيرة إلى طهران قد تكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وقد بدا أن موسكو لم تكن راضية عن الزيارة، وهذا ما ظهر مما رشح عن زيارة نتنياهو موسكو، حيث سارعت الأخيرة إلى إيفاد وزير خارجيتها لافروف إلى بعض العواصم العربية، فيما يبدو أنها محاولة جادة لإنهاء الدور الإيراني في سورية.