الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العلاقات الأميركية التركية لن تخرج عن مسارها بسبب سوريا

العلاقات الأميركية التركية لن تخرج عن مسارها بسبب سوريا

17.01.2019
إدوارد جي ستافورد



العرب اللندينة
الاربعاء 16/1/2019
شهدت العلاقات الأميركية التركية صعودًا وهبوطًا خلال الأسابيع القليلة الماضية وكانت بمثابة ركوب الأفعوانية. وإذا كان باستطاعة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان مواصلة التركيز على المصالح وتغليبها على الشخصيات، فإن هناك فرصة جيدة بأن يكون الركوب متخبطا لكنه لن يكون مدمرا، وسيكون بدون أي خروج كارثي عن الخط. لكن إذا عاد الرئيسان إلى الذم الشخصي، فسينتج عن ذلك صدام له عواقب وخيمة.
وخلال اتصال هاتفي جرى في الرابع عشر من شهر ديسمبر الماضي، اتفق ترامب مع أردوغان على أن الهدف الذي حددته الولايات المتحدة بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية كقوة عسكرية قد تحقق. وأعلن ترامب بعد ذلك عن الانسحاب القريب لجميع القوات العسكرية الأميركية من سوريا، ما أدى إلى استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس. ومن الجدير بالذكر أن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون كان يستمع للاتصال، وأشارت التقارير إلى أنه اتفق مع ترامب على أن هدف الولايات المتحدة بإيقاع الهزيمة بتنظيم داعش قد تحقق على نحو كبير.
وهللت الصحف التي تهيمن عليها الحكومة التركية بأن أردوغان استطاع التغلب على ترامب، وأجبر الولايات المتحدة على قبول إقامة منطقة نفوذ تركية في شمال شرق سوريا بالإضافة إلى الحجج التركية بأن المجموعة الكردية السورية التي تسيطر على المنطقة، وحدات حماية الشعب الكردية وهي ذراع حزب العمال الكردستاني، وتصنفها الولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية، تقاتل داخل تركيا منذ أكثر من ثلاثين عامًا. ثم ظهرت الحقيقة.
والجيش التركي ليس قوة استطلاعية من الناحية الاستراتيجية أو من ناحية الموارد. وقد أدت العمليات التي قامت بها تركيا في عفرين، الجيب السوري الواقع شمال غرب سوريا والذي استولت عليه من وحدات الشعب الكردية في شهر مارس الماضي، إلى إرهاق الموارد، وقد اعتمد إلى حد كبير على قبول ضمني من روسيا.
 وقد تواجه العمليات التي يقوم بها الجيش التركي في شمال شرق سوريا مهمة أصعب مع الوضع في الاعتبار القوة الأكبر لقوات وحدات حماية الشعب الكردية هناك وقربها الأكبر للأصدقاء والأقارب في جنوب شرق تركيا وشمال العراق.
 وتعكس التغيرات في الأوامر المتعلقة بالعمليات المحتملة في سوريا المخاوف الموجودة لدى الكثيرين في الجيش عن اتساع العمليات المخطط لها والفترة الزمنية لهذه العمليات.
وبالإضافة إلى هذا، فإن الأكراد السوريين يتطلعون إلى إبرام اتفاق مع الحكومة السورية والروسية. وسيجادلون على الأرجح بأنهم لم يثوروا في الواقع مطلقًا على الرئيس بشار الأسد ولا يهددون وحدة الأراضي الإقليمية لسوريا، لكن تعاونوا فقط مع الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وعلى الرغم من الخداع، فإن روسيا قد توافق على هذه الحجج. وقد ترغب موسكو في الحفاظ على قوة الأكراد السوريين كقوة موازنة لأي جهود يقوم بها الأسد للإطاحة بالروس. كما أن الروس سيرغبون، بالتأكيد، في تصوير أنفسهم على أنهم أصدقاء يمكن للأكراد الوثوق بهم بالمقارنة بالأميركيين الذين يتخلون عنهم الآن بعدما استغلوا منفعتهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية بصورة كاملة.
هذا هو سياق تصريحات بولتون وزيارته إلى تركيا هذا الأسبوع. وبولتون هو حجر الزاوية بالنسبة للأمن القومي وصيغة السياسة الخارجية وتنفيذها في إدارة ترامب.
وقد أدت استقالة ماتيس إلى زيادة دور بولتون فقط، حيث سيستغرق وزير الدفاع الجديد بعض الوقت لفهم القضايا السياسية التي يواجهها. كما أن باتريك شاناهان، المرشح لتولي المنصب، هو تاجر سلاح أكثر من كونه يعمل بالسياسة أو أنه بارع في التخطيط، لذا، ابحث عن بولتون للبحث عن توجيه شاناهان في ما يتعلق بالسياسة الدفاعية، ربما عن طريق وضع نائب سابق في منصب وزير الدفاع.
وبدأ الكثير من الجماعات فهم التصريحات التي أدلى بها بولتون في إسرائيل عن الانسحاب العسكري الأميركي من سوريا. وذكرت الصحف أن بولتون كان يفرض شروطًا على الانسحاب الأميركي. وارتأى البعض أن بولتون يقوّض قرار ترامب ويسعى لتمديد الوجود العسكري الأميركي إلى أجل غير مسمى. وتكشف قراءة عن كثب لنصوص ما قاله بولتون أن أيًا من الرأيين غير صحيح.
وكان بولتون يرغب في التأكيد لمضيفيه الإسرائيليين على أن الانسحاب الأميركي سيحدث بطريقة لن تؤدي إلى تعزيز دور إيران في سوريا، كما كان يرغب في إرسال رسالة مفادها أن الوجود الأميركي في الشرق الأوسط سيستمر. وقناعة بولتون بأنه ينبغي على الولايات المتحدة دعم إسرائيل بصورة أكبر من جميع الدول الأخرى الموجودة في الشرق الأوسط هي قناعة قائمة منذ أمد طويل.
ثانيًا يرغب بولتون في التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن حلفاء المعركة المحتملين بعدما دعمتهم واستخدمتهم كقوات برية. ويدرك بولتون أن الولايات المتحدة ينبغي أن تظل منخرطة في العالم، لكن يجب أن تفعل ذلك بدون نشر ضخم للقوات الأميركية حيث إن هذا مكلف ولا يحظى بشعبية، ويمكن أن يُسفر عن استياء من الشركاء أو من مستضيفي القوات الأميركية.
وسيكون إقناع الآخرين في المستقبل لكي يكونوا هم المقاتلين في الخطوط الأمامية في العمليات المشتركة مع الولايات المتحدة أكثر صعوبة إذا ما أدركت واشنطن بأنها تخلت عن الأكراد وتركتهم تحت رحمة الجيش التركي. وفي ما يتعلق بمسألة سرعة الانسحاب الأميركي، فإن بولتون يتفق بصورة كاملة مع ترامب، إذا ما أخذنا في الاعتبار التغريدة التي غرد بها مستشار الأمن القومي في السابع من يناير بحسب ما تعنيه.
وردًا على ذلك، بدأ أردوغان فهم التقارير بأن بولتون يضع شروطا على انسحاب القوات الأميركية من سوريا، ووبّخ الأميركيين لأن لديهم الجرأة على افتراض أنهم يمكنهم إملاء أوامر على تركيا. وسواء من مستشاريه أو من نفسه، فإن حديثه استغل إدراك بعض الأميركيين من أنواع “اذهب بمفردك دون مساعدة الآخرين” حيث كان بولتون يتحدث بعد إفادته وكان حديثه عكس الرسالة القاطعة الواضحة لترامب بشأن عودة الجنود الأميركيين.
وفي ما يتعلق بعدم مقابلة بولتون، فإن أردوغان ببساطة يعزز وضعه كرئيس لدولة يقوم بأعمال مع أولئك من نفس وضعه. واستقبال بولتون كان سيقوّض ادعاءاته بأن تركيا تضع مسارها الخاص بدلًا من إتباع قيادة الآخرين.
بولتون ليس من مفكري “اذهب بمفردك دون مساعدة الآخرين” في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. وأدرك بولتون أن الولايات المتحدة تستفيد من حلفائها وشراكاتها، لكنه يتوقع أن تكون واشنطن في مقر القيادة ويتبعها الآخرون. ويضعه هذا على خلاف مع آخرين في إدارة ترامب الذين يرون فائدة قليلة للتحالفات مثل حلف شمال الأطلسي، أو على الأقل يرون أن التحالفات أكثر فائدة للآخرين. ومثل السياسة التجارية، فإنهم يرون أن الولايات المتحدة ضحية، حيث إن قيمة عائد التحالفات على الولايات المتحدة ضئيلة. ولا يتشارك بولتون هذا التفكير الذي محصلته صفر، على الرغم من أنه يرى أفضلية قليلة للولايات المتحدة من تعثرها من قبل المؤسسات والمواثيق متعددة الأطراف التي لا تتماشى مع المبادئ والمصالح الأميركية.
وهناك إيران. ويرى بولتون الكثير من قضايا السياسة الخارجية إن لم يكن معظمها من خلال منظور التهديد من إيران بالهيمنة على الشرق الأوسط الكبير وتهديد دولة إسرائيل. وفي هذا الصدد، فإنه يضع معا تفكيره وتفكير “اذهب بمفردك دون مساعدة الآخرين” الذي ينتهجه الآخرون الذين يرون أن الولايات المتحدة مجبرة على الانضمام إلى زعماء أوروبيين ضعفاء في الاتفاق النووي الذي صادقت عليه الأمم المتحدة مع إيران (خطة العمل الشاملة المشتركة)، والتي كانت تمثل تناقضًا للمصالح الأميركية وأسفرت عن تحويل مليارات الدولارات إلى إيران والتي استخدمت فيما بعد لتمويل أعمال إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى.
وإجمالا، فإن الاضطراب الأخير الناتج عن قرار ترامب المفاجئ بسحب القوات الأميركية من سوريا كوسيلة لتنفيذ وعد حملة مؤجلة منذ فترة طويلة لن يؤدي إلى خروج العلاقات الأميركية التركية عن مسارها، كما أنه لن يؤدي إلى إقالة بولتون من منصبه. وعلى الرغم من عدم التماشي الكامل مع أنواع “اذهب بمفردك دون مساعدة الآخرين” حول ترامب، فإن بولتون والرئيس ينتهجان نفس النهج في مواجهة إيران والوقوف مع إسرائيل، وهما حقيقتان يجب أن يضعهما أردوغان في الاعتبار عند التعامل مع نظيره الأميركي.