الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العرب وسوريا بين أوهام الفرس وأطماع العثمانيين

العرب وسوريا بين أوهام الفرس وأطماع العثمانيين

03.02.2019
إميل أمين


الشرق الاوسط
2/2/2019
أضحى الوجود التركي الإيراني في سوريا معضلة تزيد من تعقيدات الأزمة الداخلية، وترمي كذلك بظلالها على إشكاليات الإقليم ومواجهاته في الحال والاستقبال، مع القطع واليقين بأن الأتراك والإيرانيين لم يحملوا الخير يوماً ما للعرب، والتاريخ القديم والحديث خير شاهد.
بعد جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة في المنطقة، تبدى واضحاً أن للأميركيين رؤاهم التي تنسجم مع أهدافهم الكبرى والصغرى في المنطقة، الأمر الذي يحاول أن يجعل من الجميع بيادق على رقعة الشطرنج الإدراكية، وفيما "العم سام" يعيد ترتيب أوراقه، يضيع ما تبقى من سوريا العربية بين الفرس القدامى والعثمانيين الجدد، فيما يبقى السؤال: ماذا عن العرب، وهل لهم أن يتركوا طويلاً السوريين رهناً لهيمنة الملالي من جهة، والخليفة المتوهم من جهة ثانية؟
حتى الساعة لا يزال الموقف الأميركي غير واضح بما يكفي للعالم، وغالباً ينسحب الأمر على الأميركيين أنفسهم، فعلى الرغم من تصريحات الرئيس ترمب عن سحب قوات أميركية من سوريا، تحدث مستشاره للأمن القومي جون بولتون ووزير خارجيته مايك بومبيو، بلغة مختلفة تماماً قائلين: "ستبقى قواتنا في سوريا حتى خروج آخر جندي إيراني"، ما يعني بكلمات أخرى: "باقون إلى الأبد"، انطلاقاً من النوايا الإيرانية والتركية معاً.
من يصنع القرار في الداخل الأميركي؟ بدا واضحاً بعد زيارة الرئيس ترمب للعراق، ولقاء الـ45 دقيقة مع الجنرالات هناك، أنهم تركوا أثراً بالغاً على رؤيته لطرح الانسحاب الأميركي من سوريا على عجل، لكن ترمب في كل الأحوال ينتوي الانسحاب، ما يعني أن الداخل السوري سوف يضحى نهباً للإيرانيين أولاً والأتراك تالياً.
التوجهات الإيرانية جهة سوريا واضحة للقاصي والداني، إذ تصر على تكريس نفوذها العسكري والسياسي في الداخل، ذلك رغم كل الدعوات التي وجهت لها لإخراج قواتها والميليشيات الموالية لها من الأخيرة، وهو ما يمكن فهمه في إطار محاولاتها ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأميركي من سوريا، وتوسيع نطاق تأثيرها على الأرض، بغض النظر عما إذا كان ذلك يتوافق حتى مع مصالح القوى الحليفة لها مثل روسيا أم لا.
قبل فترةٍ طالب الروس، الإيرانيين، بالانسحاب من سوريا، كما بُحَّ صوت الأميركيين، لكن من غير رد إيراني، أما الاستجابة الوحيدة، وإن كانت سلبية، فقد وردت في تصريحات مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة حسن فيروز آبادي، في 14 يناير (كانون الثاني) الحالي، حين أشار إلى أن المستشارين العسكريين الإيرانيين باقون في سوريا طالما خطر الإرهاب ماثل، والحكومة السورية تطلب المساعدة.
يتذرع الإيرانيون بأن السوريين هم سبب بقائهم، ما يلقي على العالم العربي بتبعات جسيمة وعلامة استفهام جذرية: ما الذي يمكن تقديمه لسوريا عربياً، وبشكل فوري وعاجل، حاسم وحازم، لاستخلاص سوريا من أنياب الملالي أولاً؟
على الجانب التركي، وصلت واضحةً وصريحةً لأسماع إردوغان الأصواتُ المطالبةُ بإبعاد تركيا عن سوريا، وتمثل الصوت في الخلاصات التي خرجت عن مؤتمر القبائل والعشائر السورية، الذي عقد وسط البلاد الأيام القليلة الفائتة، التي أكدت رفض وجود أي قوات أجنبية على الأراضي السورية، وطالبت بخروج الأميركيين والأتراك دفعة واحدة.
يحاجج إردوغان بأن الأطراف التي ترغب في إبعاد تركيا عن سوريا لا تهدف لضمان حرية الشعب السوري، وإنما العكس تماماً، تسعى إلى تعميق المستنقع، ويحق لنا أن نتساءل: أي حرية يتحدث عنها إردوغان، وهو بتهديداته الخاصة باجتياح شمال شرقي سوريا من أجل مواجهة الأكراد إنما يفتح الأبواب واسعة لعودة "داعش" من جديد إلى أماكن تمركزه، التي استطاعت "وحدات حماية الشعب" الكردية طرده منها؟
تركيا لا يهمها الشعب السوري من قريب أو بعيد، بقدر ما يهمها بروز دورها مهيمناً رئيساً في المنطقة، وفاعلاً مؤثراً بل وشريكاً في قسمة غرماء ما بعد "الربيع المشؤوم"، وصولاً إلى أوهامها بإحياء الإمبراطورية العثمانية البائدة، وإعادة تقسيم النفوذ مع الإيرانيين، وربما الإسرائيليين، على حساب العرب عامة، والسوريين خصوصاً.
المتابع لتطورات المشهد التركي في الآونة الأخيرة، يدرك تمام الإدراك أن أهداف أنقرة تحولت وتبدلت من الصوت الزاعق المطالب بتغيير النظام السوري مرة وإلى الأبد، إلى مقاتلة الأكراد في شمال سوريا، ولاحقاً استخدام هذا البلد منصة لتعزيز نفوذها في المنطقة.
لم يتوقف الأمر عند حدود الاستنتاجات العقلية، بل وصل الأمر إلى فجاجة التصريحات التركية من قبل مسؤولين لا يدارون أو يوارون رؤاهم وتطلعاتهم في الفترة الأخيرة، ويجاهرون بالقول إن بلادهم يجب أن تكون القوة المهيمنة في منطقة الشرق الأوسط، ما يعني أن أوهام الماضي تداعب مخيالهم، رغم الانتكاسة التي مني بها فصيلهم الراديكالي "الإخواني" في السنوات الماضية.
يمكن للمرء أن يتساءل: هل من فعل عروبي وموقف موحد يستبقان "مؤتمر وارسو" المقبل بمقررات ومقدرات أميركية؛ لا شك ربما لا تتساوق مع الأهداف والمصالح العربية في المنطقة، وفي القلب منها تخليص سوريا من شباك الإيرانيين، وإنقاذها من مؤامرات الأتراك؟
هناك من الآليات والوسائل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية ما يدعم ويزخم سوريا والسوريين، ويعزز من الأصوات التي تنادي برحيل الأجانب عنها، والظرف الآني ملائم بالفعل؛ فالإيرانيون في الداخل لم تعد تهمهم أوهام تصدير الثورة الإيرانية لدول الجوار بقدر رغيف الخبز المفقود من شوارع البلاد، والأتراك على شفا أزمة اقتصادية كبرى، والتلاعب على المتناقضات ما بين واشنطن وموسكو لم يعد يجديهم.
لا بد للعرب من الحفاظ على وحدة سوريا وعروبتها.