الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العدالة التصالحية السورية:خطأ في الترجمة أم في السياسة 

العدالة التصالحية السورية:خطأ في الترجمة أم في السياسة 

20.12.2020
عقيل حسين



المدن 
السبت 19/12/2020 
رفض المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن تصحيح ما ورد في إحاطته التي قدمها الأربعاء إلى مجلس الأمن حول الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية، وتضمنت استخدام مصطلح "العدالة التصالحية". 
وعبّر الكثير من قوى وشخصيات المعارضة عن سخطها تجاه الإحاطة بشكل عام، وتجاه الحديث عن العدالة التصالحية بشكل خاص، والذي وصفه بيان صادر عن جماعة الاخوان المسلمين في سوريا ب"الصدمة العنيفة لضمائر السوريين جميعاً"، بينما طالب آخرون وفد المعارضة والأعضاء المعارضين في وفد المجتمع المدني بتعليق عملهم في اللجنة. 
وكان بيدرسن قد تجنب في إحاطته أي إشارة إلى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة لأمم المتحدة المتعلقة بالحل السياسي في سوريا، وكذلك مرجعية جنيف التي تنص جميعها على إقامة هيئة حكم انتقالي يكون من مهامها تطبيق العدالة الانتقالية، مكتفياً بتلخيص ما تناولته الوفود الثلاثة في الجولة الأخيرة، وبينها وفد المجتمع المدني الذي قدم بعض أعضائه –حسب بيدرسن- نقاطاً تتعلق بشروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، والقضايا الأخرى ذات الصلة، مثل إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة التصالحية، ما أثار جدلاً واسعاً. 
ونفى الأعضاء المحسوبون على المعارضة في وفد المجتمع المدني أن يكون أي من أعضاء الوفد الخمسة عشر قد ذكر هذا المصطلح في مداخلاته خلال الجولة الأخيرة، مطالبين المبعوث الأممي بالتزام الدقة في نقل مداخلات المجتمعين، وعدم وضع مصطلحات لم يتم استخدامها. 
وفي حديث لـ"المدن"، أكدت عضو وفد المجتمع المدني رغدة زيدان أن "الوفد اتصل بمكتب بيدرسن فور الإعلان عن مضمون الإحاطة، ومن ثم توجه برسالة رسمية إليه مطالباً بتصحيح ما ورد فيها حول مصطلح العدالة التصالحية الذي لم يتم ذكره على الإطلاق"، مضيفة أن الحديث جرى عن العدالة الانتقالية بشكل عام وعن العدالة التعويضية فيما يتعلق بالمساكن والأملاك التي تعرضت للضرر. 
وبينما يتضمن مصطلح العدالة الانتقالية "كشف الحقيقة والمحاسبة والمساءلة ومحاكمة الجناة وجبر الضرر وتعويض الضحايا، مع إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وأجهزتها" حسب المحامي رديف مصطفى، فإن العدالة التصالحية "نوع جديد ظهر في السبعينات وعادة ما يعمل به في زمن السلم ووجود قانون وطني، ويركز على  العدالة الجنائية بموضوعين أساسيين هما التعويض والتصالح، بمعنى أنه عملية مصالحة بين الضحايا والجناة وكل المتضررين، وهذه العدالة لاتركّز على كشف الحقيقة ولا تتضمن أي مساءلة أو محاسبة قانونية". 
ويضيف مصطفى في تصريح ل"المدن"، أن "هذا النوع من العدالة لا يلائم السياق السوري، نظراً لنوعية الجرائم المرتكبة وحجمها وفظاعتها وخلفيتها السياسية، وبالتالي لا بد من محاكمة ومحاسبة المجرمين الذين ارتكبوها وعلى رأسهم رموز النظام". 
والخميس التقى بيدرسن ممثلين عن منظمات المجتمع المدني في سوريا وناقش معهم ما ورد في الإحاطة، ولدى سؤاله حول استخدام مصلح العدالة التصالحية، اعتبر أنه ورد كخطأ في الترجمة، لكنه رفض إصدار أي تصحيح رسمي، معتبراً أن "القضية لا تستحق كل هذا اللغط" حسب ما نقل عنه. 
رفْض بيدرسن إعادة النظر بما ورد في إحاطته تسبب بتنامي الغضب في أوساط المعارضة التي رأت أن ما صدر عنه يعزز الشكوك المتزايدة لديها في أن المبعوث الدولي يعمل على السير بالعملية السياسية في الاتجاه الذي يريده الروس، وفي مقدمة ذلك إسقاط المرجعية الدولية والاكتفاء بتعديل دستوري يسبق إجراء انتخابات يديرها النظام، وليس هيئة الحكم الانتقالي. 
المعارض جورج صبرا أكد ل"المدن"، أنه "ومنذ أكثر من عامين فإن جميع الإحاطات التي يقدمها بيدرسن لمجلس الأمن تقليدية ومن لزوم ما لا يلزم، بسبب عدم وجود مفاوضات حقيقية في هذه الفترة، إذ أن المفاوضات معطلة والعملية السياسية محتجزة، حتى أن اللجنة الدستورية، وبعد أربع جولات، لم تصل إلى اتفاق حتى حول جدول أعمال محدد". 
وأضاف "لكن ما ورد في إحاطته الأخيرة تجاوز كل ما سبق بالخطورة، عندما طرح التعبير المبتدع الذي سمي العدالة التصالحية بديلاً عن العدالة الانتقالية، والفرق بين الاثنين شاسع، إضافة إلى أنه ابتداع مشبوه وفيه خروج على أساسيات العملية السياسية وما ورد في القرارات الدولية ذات الصلة". وتابع أن "الخشية الآن ألا يكون هذا التعبير قد ورد عرضياً أو من بنات أفكار بيدرسن، بل أن يكون موافقاً عليه من قبل أطراف من المعارضة، وتم رميه كبالون اختبار أمام السوريين والمجتمع الدولي". 
وبالفعل، يرى الكثيرون من المعارضين أن الخروج الجديد لبيدرسن عن الإطارات المحددة للمفاوضات لم يكن ليتم لولا التنازلات التي قدمتها المعارضة في السنوات الثلاث الماضية، وآخرها تجنبُ وفد هيئة التفاوض في اللجنة الدستورية ذكر أي إشارة إلى القرارات الدولية وبيان جنيف في الوثيقة التي قدمها في نهاية الجولة الرابعة. 
وكان لافتاً عدم صدور أي رد فعل من قبل وفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية أو مؤسساتها الرسمية الأخرى، حول مضمون الإحاطة التي تقدم بها بيدرسن، بينما اكتفى رئيس الائتلاف الوطني نصر الحريري بتغريدة انتقد فيها المبعوث الدولي بسبب تجنبه ذكر القرارات الدولية في إحاطته، مؤكداً أن "المعارضة وشركاءها والأمم المتحدة أمام تحدٍ أخلاقي يفرض مواجهة النظام بسبب رفضه الحل الدبلوماسي وليس مكافأته". 
وأمام هذا الصمت الرسمي، يطالب الكثيرون في المعارضة، وفد اللجنة الدستورية بإعلان الانسحاب من المفاوضات وعدم العودة إليها قبل إعلان المبعوث الدولي الالتزام الكامل بمقررات مجلس الأمن وبيان جنيف، متسائلين عن السبب الذي يجعل بيدرسن يعمل على استرضاء وفد النظام في كل مرة، مقابل استخفافه بوفد المعارضة وحقوقها.