الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الطفولة .. ودفع أثمان الحروب

الطفولة .. ودفع أثمان الحروب

24.07.2014
اليوم السعودية


كلمة اليوم
الاربعاء 23/7/2014
من يدفع ثمن الحروب والنزاعات الدامية أكثر من الأطفال ؟، أولئك الذين يجدون براءتهم في مواجهة الموت والعنف والهدم والرصاص دون أن يكون لهم أي خيار، حتى إنه كثيراً ما ينعكس هذا الواقع المتأزم على كل صيغ حياتهم، وطريقة تفكيرهم، وأسلوب فهمهم للحياة، ليصل إلى نوع لعبهم التي لابد وأن تتماشى مع واقع الحروب، لتستبدل الدمى بالرشاشات والمدافع.
المتحاربون لا يأبهون في زمن الحرب بأي شيء سوى بتحقيق النصر، ولن تلفتهم تلك الكائنات الصغيرة التي تتم مصادرة براءتها على مدار الساعة، وتنهب منهم الطفولة على عجل لتسريع انتقالهم إلى مرحلة العنف والشراسة والدموية التي تصنعها الحروب في عقولهم، هذا إن كانوا في صفوف الناجين من غيلاتها، أو إعاقاتها، ما يُفرز جيلاً لا يعرف لغة بديلة للغة الرصاص والدم .
أطفال سوريا، وأطفال العراق، وأطفال غزة، وغيرهم .. كلهم ضحايا لتلك النزاعات، لكنهم وإن كانوا يعيشون مغامرة الحروب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولم يكن لهم أي خيار في أسباب قيامها أو توقيتها وحصادها، إلا أنهم أكثر من سيدفع أثمانها، ليس موتاً فحسب، فقد يكون الموت ثمناً بخساً في مثل هذه الحروب، وإنما تحوّلاً وانتقالاً من حالة البراءة التي تمثل الفطرة الإنسانية لهذه المراحل السنية المتقدمة، إلى حالة من الانكسارات النفسية، والتهشمات التي تصيب الرؤية للحياة برمتها، هذا إن لم يكن الثمن هو التوحش وتشرب العنف، واتخاذه سبيلاً ولغة للحوار مع الآخر المخالف أو المختلف، أو حتى تمرداً على معطيات الواقع الذي سلب تلك الطفولة البريئة، وخرب أحلامها وتطلعاتها للمستقبل .
إن مشهد مشاركة الأطفال في الأعمال الحربية هو جريمة إنسانية، كما إن تهجيرهم، وتسكين الخوف والهلع في نفوسهم، وتحطيم سياجات الأمان في نفوسهم الصغيرة، إما باختطاف ذويهم أو إحالتهم على العجز، كل هذه أيضاً جرائم تتم بحق الطفولة، بقصد أو بدون قصد، وإذا ما كان حجم الأذى كبيراً الآن، فإنه سيكون أكبر لا محالة في قادم الأيام، فالطفل الذي يُجبر على أن يترك مدرسته، ليذهب إلى ملاجئ الشتات، وتنتهك طفولته بضرب أحزمة الأمان التي كانت تشعره بالحب للحياة، لابد وأن يعيد صياغة رؤيته لكل ما حوله، حيث تنبني شخصيته من جديد، بمفردات الحرب ورموزها وأدواتها، وهذا أكثر ما يخيف التربويين الذين يدركون تماماً أن أثمان الحروب لا تقاس بدمارات البنى التحتية، ولا بالخسائر من العتاد والعدة والممتلكات، وإنما بما يزهق فيها من الأرواح، وما يسفك فيها من الدماء، وقبل هذا بما تتركه في نفوس الأطفال من ذكريات وصور مؤلمة، ما تلبث أن تنطبع على سلوكهم في مستقبل حياتهم ، وتتدخل في تشكيل شخصياتهم الجديدة، وأساليب تعاملهم مع مجتمعاتهم ومحيطهم، وكيفية تفاهمهم مع غيرهم، وهي أمور قد لا يمكن قياس تأثيرها إلا في مراحل لاحقة حينما تصل هذه الفئات التي شوهتها الحروب إلى سن الرشد .