الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الطفولة العربية أكبر ضحايا الاستبداد ..حاضرا ومستقبلا

الطفولة العربية أكبر ضحايا الاستبداد ..حاضرا ومستقبلا

23.05.2015
علي الرشيد



الشرق القطرية
الخميس 21-5-2015
لي صديق كاتب أطفال مرموق يعتبر أن "ربيع الثورات العربية" أكبر مؤمرات التاريخ على العرب ( بهذا النصّ) ، ليس هذا فحسب، بل هو في غاية السخط على هذا الربيع لأنّه كما يزعم هدّد الطفولة في بلادنا العربية.
شعور بالحزن والأسى انتابني لحالة صديقي المبدع لأسباب كثيرة أهمها أنه :
ـ تغاضى عن شتاء عربي طويل وبئيس هو أولى بالسخط لأنه على مدار عقود لم يسرق ابتسامات وأحلام الأطفال فحسب، بل سرق حاضرهم ومستقبلهم، ولأنه قتل فيهم روح الحرية، التي تعدّ عنوان النهوض والإبداع لأي أمة ، بسبب استبداده وعقليته الفردية ( الحزب القائد، والقائد الرمز الذي ينبغي أن يحكم للأبد، وتوريث الحكم في مهزلة مضحكة مبكية لنظام يعتبر أنه جمهوري ) ..عقلية أقل مايقال فيها أنها تتبنى تماما قاعدة الديكتاتوريين " ما أريكم إلاّ ما أرى" .
ـ حتى في ظل الربيع ـ الذي لم يعجب صديقي وله رأيه ـ لم يميّز بين من يهدّد الأطفال بحق ..أهو هذا الربيع أم مَن وقف في وجه أزهار الربيع ، هل يتذكر صديقي من اعتقل أطفال درعا بسوريا الذين كانت أعمارهم 15 عاما أو أقل لأشهر ـ وأزهار ربيع الثورة السورية ما تزال تتبرعم حينها 2011عام ـ لا لشيء إلا لأنّهم كانوا يعبّرون عن رأيهم بطريقة حضارية، أم أنّه يعتبر أن كتابة العبارات الناقدة التي خطّتها أناملهم على جدران مدارسهم " إرهابا" وليست حقا أصيلا من حقوقهم ( حق الإنسان في التعبير عن رأيه).
ـ كما لم يأتِ صديقي ـ لا الآن ولا من قبل ـ على ذكر من يهدد الأطفال بحق ، لم أسمعه تحدّث مثلا عن براميل الموت التي صبّت حممم متفجراتها البشعة من علٍ على عشرات المدارس ـ نعم على المدارس ـ والبيوت الآمنة في حلب وإدلب ومعرة النعمان وغيرها فتناثرت الدماء الزكية لطلبتها على أوراق دفاترهم واختلطت مع ألوان محابرهم. ولا الأطفال الذين اختلطت لحوم جثثهم الغضة بأرغفة الخبز أثناء استهداف النظام " الممانع" لهم وهم ينتظرون دورهم في طابور الانتظار على أبواب الأفران، ولم ينوّه بملايين الأطفال الذين هربوا من الموت فتشردوا في بلادهم أو توزّعوا على المنافي القريبة والبعيدة نازحين ولاجئين، وحرم مئات الآلاف منهم من حقهم في التعليم والمأوى الآمن اللائق، وصار كثير منهم مضطرين للعمل في سن مبكّرة.
الإحصائيات الموثّقة لمنظمات الأمم المتحدة تشير إلى أن أعداد الأطفال السوريين اللاجئين يشكلون نصف عدد اللاجئين السوريين لدول الجوار أي ما يزيد على مليون ونصف المليون طفل، وعدد الأطفال السوريين النازحين عن ديارهم (في الداخل السوري) يشكلون أيضا نصف إجمالي عدد السوريين النازحين أي ما يزيد على ثلاثة ملايين طفل، وبالتالي فإن العدد الإجمالي للنازحين واللاجئين من الأطفال السوريين يصل لخمسة ملايين طفل تقريبا أي حوالي 20 بالمائة من إجمالي عدد الشعب السوري وثمة من يرفع العدد إلى سبعة ملايين..ببساطة شديدة من المسؤول عن تشريدهم ؟ ..هل الربيع العربي أم من يناهضونه بالحديد والنار ، إضافة لتنظيم "داعش" الذي يعدّ النظام السوري مسؤولا عن وجوده في سوريا وتمدده السرطاني، لأن النظام هو من عمل على عسكرة الثورة بعد أن واجه سلميتها بالرصاص الحيّ. وهل الملايين الخمسة يا صديقي إرهابيون؟! وماذا عن أكثر من 1.300.000 طفل سوري حرموا من حقهم الطبيعي في التعليم ؟!
الطفولة بأفقها الإنساني الواسع تحتاج منا يا صديقي أن نكون متحيزين لها ولها فقط، دونما تمييز أو انتقائية ، ندين كل من يهددها بحق وصدق في مدينة " اشتبرق" وغيرها من مدن وقرى سوريا، ونلصق به صفة " الإرهاب" كائنا من كان .
أتمنى لو أنت فاعل يا صديقي أن تفرِّغ ذاكرات جميع أطفال سوريا وأطفال العرب دونما استثناء أو انتقاء، وبعيدا عن أي توجهات فكرية أو خلفيات تؤمن بها، لتحوّل ألمهم إلى أمل بحق، وأجزم أنك لوفعلت ذلك لأدركت وقتها من هو الأكثر تهديدا لأحلام ومستقبل أطفالنا. وهي ـ بالمناسبة ـ مسألة أخلاقية قبل أن تكون إبداعية.
أتمنى أن تكتب عن كل طفل قتل مظلوما في أقبية السجون بعد أن سرقت أعضاؤه، أو سفك دمه الزكيّ إلى جانب ألعابه وكتبه وأقلامه ، وعن أطفال المخيمات وعذاباتهم، وعن الرعب الذي علق في ذاكرتهم البريئة، عن وعن .. فما أكثر ما انتهكت هذه الطفولة قبل الربيع الذي تمقته، في ظل حكم المستبدين وخلال خمس سنوات خلت من عمر الربيع العربي على يد الأنظمة المستبدة التي تسبح ضد التيار ، ومن قبل " داعش" هذه النبتة الغريبة عن بيئتنا ووسطيتنا.