الرئيسة \  مشاركات  \  الصين و إفريقيا...من الثورة إلى الثروة ...

الصين و إفريقيا...من الثورة إلى الثروة ...

01.04.2017
د. طارق ليساوي

أوضحنا في العديد من المقالات بهذا المنبر أو غيره،  أن صعود الصين له تأثير على الاقتصاد العالمي، فوزن هذا الاقتصاد وسرعة نموه له تأثير مزدوج –سلبي وايجابي- على العديد من البلدان و القطاعات الاقتصادية ، فهناك العديد منالدراسات التي تناولت تأثير الصين على من الدول و الأقاليم  ، لكن دراسة  تأثير الصعود الصيني على  إفريقيا  لم يحظى بنفس الاهتمام الأكاديمي إلا في السنوات الأخيرة و بدافع من المنافسة الامبريالية على موارد القارة  .
ففي السنوات الأخيرة تصاعدت وثيرة المخاوف و الشكوك من الحضور الصيني بالقارة السمراء، فالبعض ينظر بإيجابية لهذه العلاقة الجديدة "جنوب-جنوب" ،فهذه العلاقة تحمل بعض المؤشرات على كيفية تطور السياسة الخارجية للصين بعد 1978.. (وهو ما سيشكل محور هذا المقال )..
ومنهم من يعتبره "استعمار صيني جديد" الغرض منه السيطرة على المواد الأولية للقارة، وهذا الموقف عبر عنه مؤخرا رئيس البرلمان الاوروبي "انطونيو تاجاني" في عدد صحيفة “دي فليت” الألمانية. ..
فعلاقات الصين مع أفريقيا - كما هو الحال في معظم مجالات صنع السياسة في الصين - الأيديولوجية قد أفسحت المجال لعملية السعي إلى الاستفادة  الاقتصادية بدلا من "تصدير الثورة "إلى القارة ، وتبعا لمؤشرات التجارة الصينية الأفريقية، فإن إجمالي قيمة تجارة الصين مع أفريقيا في عام 1999 قد بلغ 2 مليار دولار أمريكي. ارتفعت في عام 2004 إلى نحو 29.6 مليار دولار. وارتفعت عند مطلع العام 2006 إلى أزيد من 39.7 مليار. وقد تجاوزت في متم العام 2016 سقف 130 مليار دولار.
ويحاول هذا المقال  إعطاء صورة –موجزة- عن الحضور الصيني  بالقارة، انطلاقا من  طرحه لمجموعة من التساؤلات المرتبطة بطبيعة التغير في السلوك الصيني الخارجي تجاه أفريقيا- ولاسيما بعد 1978، وستتم الإجابة على هذه التساؤلات من خلال تناول تطور العلاقات الصينية الأفريقية ، بغرض فهم  مرونة  الدبلوماسية الصينية  و استجابتها للاحتياجات الصاعدة للاقتصاد الصيني،  وذلك عبر محورين :
أولا –دبلوماسية  تصدير الثورة :
العلاقات الصينية- الإفريقية تعود إلى القرن 15 م ، أي مابين 1405 و1433، قام البحار الصيني Zheng He  في عهد أسرة "مينغ" برحلة بحرية قادته إلى المحيط الهندي وقد استغل هذه الرحلة للرسو بغرب القارة الإفريقية حيث نزل هو ورجاله بكينيا والصومال، وحملوا معهم من هذه الرحلة بعض الحيوانات الأفريقية ، كما خلفوا وراءهم بعض الأواني الخزفية.
غير أن العلاقات الصينية ـ الأفريقية، ستعرف تحولا مند مؤتمر باندونج عام 1955و الدي يمثل بداية حقيقية لإدراك الصين لأهمية العالم الثالث، فقد كانت الصين تهدف منذ أوائل الخمسينيات إلى: تأمين وجودها كدولة، والاعتراف بها في مواجهة تايوان، ومواجهة الخطر الأمريكي، بالإضافة إلى أن تجاوز سياستها الخارجية حدود الكتلة الاشتراكية والدول الآسيوية لتشمل مناطق أخرى من العالم في أفريقيا.. ويمكن إرجاع الاهتمام الصيني بأفريقيا خلال مرحلة الخمسينات و الستينات  إلى العوامل التالية:
- الاعتقاد بأن منظومة دول العالم الثالث هي الأقدر على تحقيق الأهداف السياسية والأيديولوجية للصين، وقد ساد شعار (الإخوة الفقراء Poor Brothers).
- السعي الصيني لتأمين الدعم والتأييد الدولي لها ولحكومتها، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصيني .
-أدى الصراع الصيني ـ السوفييتي إلى تزايد الاهتمام بأفريقيا باعتبارها ساحة خلفية للصراع بين العملاقين. ويبدو ذلك جليا من الجولات التي قام بها  رئيس الوزراء الصيني شوين لاي للقارة  خلال الفترة من (1963ـ 1964).
وعلى صعيد الممارسة العملية، عملت السياسة الصينية على دعم الدول الأفريقية، من خلال المساعدات الفنية والاقتصادية والعسكرية، وذلك في محاولة منها لتقويض هيمنة القوى الغربية، ولتأسيس دعائم نظام عالمي جديد تقوده طبقة البروليتاريا .وفي المقابل، كانت الدول الأفريقية بحاجة إلى الحلفاء لكسب معركة التحرر الوطني، كما أنها كانت بحاجة أيضا إلى الدعم المادي لتمويل مسيرة نضالها الوطني من أجل الاستقلال والتنمية ...
و الجدير بالذكر، أن الثورة الثقافية التي عرفتها الصين خلال الفترة (1966 ـ 1969) قد أسهمت في عرقلت تطور العلاقات الصينية –الأفريقية، حيث بدأت الصين في الانكفاء على الذات، وهو ما ظهر جليا في استدعاء أغلب سفرائها من أفريقيا... لكن مع نهاية الحقبة الماوية بوفاة "ماوتسيتونغ" و تنحية "عصابة الأربع" من السيطرة على الحزب و الدولة، و صعود نجم الإصلاحيين، و في مقدمتهم "دونغ شاوبينغ" شهدت الدبلوماسية الصينية تحولا برغماتيا باتجاه توفير احتياجات الاقتصاد الصيني و تأمين متطلبات التنمية ...
ثانيا- دبلوماسية البحث عن الثروة:
هذه الحقبة تبدأ بعام 1978 و اتسمت بتركيز السياسة الصينية على الاستثمار في القطاع الاقتصادي بغرض تحديث الصين وتنميتها. فقد استمرت أفريقيا تمثل مكونا محوريا في التوجه الصيني الخارجي. و ظهر ذلك بوضوح في المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي الصيني في سبتمبر1982. الدي أكد على ثوابت السياسية الخارجية للصين :
- التأكيد على مبدأ السياسة الخارجية المستقلة؛ حيث نأت الصين بنفسها عن القوى الكبرى في العالم.
- كما أكدت على مبادئ التعايش السلمي مع جميع دول العالم بما فيها الدول الاشتراكية.
ـ التأكيد على المصالح والمنافع المتبادلة في برنامج المساعدات الاقتصادية والفنية المقدمة لأفريقيا.
وبعد أحدات "ميدان تيانتمين" عام 1989 ، أعادت الصين رفع شعار تعاون دول الجنوب وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، وذلك توطئة لتدعيم ركائز النظام العالمي الجديد. و هذه القراءة الصينية لمبدأ عدم التدخل الدولي توجهت ولو بشكل غير مباشر إلى موقف الغرب من قضايا حقوق الإنسان...
 ورغم أن السياسة الصينية الجديدة خلال تلك المرحلة قد غلب عليها التوجه البرغماتي، الذي ينحاز للمصالح الاقتصادية للصين، وهو ما أعطى دبلوماسيتها الخاصة بالنفط في أفريقيا أهمية كبرى. فإن الاعتبارات السياسية والأيديولوجية التي شكلت دوما ركيزة العلاقات الصينية الأفريقية لا تزال تحتفظ ببعض من جاذبيتها، وليس أدل على ذلك مما جاء في حديث رئيس جنوب أفريقيا السابق "تابو مبيكي" أثناء زيارته للصين عام 2001 حينما قال: إنه يمكن التعرف على واقعنا والعالم من حولنا من خلال الانقسام الحادث بين الأغنياء والفقراء الذين يملكون والذين لا يملكون... إننا جميعا مع الصين ننتمي إلى موقف واحد وهو دول الجنوب...".
ومع عودة هونج كونج إلى الصين في الأول من يوليو عام 1997 بقيت مسألة تايوان وعودتها إلى السيادة الصينية أحد أهداف السياسة الصينية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وقد حققت الصين نجاحا ملحوظا على الصعيد الأفريقي في هذا السياق، إذ تقلص عدد الدول التي تعترف بتايوان بنهاية عام 2006 إلى خمس دول فقط.
لكن العلاقات الصينية الأفريقية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة أصبحت تحكمها اعتبارات اقتصادية مثل : احتياجات الاقتصاد الصيني للنفط والموارد الطبيعية الأفريقية، وسياسة الاستثمار والتجارة، وسياسة المعونات الصينية لأفريقيا...و هو ما سنحاول التوسع فيه في مقال أخر ..و الله غالب على أمره...
 
*إعلامي مغربي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي .