الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الصور النمطية بين السوريين ودلالاتها

الصور النمطية بين السوريين ودلالاتها

18.02.2019
رشيد الحاج صالح



جيرون
الاحد 17/2/2019
تُثار بين السوريين، من حين لآخر، موجة “مناكشات” ومناقشات وتعليقات، حول الصور النمطية السلبية عن “الشوايا” أو “الحلبيين” أو “الدروز” أو “العلويين” أو “الأكراد” أو “الحورانة” أو “الإسماعيليين”، وغيرهم من المكونات الاجتماعية والقومية والدينية لسورية، وكثيرًا ما تأخذ تلك الجدالات طابع “الجائحة” حيث إنها تحتل، بسبب مقال هنا أو حادثة عارضة هناك، مقدمة القضايا التي يتداول حولها السوريون. طبعًا كثيرًا ما يتخللها تُهم التخوين والتكفير واللاوطنية والعمالة وغيرها من الصور المقنّعة والخيالات المنسوجة، التي كثيرًا ما يغدق السوريون بها على بعضهم البعض.
بالعودة إلى العلوم الإنسانية؛ نجد أن مثل تلك التنميطات موجودة لدى كل المجتمعات، غير أن لكل مجتمع طريقته في التعامل مع هذه الأفكار النمطية. في المجتمعات الديمقراطية الحديثة، تحولت تلك التنميطات إلى أمرٍ ثانوي، ولم يعد له أهمية تذكر، ويكاد يقتصر ذكرها على المزاح وجلسات الشاي، ذلك لأن مكونات ما تحت الدولة “قبائل، طوائف، جماعات عرقية، جماعات دينية…” اندمجت في الدولة، وأصبح الكل مواطنين متساوين، ولم يعد هناك حاجة إلى تلك الصور النمطية. أما في بلادنا، بلاد الدكتاتوريات والهندسة الاجتماعية المرتبطة بها، فالأمر مختلف كليًا.
حول هذه الظاهرة، لا بد من توضيح ثلاث نقاط جوهرية، لا يمكن من دونها التعامل مع هذا الظاهرة بجدية وترو:
النقطة الأولى: أن تلك الصور النمطية السلبية تتضخم وتزداد انتشارًا، في ظل الأنظمة الدكتاتورية، وتتراجع أهميتها، ولا يعود لها أي معنى سياسي، في ظل مجتمع يتمتع بقدر من الحريات والعقلانية.
بالنسبة إلى سورية، وجد التنظيم الأسدي، منذ بدايات حكم حافظ الأسد، هذه التنميطات بين السوريين، فحرص على تقويتها بغية زرع بذور الشك والتربص بين السوريين، كي لا يأمن بعضهم جانب بعض. والهدف الثاني للتنظيم الأسدي، من وراء تعويم تلك الصور النمطية، هو سعيه للاستفادة منها في شنّ حملاته لتأديب بعض المناطق التي لم تخضع له خضوعًا تامًا أو التي يشك في ولائها. وفي هذا السياق يذكر أن أكثر مكان كان يمارَس فيه التنميط بشكل شبه علني هو “القطع العسكرية في الجيش العربي السوري”، حتى إن تحوّل العساكر، في أثناء خدمة العلم، إلى مجموعات شاوية وحلبية وديرية ودرزية وعلوية، أمرٌ معترف به، بوصفه ظاهرة طبيعية في المؤسسة العسكرية.
النقطة الثانية: أن عددًا لا بأس به من السوريين ما زالوا يؤمنون بهذا التنميطات، ويذكرونها في أحاديثهم على أنها أمر طبيعي، كما كان يريد التنظيم الأسدي، بل إنهم يحمّلون مجموعات قومية أو جغرافية أو دينية، بشكل جمعي، مسؤولية مشكلات حصلت للسوريين في وقتٍ ما. مثلما يتم أحيانًا الازدراء من عقائد مجموعةٍ ما، بالاستناد إلى قصة سخيفة ذكرها مؤرخ غير حصيف.
النقطة الثالثة: أن الاستمرار في فضح تلك الصور النمطية، وإشباعها نبشًا وتعليقًا وتحليلًا، أمرٌ مطلوب وضروري، على عكس ما يعتقد كثيرون؛ ذلك أن تلك الصور مسكونة بخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، وأفكار سلبية مقيتة يأبى ألد الأعداء أن ينسبها إلى بعضهم البعض. وبالتالي فإن تسليط الضوء عليها يعني تسليط الضوء على لاعقلانيتها وزيفها، ومن ثم الوصول أخيرًا إلى المصالح الاجتماعية والظروف السياسية التي أنتجت تلك التنميطات.
وهنا يمكن أن نضيف أن تلك الأفكار النمطية تنتشر ضمن الثقافة الشعبية انتشار النار في الهشيم، وذلك بحكم التكوين الداخلي لتلك الثقافة، من حيث هي ثقافة تمجد الذات وتشكك في الآخر، مثلما أنها تستسهل التعميم، وهذا يعني أن على المثقفين النقديين سبر أغوار تلك التنميطات، وكشف المستور منها.
وتزاد المشكلة تعقيدًا، عندما نجد معارضين صناديد، يتبنون الأفكار النمطية التي يريد التنظيم الأسدي من الجميع أن يفكر بسورية من خلالها. المشكلة تتحول إلى خبر يليق ببرنامج “طرائف من العالم”، إذا ما عرفنا أن هناك علمانيين يعتقدون بوجود أفكار نمطية خرافية عن بعض الطوائف الدينية. الأمر الأكثر مرارة أن هناك ضحايا دفعوا أثمانًا باهظة في تحدي التنظيم الأسدي، وما يزال بعضهم، عند أول لقاء بك، يسألك عن أصلك وفصلك، لكي يعرف إلى أي فكرة نمطية تنتمي، وعلى هذا الأساس يتعامل معك!