الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الصراع الأميركي الإيراني وتوابعه على المنطقة

الصراع الأميركي الإيراني وتوابعه على المنطقة

23.01.2019
مصطفى الفرحات


حرية برس
الثلاثاء 22/1/2019
السوري، أبعد من أشلاء السوريين، حيث وجدت الأقطاب التي تدير الصراع نفسها أمام استحقاق الدخول المباشر في أتون المحرقه المتنقلة، ودخل الوكلاء إلى مرحلة الاستنزاف الكامل ولَم يعد في مقدورهم سد احتياجات
الأصلاء في اللعبة، وفرض إرادة هذا الطرف على ذاك.
وجاء قرار ترامب بوقف تمدد إيران التي راحت تغرد خارج السرب و تجاوزت ما هو مسموح لها، مستغلةً حالة التردي العربي والمأساة السورية التي وجدت فيها بيئة خصبة للاستثمار السياسي والعسكري، لتتمدد وتصدر الثورة الإيرانية وإيديولوجيا الولي الفقيه وتنشر التشيع.
وبالفعل استطاعت إيران اليوم تأمين طريق معبّد إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، من خلال الهيمنة على العواصم العربية، بغداد ودمشق وبيروت، إضافةً إلى إحداث خلل لا يستهان به في الخليج العربي، من خلال زرعها الطائفية ودعمها لميليشيا الحوثي في اليمن، ولَم تكتفِ بما وصلت إليه، بل ما زالت مستمرة في العبث بالأمن الإقليمي والدولي؛ مستندةً إلى تحالف المصالح المتبدل مع روسيا، الأمر الذي تنبهت إدارة ترامب إلى الخطر الذي يشكله، وتوصلت إلى قناعة أن هذا التمدد الإيراني لم يعد مقبولاً و يجب يوضع حد له.
وتسارعت وتيرة الأحداث حين اتخذ ترامب قراراً بسحب القوات الأميركية من سوريا، الذي لم يكن في الحقيقة إلا عملية إعادة انتشار وتمركز من سوريا إلى العراق، التي ترشحها مجموعة الأزمات الدولية لتكون ساحة المواجهه التالية، حيث أعقب ترامب قراره بزيارة إلى قاعدة عين الأسد العسكرية الأميركية، شمال العراق، من دون إخطار أي طرف عراقي، فكانت هذه الزيارة مثار جدل في الأوساط العراقية، لا سيما الموالية لإيران.
وأعقب ذلك طلب واشنطن، من حكومة عادل عبد المهدي، العمل على تفكيك وسحب سلاح ميليشيات الحشد الشعبي وغيرها من الميليشيات الموالية للولي الفقيه في طهران، واضعةً لهذه الغاية عدة تصورات، أولها تمكن الحكومة العراقية من القيام بهذه المهمة بحيث تفكك الدولة الموجودة ضمن الدولة، والميليشيات التي تأتمر بأوامر غير عراقية،  وإلا ستصبح مقرات القيادة والسيطرة ومستودعات الذخيرة والسلاح التابعة لهذه الميليشيات موضع استهداف الطيران الأميركي.
وذهب ترامب إلى أبعد من ذلك حين وضع تصوراً آخر لاستهداف قيادات هذه التنظيمات بشكل مباشر، فلا يمكن لواشنطن التي خسرت آلاف الجنود من أجل إطاحة نظام الرئيس الأسبق صدام حسين وبسط نفوذها في العراق، أن تترك موقعها بهذه البساطة لإيران التي لا تطمح إلى ذلك فحسب، بل تستمر في التمدد في سوريا ولبنان عبر ذراعها، حزب الله، هناك.
استشعرت إيران الخطر المدبر الذي سيطيح حلمها العابر للحدود الذي استثمرت فيه إلى حد إفقار الشعب الإيراني، فدفعت بوفد كبير يرأسه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ليبقى في العراق خمسة أيام، في زيارة اتضح أن هدفها استنفار همم الميليشيات الطائفية، وترتيب الصفوف، ورفع معنويات القوات الموالية لإيران في العراق، بهدف تهيئتهم لخوض ما هو أكبر.
وكما هو ملاحظ، تتبنى العقيدة العسكرية الإيرانية النظرية الاسرائيلية ذاتها في نقل المعركة إلى أرض الآخرين، وبالتالي عندما تخسر المعركة لا تغامر بخسارة أي جزء من أراضيها، ولَم يغب عن تصورات واشنطن أن الشرر الذي سيحدث هناك قد يجر إيران إلى المواجهه المباشرة، وقد لا يروق للروسي أن يرى حليفه الوحيد الإيراني ينهار، فكانت رسائل ترامب القوية موجهة إلى الجميع هذه المرة بأن الولايات المتحدة قد تعاود إحياء برنامج حرب النجوم وغزو الفضاء للاستخدام العسكري الذي أطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغن، في إشارة إلى حماية الولايات المتحدة الأميركية من أي هجمات صاروخية بالستية أو مجنحة.
وكما نعلم، فقد قطعت واشنطن شوطاً كبيراً في هذا المضمار المخيف الذي يمكن أن يجعل الفضاء الخارجي قاعدة صواريخ تطال أي بقعة جغرافية على الأرض، من دون أي إمكان للتصدي إلى هذه الصواريخ التي ستنطلق نحو الأرض من مجال خارج نطاق الكشف الراداري للمحطات الأرضية، وهذا ما دفع بالدبلوماسية الروسية إلى رفع اليد عن الحليف الإيراني، والاكتفاء بالتنديد بضربات اسرائيل المتكررة لمواقع إيران في سوريا؛ مع الإشارة إلى أن التصاعد الإيراني والمنافسة الإيرانية لموسكو أصبحت غير مقبولة، وهذا ما يفسر تشظي جيش النظام بين موال لإيران وموال لموسكو، الشيء الذي أدى إلى مواجهه مباشرة بين الفيلق الخامس الذي يحركه الروس و الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد وتحركها إيران.
ويبقى السؤال هل ستستعيد واشنطن العراق من يد إيران فحسب، أم ستدحرها من سوريا أيضاً، لكن الواضح أن ما يُحضَّر في الكواليس ليس عادياً.