الرئيسة \  تقارير  \  “الصداقة” هي أفضل طريقة لمواجهة الصين في المحيط الهادئ

“الصداقة” هي أفضل طريقة لمواجهة الصين في المحيط الهادئ

23.07.2022
ديفيد فيكلينغ


ديفيد فيكلينغ
الشرق الاوسط
الخميس 21/7/2022
تراقب القوى الإقليمية نفوذ الصين المتنامي في منطقة المحيط الهادئ بشعور من القلق المتزايد، ولذا فهي تبحث عن طرق لمواجهة بكين، ويبدو أنه تم تكثيف الجهود بعد قيام الأخيرة بالتوقيع على اتفاقية أمنية مع جزر سليمان في وقت سابق من هذا العام وعرضت صفقة مماثلة لدول جزر المحيط الهادئ الأخرى.
ففي منتدى جزر المحيط الهادئ السنوي، الذي عُقد الأسبوع الماضي، تعهدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ببناء سفارات جديدة في تونغا وكيريباتي، وعرضت ما يقرب من ثلاثة أضعاف المساعدات من أجل المرونة البحرية والأمن.
وقالت هاريس خلال المنتدى: “ربما لم تتلقَّ جزر المحيط الهادئ الاهتمام والدعم الدبلوماسيين اللذين تستحقهما في السنوات الأخيرة، ولذا فأنا هنا اليوم لأخبركم بشكل مباشر بأننا سنغيّر ذلك”.
ولكن على الرغم من كل هذه الجهود فإنه تم تجاهل إحدى السياسات التي لطالما كانت مركزية في علاقات الجيران مع المحيط الهادئ على مدى عقود من الزمن، وهي السياسة المتعلقة بالهجرة.
إن التحديات التي تواجه البلدان الجزرية الصغيرة مثل بلدان جزر المحيط الهادئ تبدو فريدة من نوعها، حيث تشمل أقاليم غنية نسبياً مثل بالاو وجزر كوك وبولينيزيا الفرنسية، والتي تحتل مكانة ما بين الاستقلال الكامل والحصول على الدعم من المستعمرين السابقين، ومن ناحية أخرى، فالمنطقة تضم أيضاً دولاً مثل فانواتو وبابوا غينيا الجديدة وكيريباتي، التي تتلقى مساعدات أقل بكثير والتي غالباً ما تكون مستويات تنميتها مماثلة لتلك الموجودة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وإلى جانب التحديات طويلة الأمد المتمثلة في العزلة المادية وبطء التنمية الاقتصادية، فإن هذه المنطقة هي أيضاً الأكثر عرضة لخطر التأثر بعوامل تغير المناخ، وذلك بالنظر إلى أن توفالو وجزر مارشال من بين الدول الأكثر انخفاضاً في العالم، وتتعرض طبقات الأرض الهشة التي تمتص مياه الأمطار، والتي تروي التربة الرقيقة، لخطر التراجع بسبب زيادة المياه المالحة فيها، كما أن الاعتماد الكبير على الأغذية المستوردة في جميع أنحاء المحيط الهادئ هو أحد الأسباب التي تجعل المنطقة بها بعض أعلى معدلات الإصابة بمرض السكري في جميع أنحاء العالم.
ولطالما كانت الهجرة مسألة مركزية في علاقات المحيط الهادئ بالعالم الأوسع، إذ يبلغ عدد المغتربين من جزر مارشال وبالاو في الولايات المتحدة نحو نصف عدد الأشخاص الذين يعيشون في تلك البلدان، وذلك بسبب حقيقة أنهم، إلى جانب مواطني ولايات ميكرونيزيا المتحدة، يتمتعون بحقوق العمل والإقامة الكاملة هناك، ويبلغ عدد سكان ساموا الأميركية (أرض تابعة للولايات المتحدة وتقع جنوب غربي هاواي) في الولايات المتحدة أربعة أضعاف عدد سكان ساموا الأميركية نفسها، والأشخاص المولودون في كاليدونيا الجديدة وبولينيزيا الفرنسية وغوام وجزر ماريانا الشمالية هم مواطنون في فرنسا والولايات المتحدة.
كما أنه لدى نيوزيلندا برنامج على غرار البطاقة الخضراء الأميركية لمواطني ساموا وأربع دول أخرى في المحيط الهادئ والذي يمنح الإقامة الدائمة لـ1750 شخصاً بشكل سنوي.
إلا أن الدولة التي تمثل فجوة في هذه الصورة هي أستراليا، إذ إنه على عكس نيوزيلندا، التي يمثل سكان جزر المحيط الهادئ فيها نحو 8% من إجمالي عدد سكانها، فقد أدارت ظهرها للمنطقة منذ فترة طويلة.
ففي القرن التاسع عشر، تم اختطاف عشرات الآلاف من سكان جزر ميلانيزيا أو خداعهم للعمل في صناعة السكر في كوينزلاند في ظروف تختلف قليلاً فقط عن نظام العبودية، وقد كان من أوائل القوانين التي تم إقرارها بعد الاستقلال في عام 1901 فرض قانون يسمح بترحيل ما يقرب من 10 آلاف متبقٍّ، وهو جزء من سياسة “أستراليا البيضاء” العنصرية التي لم يتم التخلص منها إلا في السبعينات.
ويبلغ الآن عدد سكان أستراليا الذين تعود أصولهم إلى دول منطقة المحيط الهادئ 190.170 ألف شخص فقط، وذلك مقارنةً بـ381.642 ألف شخص في نيوزيلندا، و1.4 مليون شخص في الولايات المتحدة، وهي نسبة ليست أعلى بكثير مما كانت عليه في عام 1901.
وعادةً ما يربط الناس “الهجرة” و”جزر المحيط الهادئ” بشكل رئيسي بمراكز الاحتجاز القاتمة في جزر مانوس وفي بابوا غينيا الجديدة وناورو، حيث ظلت أستراليا لسنوات كثيرة تقوم بإرسال اللاجئين إلى هناك بدلاً من معالجة طلباتهم.
ولكن يُحسب لأستراليا أن حكومة حزب العمال الجديدة وعدت بتوفير برنامج هجرة دائم مشابه لبرنامج نيوزيلندا، والذي من المفترض أن يوفر 3 آلاف تأشيرة سنوياً لسكان هذه الجزر، كما أنه يعزز تدفقات هجرة العمالة المؤقتة الحالية للسماح لبقية أفراد أسر هؤلاء العمال بالسفر أيضاً، فضلاً على تعزيز الحماية ضد استغلال العمال.
وصحيح أن هذا أمر موضع ترحيب، ولكن يمكن لأستراليا أن تكون أكثر سخاءً بكثير، ففي حال تم توفير 10 آلاف تأشيرة بشكل سنوي لسكان المحيط الهادئ الأكثر عزلة، أولئك القادمين من كيريباتي وتوفالو وجزر سليمان وفانواتو، فإنه يمكن لأستراليا في غضون عِقد من الزمان أن تتباهى بوجود مغتربين لديها يعادلون 10% من سكان بلدانهم الأصلية، وسيكون هؤلاء المهاجرون قادرين على دعم اقتصادات الجزر من خلال إرسال أموال التحويلات إلى الوطن، مع بناء شبكة من الروابط التي ستكافح بكين من أجل تعطيلها.
كما يجب تقديم المزيد من التأشيرات لبابوا غينيا الجديدة، الجار الأقرب لأستراليا والتي أهملتها منذ نهاية الحكم الاستعماري في عام 1975، وذلك على الرغم من أنه من غير المرجح أن يندمج سكانها، البالغ عددهم 9 ملايين نسمة، مع الشتات في الخارج مثل الدول الجزرية الأصغر.
ولا ينبغي أن تتفاجأ الدول التي تسعى إلى مواجهة نفوذ الصين في المحيط الهادئ في حال تحمست حكومات هذه الجزر لوصول قوة جديدة في المنطقة، ولكنهم في حال كانوا يريدون مواجهة هذه التغييرات، فإن الصداقة والهجرة ستفعلان ما هو أكثر بكثير من الاكتفاء باستخدام الترهيب والتعهد بتقديم المساعدة.
*بالاتفاق مع {بلومبرغ}