الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الفصائل المسلحة تسلّم أسلحتها

الفصائل المسلحة تسلّم أسلحتها

16.07.2018
ماجد كيالي

    
الحياة
الاحد 15/7/2018
منذ ظهورها، أو منذ انشائها أو تدعيمها بأيد خارجية، على الأغلب، رفضت معظم فصائل المعارضة المسلحة أي نقد لها، وتمسّكت بفكرة أن إسقاط النظام لا يكون إلا بالسلاح، وهو اعتقاد، أو وهم، لم يقتصر عليها إذ أيّده كثر في المعارضة السياسية، وفي أوساط المثقفين، في غمرة الحماس لإسقاط النظام، والمراهنة على التدخّل الخارجي.
والمشكلة أن المراهنة على العمل المسلح، لم يجر التراجع عنها، أو تفحّصها، أو تدارك، تداعياتها الخطيرة، على رغم كل الكوارث التي نجمت عنها، في السنوات الماضية، من إتاحة التقتيل والتدمير والتشريد للنظام وحليفيه الإيراني والروسي، وعلى رغم إخراج معظم الشعب من معادلات الصراع ضد النظام، وعلى رغم كل الفوضى الحاصلة في المعارضة.
الآن، ومع ثبوت عقم خيار العمل المسلح، من حلب إلى درعا مروراً بالغوطة والقلمون وجنوبي دمشق، والذي احتل قسراً، وبقدرة الفاعلين الخارجيين، مشهد الصراع السوري، نشهد ظاهرة قوامها أن تلك الفصائل المسلحة، التي كانت رفضت كل نقد لها، وقاومته بالبطش والعنف والتشكيك، بل التخوين، في كثير من الأحيان، تذهب هي نفسها نحو إنهاء ظاهرتها، مرة واحدة، على نحو ما شهدنا في درعا، وقبل ذلك في القلمون والغوطة والرستن وحمص وحلب، وأماكن أخرى.
والحال، فإن ما يحصل يؤكد هشاشة تلك الفصائل، وحقيقة أنها لم تكن نبتاً طبيعياً في ثورة السوريين، ولا كان ولاؤها للشعب، كما يوضّح ذلك حجم الأوهام التي بناها البعض عليها، على رغم معرفته بهشاشتها وارتهاناتها، وتحولها إلى مجرد امارات عسكرية، بادعاءات إسلامية، مثل "الخلافة" و "الهيئات الشرعية"، وغير ذلك.
لذا فقد كانت ثمة سذاجة وحماقة، إن أحسنّا التعبير وحسن النية، في مراهنة البعض على تلك الفصائل منذ ما سمي "تحرير" حلب صيف 2012، إذ كان بالإمكان رفض تلك الظاهرة، أو التبرؤ منها، أو عزلها، لأنها نشأت في أغلبها بفعل فاعلين خارجيين (بدليل غرفتي الموم والكوك)، بعلم جميع المعنيين والمهتمين، ولأنها حمّلت السوريين أكثر من قدراتهم أو من إمكانياتهم على التحمل.
في هذا الإطار ينبغي القول إن احتكار السلاح، أو الكيانات المسلحة (سواء كانت إسلامية أم شيئاُ آخر)، لمشهد الثورة السورية لم يكن لصالحها، ولا لصالح الشعب، كما أنه لم يكن قدراً (كما يبرّر البعض)، مع العلم أن الثورة الشعبيةـ السلمية ما كان لها ان تسقط نظاما، كنظام الأسد، لكنها كانت على الأقل أدخلت الشعب في السياسة، بعد عقود من التغييب والحرمان، وحرّرته من الخوف، وجعلته يتجرأ على السلطة، ناهيك أنها كانت ستجنبه كل هذا القتل والدمار وتشريد الملايين، أي كان الشعب السوري سيبقى على أرضه، في انتظار تحقيق آماله، طال الوقت أم قصر.
والحال فإن ما يحصل اليوم من تسليم الفصائل بانتهاء دورها، وتسليم سلاحها، يثير الانتباه إلى: أولاً، أن تلك الفصائل لم تعمد إلى تقديم مراجعة لطريقها، ولا إلى شرح سبب اخفاق طريقها، أو الدروس المستفادة من تلك التجربة المريرة والباهظة الثمن، والأنكى أن الحديث يدور عن عشرات الفصائل، التي كانت تنازعت واقتتلت في ما بينها. ثانياً، لم تسلم الفصائل المعنيّة بإخفاق طريقها لشعبها، إذ أنها كانت قاومت وخوّنت كل نقد لها، في حين أنها سلمت للنظام بكل شيء، إذ إنها ذهبت نحو انهاء ظاهرتها بطريقة مهينة، بعد أن دفعت البيئات الشعبية الحاضنة لها الثمن باهظاً، إذ كل منطقة كان جرى الإتفاق فيها، بين فصائل مسلحة معارضة وضباط روس (وكلاء النظام)، بعد تدمير تلك المنطقة وقتل عشرات ومئات فيها، وتشريد غالبيتها، وليس قبل ذلك، أي أن الأساس عند الفصائل المذكورة سلامة منتسبيها، بدل أن يكون سلامة شعبها، مع العلم أن الفصائل قبل القتل والتدمير والتهجير تكون في موقع قوة أفضل في التفاوض بالقياس لما بعد ذلك. ثالثا، في كل منطقة جرى تسليمها ظهر أن تلك الفصائل تملك مخزوناً كبيراً من الأسلحة والآليات والذخائر، وأنها لم تقدم أفضل ما عندها في الصراع المسلح، الذي طالما أعلت من شأنه. حصل ذلك سواء بسبب هشاشة بناها، أو بسبب تنافساتها واقتتالاتها البينية، أو بسبب ارتهاناتها الخارجية، وفوق ذلك فإن هذه الفصائل قامت بتسليم أسلحتها وذخيرتها للنظام الذي كانت تقاتله، بدل تدمير سلاحها وذخيرتها، على ما جرت العادة في هكذا ظروف، ما يلفت الانتباه حقا.
الآن، مع انهيار هذه الفصائل أو هذا النهج في الصراع، يفترض انهيار الأوهام حول المراهنة على الخارج، وانهيار الإدعاءات التي حملتها هذه الفصائل وحاولت ترويجها، من مثل الخلافة والهيئات الشرعية وغيرها. وهي الإدعاءات التي كشفتها، أو فضحتها، مخازن التموين التي احتفظ بها "جيش الإسلام" تحت سيطرته في حين أن أهل الغوطة يعانون الحصار التمويني، وفضحتها سجون "التوبة" التي تشبه سجون النظام، وصكوك تسليم السلاح سليماً للقاتل الذي يقتل السوريين، بعد طول إدعاء بتقديس السلاح وحملة السلاح لا سيما "الشرعيين"، الذي حاولوا دفن فكرة الديموقراطية والمواطنة والحرية، تحت أقدامهم، وهذا أكثر شيء أفاد النظام.