الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشّرق الأوسط ينتظر بايدن أيضاً 

الشّرق الأوسط ينتظر بايدن أيضاً 

22.12.2020
أسعد عبود


النهار العربي 
الاثنين 21/12/2020 
تترقّب دول العالم دخول الرئيس الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل، طاوياً حقبة عاصفة من رئاسة الجمهوري دونالد ترامب. وكل دولة لها حساباتها للمرحلة المقبلة، لا سيما روسيا والصين واليابان والاتحاد الأوروبي. بعضها يشعر بالقلق وبعضها الآخر بالارتياح، ويعد ملفاته في انتظار ما هو قادم.  
ومع أن العالم مليء بالتحديات، من فيروس كورونا المستجد وتداعياته، إنسانياً واقتصادياً، إلى الإرهاب بكل وجوهه، إلى مسألة المناخ، والعمل المتعدد الأقطاب، فإن الشرق الأوسط يزدحم بسلسلة من الأزمات التي يتعيّن على الرئيس الأميركي المقبل التعامل معها.   
من فلسطين إلى سوريا والعراق واليمن إلى ليبيا وإيران، أزمات تتفرع منها مآس تثقل على كواهل هذه الدول. ومن الممكن أن يبني بايدن على سياسة ترامب في معالجة هذه الملفات، أو أن يبادر إلى وضع سياسات جديدة للتعامل معها. ومن المسلّم به، أن الرئيس الديموقراطي سيمضي في تشجيع الدول العربية على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. لكن ربما تكون لديه مقاربة أخرى للمشكلة الفلسطينية، غير "صفقة القرن" التي اقترحها ترامب، وتالياً قد يعود الرئيس الأميركي الجديد، بمؤازرة الأوروبيين، إلى تفعيل "حل الدولتين"، والسعي إلى إعادة الفلسطينيين وإسرائيل إلى طاولة المفاوضات المباشرة برعاية أميركية.     
ومن المؤكد أن بايدن لن يتراجع عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس ولا عن الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. لكنه قد يعاود المساعدات للسلطة الفلسطينية، ويعيد المساهمة الأميركية في وكالة "الأونروا"، ويعيد القنصلية الأميركية إلى القدس، ويفتح مجدداً مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وهذه خطوات من شأنها إعادة الثقة إلى العلاقات الأميركية - الفلسطينية التي تضرّرت بشدة في سنوات ترامب، وتالياً تجعل الفلسطينيين يوافقون على العودة إلى المفاوضات.  
وبالنسبة إلى سوريا، لا يبدو أن بايدن سيتراجع عن "قانون قيصر" الذي وضعه ترامب موضع التطبيق في حزيران (يونيو) الماضي، فهو حصيلة توافق جمهوري وديموقراطي في الكونغرس. ويرجح أن يتخذ بايدن من هذا القانون ومن الوجود العسكري الأميركي في سوريا، رافعتين للضغط على دمشق كي تعود إلى العملية السياسية في جنيف. وسيعزز أيضاً من علاقات التحالف مع أكراد سوريا، ويرسم خطاً أحمر أمام محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قضم مناطقهم في شمال شرقي سوريا، ولن يغض الطرف - كما فعل ترامب - عن عمليات عسكرية تركية جديدة في سوريا، وخصوصاً إذا كانت تستهدف الأكراد.  
وفي العراق، لا مؤشرات الى أن بايدن في طريقه إلى إدخال تعديلات جوهرية على السياسة التي انتهجها ترامب هناك خلال السنوات الأربع الماضية. وتبقى مسألة التصدي للنفوذ الإيراني في هذا البلد من ثوابت السياسة الأميركية، بصرف النظر عن هوية سيد البيت الأبيض. وإلى التصدي لنفوذ إيران، قد يكون بايدن أكثر ميلاً إلى الضغط على بغداد لتعزيز التوافق السياسي مع السنّة والأكراد، متخذاً من ذلك منطلقاً لمنع أي ثغرات يمكن أن يستغلها تنظيم "داعش" للعودة إلى اكتساب النفوذ في العراق، على غرار ما حصل عام 2014.  
وفي اليمن، من المرجح أن يعمل بايدن على وقف الحرب، وسيلة لمنع تمدد النفوذ الإيراني في اليمن عبر دعم الحوثيين. 
أما في ليبيا، فمن المتوقع أن يكثّف بايدن التنسيق مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لإعطاء دفع للعملية السياسية التي انطلقت في الأشهر الأخيرة.  
ويبقى الملف الإيراني الأكثر تفجراً. وحتى الآن، أوحى بايدن برغبة في العودة إلى الاتفاق النووي. لكنها، لن تكون عودة غير مشروطة. فالرئيس الأميركي الجديد، لن يكون في إمكانه إلا الأخذ في الاعتبار هواجس دول المنطقة من ثلاث قضايا: البرنامج النووي الإيراني والصواريخ الباليستية ونفوذ طهران في المنطقة. وسبق لبايدن أن لمّح إلى الحاجة إلى التطرق للقضايا الثلاث، في مقابل الاستعداد من جانبه للعودة إلى الاتفاق النووي.    
وبرغم انشغال الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، بملفات محلية ودولية أخرى، فإن الشرق الأوسط لا يمكن التغاضي عنه، لأنه يبقى منطقة متفجرة وقابلة للاشتعال في أي لحظة.     
وإدراكاً لهذا الواقع، لا يمكن التأخر في المبادرة إلى التعاطي مع الملفات الساخنة في منطقة لم تسقط بالكامل من دائرة الاهتمام الأميركي.