الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "الشعب يُريد إسقاط النظام"

"الشعب يُريد إسقاط النظام"

05.12.2018
سلام الكواكبي


سوريا تي في
الثلاثاء  4/12/2018
انطلقت منذ أسابيع احتجاجات مطلبيّة في فرنسا إثر قيام الحكومة بالإعلان عن رفع أسعار المحروقات بدءاً من العام المقبل وذلك لتمويل سياسات حماية البيئة التي تعتمدها. وقد كان هذا الإعلان هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير حيث ينتشر شعور متزايد التأثير لدى أصحاب الدخول الدنيا بأن الحكومة الفرنسية تعصر مكتسباتهم من جهة وتتساهل بشدة مع أصحاب الثروات الطائلة.
فوزارة المالية تبرر بأنه يجب البحث الدائم عن الموارد الضريبية لسد العجز في تغطية "ثقب" التأمين الاجتماعي والاستثمار في البنى التحتية كما في التوظيف والتشغيل. بالمقابل، يبدو أن الحكومة تعتمد أكثر على متوسطي الحال لبيان دخولهم، في فرض ضرائب محددة يمكنها القياس عليها في وضع التقديرات والموازنات. بالمقابل، فهي تتساهل مع أصحاب الثروات الكبيرة والمؤسسات متعددة الجنسيات بإعفاءات ضريبية وغض نظر مالي، سعياً منها لتحفيز الاستثمار والتخفيف من قيوده، وبالتالي، كما يعتقد جهابذة الإدارة المالية، بأن ذلك سيعزز من سياسات التوظيف وامتصاص العدد المتنامي من العاطلين عن العمل في البلاد.
وفي المجال العام، فقدت الأحزاب التقليدية بشدة والنقابات العمالية بشدة أقل، الكثير من تأثيرها وسيطرتها
عدد السترات الصفراء الإجمالي والذين خرجوا في أوج الحراك إلى شوارع كل المدن الفرنسية لم يتجاوز 300 ألف، حينما كان هذا العدد هو الذي يدل على تظاهرة واحدة سنة 1995 على الأقل
على الحركات الاجتماعية التي استطاعت أن تقودها أو أن تنظمها في القريب من الزمان. ففي سنة 1995، عمّ الإضراب العام فرنسا احتجاجاً على سياسات الحكومة اليمينية التي كان رئيس وزراءها آلان جوبيه، واستطاعت مظاهرات مئات الآلاف من الطلبة ومن العمال والموظفين، ثني الحكومة عن الكثير من القرارات التي وجدتها هذه المجموعات بأنها مجحفة بحقها ومسيئة لحقوقها. وبالمقارنة مع اليوم، فإن عدد السترات الصفراء الإجمالي والذين خرجوا في أوج الحراك إلى شوارع كل المدن الفرنسية لم يتجاوز 300 ألف، حينما كان هذا العدد هو الذي يدل على تظاهرة واحدة سنة 1995 على الأقل.
ولكن العدد ليس بذي بال لدى البعض الذين يرون في الحراك الجديد نوعا من الخصوصية لاعتماده على فوضى قيادية واضحة وباستناده أيضا إلى مطالب عديدة ومتغيرة حسب المجموعة المخاطبة. وكذا، فإن تنظيم الاحتجاجات حصل فعلياً عن طريق الفضاء الافتراضي، ولمّ شمل كل المستائين من الوضع الاقتصادي القائم، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث تخلى من وضع السترة الصفراء عن سترته الحزبية أو النقابية نظرياً. ومع وجود واضح للمجموعات القومية الاستقلالية أو الانفصالية في جنباته، كما مع وجود نشيط للمجموعات الملكية على هامشيتها. وقد حاولت العديد من الأحزاب، وخصوصاً المتطرف منها، تبني هذا الطفل "اليتيم" من كل انتماء أو مظلة تنظيمية.
عدد من الملاحظات السلبية سُجّلت بحق هذا الحراك إضافة إلى قبوله بانضمام مجموعات فوضوية متطرفة يميناً ويساراً، وقبوله أيضا بمجموعات معادية للأجانب ومصابة برهاب الإسلام، وقبوله أيضاً وخصوصاً، أو تساهله، أو تفهمه، للمجموعات التي تقوم بعمليات التخريب والاعتداء على الممتلكات العامة. إلا أن هذا كله لا يُجرّد هذا الحراك من الحق في التعبير في إطار ما ضمنه الدستور الفرنسي من الحق في التظاهر. في حين أن عنف الاحتجاجات فرض على من يخوض غمارها أن يرفض المعايير التقليدية التي قوننت المظاهرات منذ فجر الجمهورية الخامسة، بحيث يمكن، وعن طريق الشبكة العنكبوتية، إخبار السلطات الشرطية بمسار تحرك المظاهرة ليُصار إلى تأمينها ومنع السير في محور تحركها. ولم يشهد التاريخ الفرنسي الحديث منعاً لأي تظاهرة عدا ما تدعو إليه بعض المجموعات النازية الجديدة.
41 مطلب توصلت الصحف إلى تجميعها، حيث يُعتبر تخفيض الرسوم على المحروقات واحد منها. وتضم هذه المطالب الكثير من المثاليات
الحكومة الفرنسية مطالبة بالتفاوض وإيجاد أجوبة معقولة لجزء كبير من هذه المطالب، وتأجيل بعضها الآخر، والحسم في رفض كل ما يمت منها إلى الشعبوية والحمائية البدائية ومعاداة الأجانب
التي تعم في "المدينة الفاضلة" كما بعضا من الإجراءات الاقتصادية التي لا يمكن لدولة في العالم أن تطبقها في ظل العولمة والأسواق المفتوحة. وعدد لا بأس به يتعلق بمطالب قابلة للاستجابة كرفع الحد الأدنى من الأجور والتقاعد. ويمكن للمراقب، وببساطة أن يجد بعض المطالب الحمائية المستنبطة من السياسة اليمنية المتطرفة المعادية للمشروع الأوروبي. كما يتوقف المراقب وجلاً أمام مطلب بعودة الاستفتاءات الشعبية على مجمل القوانين، مما يُذكّر ببدايات التوجهات الشعبوية الأوروبية التي كان عمادها "أنا الشعب". وفي المجمل، فالحكومة الفرنسية مطالبة بالتفاوض وإيجاد أجوبة معقولة لجزء كبير من هذه المطالب، وتأجيل بعضها الآخر، والحسم في رفض كل ما يمت منها إلى الشعبوية والحمائية البدائية ومعاداة الأجانب. ولكن التفاوض يحتاج، كرقصة التانغو، إلى جهتين على الأقل، وحتى الآن لم يتمكن أصحاب السترات الصفراء من اختيار من يمثلهم أو الاتفاق على ناطقين باسمهم.
كان من الممتع ـ إن جاز التعبير ـ في الأيام الأخيرة، قياس شدة حماس بعض السوريين "الثوريين" للحراك الفرنسي، مما دفع بجزء منهم إلى تبرير العنف والتخريب الذي لطّخ هذه المظاهرات وصار جزء آخر منهم خبيراً بالملف الفرنسي الداخلي واختلط في حديثهم المتأثر بالربيع العربي حابل الدولة بنابل السلطة. كما كان من الطريف للغاية متابعة أسلوب الإعلام الرسمي السوري في تغطية هذه الأحداث حيث صار المعلقون غيورين على الحريات ومنددين بالقمع وبوحشية رجال الشرطة الفرنسية في التعامل مع "طلاّب الحرية والعدالة".