الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشرق الأوسط: في البحث عن توازن داخلي جديد!

الشرق الأوسط: في البحث عن توازن داخلي جديد!

23.11.2017
بهاء أبو كروم


الحياة
الاربعاء 22/11/2017
أطلقت استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مساراً يتعلق بإعادة التوازن المفقود إلى الساحة الداخلية في لبنان، بعد عام من المحاباة الناعمة التي أمّنت بالشكل استقراراً داخلياً وأسّست بالمضمون لتبعية بعيدة الأمد طاولت تأثيراتها ملفات رئيسية كالموقف من نظام الأسد والنازحين السوريين وقانون الانتخابات والسيطرة على مفاصل الحكم وتوظيف نتائج الحرب على الإرهاب في المعادلة الداخلية.
نقطة التحول التي انعكست على التوازن اللبناني أتت نتيجةً لمآلات الحرب الدائرة في سورية وللتدخل الروسي الذي أمدّ الأسد بجرعة بقاء إضافية أعادت ثقله إلى المعادلة السياسية في لبنان، فأراد من خلال لقاء وزيري خارجية البلدين جبران باسيل ووليد المعلم في نيويورك ضرب مفاعيل ما دُعي بسياسة النأي بالنفس التي أسّست لمرحلة تعايش طوعي بين القوى، وهدف إلى تظهير موقع لبنان في المعادلة الاستراتيجية بصفته تابعاً لمحور الممانعة. ذلك يُفهم في إطاره الاستراتيجي الذي يستبق الحملة على إيران ويُخرج لبنان من مظلة القرار 1701 عند أي تحدٍ يتصل بالربط بين الجبهات، بخاصة بعدما انضمت إسرائيل إلى هذا الربط في حديثها عن تنامي القدرات الكاسرة للتوازن على الحدود الشمالية وتحوّل بيروت إلى عاصمة محور المقاومة.
تصويب مسارات انغماس "حزب الله" في الصراعات القائمة في المنطقة والتي تصطدم بمصالح اللبنانيين العليا، بخاصة أولئك الذين يعملون في دول الخليج، أخذ يفترض إعادة جدولة الأولويات الداخلية بعدما كان هذا الملف مُحالاً برمّته إلى المعادلة الإقليمية، وتمّت هذه الإحالة برعاية إقليمية ودولية يبدو أنها بدأت تتغيّر الآن. الحوار اللبناني عجز عن بت موضوع الاستراتيجية الدفاعية، فكان البديل تنظيم الخلاف والتعايش في ظل شعور كل اللبنانيين بأن الصراع الإقليمي أقوى من قدراتهم على حسمه في الداخل، وأن الموضوع يتعلّق بآجال طويلة يصعب تتبع نبضها في ظل نمط التسويات التي غالباً ما لا تقف عند الحاجات المحلية الصغيرة. إضافة إلى أن إدارة أوباما وعلى مدى 8 سنوات كانت تعوّل على أدوار جماعة إيران في المساعدة على ضرب التطرف السني، وكان الدور الذي لعبته الميليشيات التابعة لإيران يقع في صلب الاسترايتجية الأميركية في المنطقة.
وفي ظل الحملة الدولية التي قد تصل إلى حد قيام تحالف دولي جديد يهدف إلى تحجيم الأدوار المنوطة بأذرع إيران في المنطقة، يقف لبنان، بعدما نجح لغاية الآن على الأقل في تجاوز تداعيات الأزمة السورية، أمام لحظة حقيقة لطالما تهرّب منها لعقد من الزمن. وما هو مطروح عليه يرتبط بسياق عام لا ينفصل عمّا يتم طرحه في العراق ويتعلق بضبط ميليشيات الحشد الشعبي التي تهدد التعايش والاستقرار، أو في فلسطين ويتعلق بإمساك الفلسطينيين بقرار الحرب والسلم لديهم وضمان عدم توظيف سلاحهم لأهداف خارجية. لا شك في أن معالجة الفوضى في الشرق الأوسط لم يعد يكفيها مسار محاربة التطرف، إنما أيضاً التوجه إلى هندسة العلاقة بين المجتمعات التي تهشّمت بفعل قيام الجيوش الرديفة من جهة، ومرجعية الدولة التي تضمن تصليب هيكلة الاقتصاد والمؤسسات الأمنية والحكومية من جهة أخرى.
فمعادلة التوازن الدولي والتوافق حول مشكلة الصواريخ الباليستية والتدخل في دول المنطقة تجمع الولايات المتحدة وأوروبا في استراتيجية واحدة، وتردم الهوة التي نشأت تجاه الموقف من الاتفاق النووي، وهذا التوافق يسحب نفسه على العمل من أجل نزع أسباب التطرف لاتصاله بالإرهاب الدولي الذي يطاول الغرب. الوجود الروسي في سورية أجج عناد إيران وعزّز تفاؤلها في السيطرة والهيمنة. نحن ندخل إلى نظام دولي في جزء منه يبحث عن موجبات من النوع الليبرالي المطلوب تأمينه من جانب الأنظمة التي ترعى النماذج المتعددة للإسلام. وعندما تُقرّر مراكز الإسلام في السعودية ومصر اعتماد منهج مكافحة التطرف على كل المستويات والتطرق إلى مكامن الخلل في المؤسسة الدينية ذاتها، فذلك يُلقي على إيران مسؤولية ملاقاة موازية تفترض اعتماد الاعتدال الديني والثقافي نموذجاً يعكس نفسه على الأداء العام ويحد من الصراع المذهبي.
لكن، ماذا يعني البحث عن توازن إقليمي جديد تتوقف شروط نجاحه على التطرق إلى القضايا الجوهرية للمنطقة، التي تم تجاهلها خلال الحملة على "داعش"، وذلك في ظل سعي الروس علناً إلى تثبيت الأسد وحلفائه في سورية وتراجع لافروف عن التزامه إبعاد إيران من الحدود الجنوبية؟ نجاح الموقف الروسي في وقف تتبع مجلس الأمن استعمال الأسد الأسلحةَ الكيماوية، يُعيد الروس إلى مرحلة ما قبل بيان قمة آبيك المشترك مع الولايات المتحدة ويفتح على صدام الأجندات بعد وصول الحملة على "داعش" إلى خواتيمها.
يبقى أن الاختبار الفعلي لموقف روسيا قد يتحدّد أيضاً مع وصول ملف الصراع العربي- الإيراني إلى طاولة مجلس الأمن، حينئذ على الديبلوماسية الروسية أن توازن بين مساراتها الاقتصادية مع العرب وتلك العسكرية مع إيران.