الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشرق الأوسط الجديد تقوده روسيا

الشرق الأوسط الجديد تقوده روسيا

09.01.2017
د. نورهان الشيخ


الاهرام
 الاحد 8/1/2017
تسارعت التطورات الدولية والإقليمية فى الأشهر الأخيرة من العام المنصرم لتشكل خريطة جديدة من التحالفات فى المنطقة، وليولد شرق أوسط جديد يختلف عما خططت له واشنطن وسعت لإحكام قبضتها عليه من خلال تقسيمه وتمكين جماعات الاسلام السياسى من السلطة فيه. وكما انتهى عام 2015 بضربة قوية للمخطط الأمريكى بالتدخل الروسى فى سوريا وتغيير الأخير موازين القوى على الأرض، وتحريكه عملية التسوية السلمية للأزمة السورية التى كانت تحتضر آنذاك، يرحل عام 2016 بتطورات لا تقل أهمية تؤسس لشرق أوسط جديد لا مكان فيه للتطرف والإرهاب، وتقوده روسيا بحضور سياسى وعسكرى قوى ومتصاعد نحو الاستقرار بعد الفوضى غير الخلاقة والمدمرة التى اجتاحته ومازالت تداعياتها تعتصرنا جميعاً.
ويعتبر الاتفاق الروسى التركى لوقف إطلاق النار الشامل في سوريا والذى دخل حيز التنفيذ منتصف ليل يوم 29 ديسمبر، ورغم بعض الخروقات له،نقطة تحول مفصلية فى الأزمة السورية من زاويتين،الأولى إنهاء الاستقطاب الذى طالما عرقل انفراج الأزمة السورية بين محور روسيا إيران فى مواجهة محور تركيا الولايات المتحدة، والذى تعتبر أنقره رأس الحربة له والداعم الرئيسى للمعارضة والجماعات المسلحة، والحاضنة السياسية الأساسية لها، فى ضوء تحريك الموقف التركى باتجاه التفاهم مع روسيا وإيران. والثانية، إنه لأول مرة يتم تمييز المعارضة المسلحة، التى وقعت سبع جماعات منها على الاتفاق، عن التنظيمات الارهابية فى سوريا التى حددها الاتفاق بداعش والنصرة (فتح الشام)، وكل الجماعات المتعاونة معهما، وتضييق الخناق على الأخيرة تمهيداً للقضاء التام عليها.
كما إن مفاوضات التسوية المقرر عقدها بين وفدي الحكومة السورية والمعارضة المسلحة في أستانابكازاخستان خلال شهر يناير الحالي، بناء على مسودات يجرى العمل عليها بتنسيق روسى تركى، تعد نقلة نوعية أخرى نحو التسوية السلمية للأزمة، وتحقيق الاستقرار النسبى لسوريا والمنطقة، وذلك رغم بعض القضايا الخلافية التى مازالت عالقة وربما تعقد المشهد، ومن أبرزها اعتراض تركيا على مشاركة وحدات الحماية الكردية فى المفاوضات، وإعلان أكراد سورياالنظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال البلاد والتى تضم المقاطعات الكردية الثلاث كوباني (ريف حلب الشمالي) وعفرين (ريف حلب الغربي) والجزيرة (الحسكة)، فى حين رفضت الحكومة السورية وكذلك الائتلاف الوطني السوري المعارض هذه الخطوة من جانب الأكراد. على صعيد آخر، مثل اتصال أردوجان برئيس الوزراء العراقى حيدر العبادي تطور مهم نحو تهدئة التوتر بين البلدين، ودعم التفاهمات التركية مع كل من روسيا وإيران.
ولاشك أن مثل هذه التطورات المهمة تدعم التعاون الروسى التركى، وبه تكون روسيا الدولة الكبرى الوحيدة التى تحتفظ بعلاقات وتعاون استراتيجى مع مثلث القوى الإقليمية الفاعلة غير العربية: تركيا .. إيران.. اسرائيل، الأمر الذى يعزز من قدرتها على قيادة مجريات الأحداث فى المنطقة، أو على الأقل التأثير بفاعلية بها.
ومن المعروف أن هناك شراكة استراتيجية متنامية بين موسكو وطهران، وهناك اتجاه واضح لدى البلدين لتعميق تعاونهما الاستراتيجى. وخلال زيارة الرئيس بوتين لطهران فى نوفمبر 2015، والتى كانت الأولى منذ عام 2007، وجاءت على هامش اجتماع القمة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، تم تأكيد استمرار التعاون بين البلدين فى المجال النووي وإنشاء محطات نووية جديدة في إيران، وتم توقيع سبع اتفاقيات ومذكرات تفاهم للتعاون الثنائي فى مجال الطاقة وغيره من المجالات. وفى يونيو 2016 عُقد اجتماع ثلاثي بين وزراء دفاع إيران وروسيا وسوريا في طهران للتنسيق لمواجهة الإرهاب والتحرك العملياتى في سوريا. وفى أغسطس أقلعت القاذفات الاستراتيجية الروسية من طراز (تي يو  22 أم) و(أس يو  34) من قاعدة (نوجه) فى همدان غرب إيران وقصفت أهدافا لتنظيم داعش وجبهة النصرة في مناطق حلب ودير الزور وإدلب، وهو ما عد تطور بالغ الدلالة خاصة وإنها المرة الأولى التي تستخدم فيها روسيا بلداً ثالثاً لشن غارات في سوريا.وبالتوازى مع الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وطهران، تحتفظ روسيا بعلاقات جيدة وقنوات اتصال مفتوحة مع اسرائيل، فقد نجحت زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لإسرائيل فى يونيو 2012 فى إعادة الدفء للعلاقات بين البلدين بعد فترة من الفتور النسبى، وتكررت زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلى، نيتانياهو، لموسكو وكان آخرها فى يونيو 2016 والتى كانت الثانية فى غضون شهر ونصف، وتوافقت مع الذكرى ال 25 لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وركز الجانبان على التعاون بينهما فى مجال مكافحة الإرهاب والتنسيق بشأن العمليات الروسية فى سوريا،وهو ما تم بحثه أيضاً خلال زيارة رئيس الوزراء الروسى، ديمترى ميديفيديف، لإسرائيل فى نوفمبر 2016.
ومع طى صفحة التوتر فى العلاقات الروسية الأمريكية بوصول ترامب إلى البيت الأبيض فى العشرين من الشهر الحالي، والتفاهمات المتوقعة والمأمولة بين موسكو وواشنطن حول سوريا وغيرها من القضايا داخل الشرق الأوسط وخارجه، سيعاد رسم خريطة التحالفات فى المنطقة، الأمر الذى يطرح التساؤل حول الدور العربى فى مجمل هذه التطورات، وأهمية القراءة العربية المبكرة للتطورات الدولية والإقليمية والتحرك الفعال للتعاطى معها.