الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوري في زمن "كورونا"

السوري في زمن "كورونا"

24.03.2020
أيمن الشوفي



القدس العربي
الاثنين 23/3/2020
حين كانت بلدات إدلب تتدحرج جيئة وذهابا، يتنازعها جيش النظام وحليفه الروسي من جهة، والفصائل الإسلامية وحليفها التركي من جهة أخرى. كان فيروس كورونا يرفع راياته خارج "ووهان" الصينية، ليعلن أنه "فيروس العصر الجهنّمي". غير آبهٍ بجبهة الشمال السوري تلك، ولا باتقادها حيناً، فيحسب الناس أن ساسة الحرب يريدون توسيع مقاسها، ولا بمراوحتها حيناً آخر حيث هي، فيحسب الناس أن زمن خلاصهم مازال مؤجلاً.
تشتبك الرايات إذن، فيتفاوض أردوغان وبوتين سراً، ثم يجتمعان علانيّة، ولا حرب هناك تؤرق صانعيها، إذ لاتزال رائحتها مؤجلة، وأردوغان يجس نبض "الناتو" المريض، قبل أن يطلق سراح أقدام السوريين، ويحثها صوب البحر الذي يفصله عن حلم الدخول إلى الاتحاد الأوروبي. أما السوريون فلا تعنيهم ألاعيب السياسة تلك، ولا خيباتها، البحر من أمامهم ولا شيء من ورائهم، والموج هو الموج شتاءً كان أم صيفاً، مالحٌ ويحمل مذاق الموت أو النجاة، وإن عبروه سالمين يجدون البوليس اليوناني يبطش بهم، وهم الهاربون من صنوف بطش السلطة، ابتداءً بسلطة النظام ووصولاً إلى سلطة الفصائل الإسلامية الحاكمة في إدلب. لم يخبرهم الناجون قبلاً شيئاً عن تنكيل البوليس في اليونان، ولا في سواها، ربما لأنهم باتوا يعيشون زمن "كورونا" الآن، حيث سيقفل الفيروس الحدود والمعابر بين الدول، ومعها المطارات والموانئ، ويُجلس الناس في البيوت كالدمى.
في الداخل الموالي للنظام الدولار بألف ليرة، وسعر بندقية الكلاشنيكوف ربع مليون ليرة (250 دولاراً) وأحزابٌ تغري العاطلين عن العمل برواتب شهرية، تصل ألف دولار لقاء السفر للقتال في ليبيا مثل، حزب الشباب، وأخرى تدفع مبالغَ لقاء الانخراط في صفوفها مثل، حزب التضامن العربي، كلاهما شكلان رثّان للعمل السياسي، كما هو حال باقي أصناف الأحزاب، التي استحدثها النظام بعد عام 2011، كابتكارات لا تُدحض لفكرة التعددية السياسية في سوريا، قبل أن يبدأ زمن "كورونا" بكثير،
وعلى الرغم من أن الفيروس الجهنّمي فتح أبواب 158 دولة، وصار يتمشى في أرجائها، غير أنه لم يصل سوريا بعد؟ وحتى لو سجلت دول الجوار جميعها العشرات من الإصابات، بدليل تصريحات وزير الصحة السوري الأخيرة، حين نفى وجود أي إصابات بفيروس كورونا، قال: "الجيش السوري قضى على الكثير من الجراثيم"، وهذه المعلومة تفوق في دقتها، وبراعة استنتاجها الأحجية الميتافيزيقة الشهيرة: "سوريا الله حاميها"، وهذا يقود إلى استنتاج أكثر براءة من صوابية المعلومة والأحجية معا، وهو أن سوريا غير المدمرة لاتزال بخير، وسيخوض "أبناؤها الشرفاء" استحقاق انتخابات مجلس الشعب في موعده، وهل يعقل أن يؤجل نظامٌ كالنظام السوري أحد استحقاقاته المبهجة "انتخابات مجلس شعبه" بسبب وباءٍ لن يدخل الأراضي السورية المباركة. لكنه وللأمانة قرر تخفيض عدد ساعات العمل في دوائره الرسمية بنسبة 40%، ومنع المقاهي تقديم النرجيلة، وقام مجاملة بتطهير بعض باصات النقل العامة، وأنشأ ترفاً غرف عزل للمصابين "المحتملين" بكورونا في كل محافظة يسيطر عليها. من يدري؟ فقد يغير الله رأيه في أي لحظة؟ فيكفّ عن حماية سوريا؟ أو قد يكون جيش النظام قد قتل كل الجراثيم، لكنه عجز عن قتل فيروس "كورونا" بالبراميل المتفجرة، أو بطلقات الكلاشنكوف أو بالبطاقة الذكية.
والسوري في زمن "كورونا" هو نفسه السوري في غير زمنها، إذ يندر أن نجد من يضع كمامة طبية على فمه، وقلما نلحظ من يرشق يديه بمحلول طبي معقم كل بضع دقائق، لايزال السوريون، على الرغم من كورونا كما هم، شعبٌ أتعبه التهميش السياسي لوجوده، لكن في مقدوره أن ينتظر اسطوانة الغاز بصبر العاشق، وأن ينبهر بضوء الشمعة حين تبدد ظلام انقطاع الكهرباء، وأن يرمي الورود فوق رؤوس الزعران المسلحين، وهم يخطفون ويتاجرون بالمخدرات والسلاح، ويجبرون الأجهزة الأمنية التي صنعتهم على إطلاق سراح أقرانهم الزعران المطلوبين بعشرات مذكرات التوقيف، أو قد ينافسونهم على إدارة شبكات الدعارة، ورعاية حسناوات الطبقة الوسطى المنهارة تحت شعارات الحزب القائد، فكيف لكورونا أن يقترب إذن من داءٍ أشد فتكاً منه، كورونا لن يصل إلى سوريا، سوريا الله حاميها؟
 
كاتب سوري