الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون ومحرقة الحل السياسي

السوريون ومحرقة الحل السياسي

13.03.2019
أحمد سلوم


العربي الجديد
الثلاثاء 12/3/2019
ما بين تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، النارية ومؤتمري سوتشي ووارسو يضيع الشعب السوري يوما بعد آخر، وما من حلول واضحة قد تنجيه من القتل والتشرد في المستقبل القريب.
عادت تجربة الثمانينيات اليوم بشكل أفظع مما فعله الأسد الأب الذي دمر وحرق محافظة بأكملها، حيث تفوّق الابن على أبيه بتدمير وتهجير سورية كلها. وما بين الأب والابن المبررات واحدة وجاهزة لتقديمها للرأي العالمي الذي تغاضى عن كل الحقائق، وصدّق مقولة الإرهاب. إذاً ما هو الإرهاب من وجهة نظرهم؟ عندما يطالب شعب بحريته يعتبرون ذلك إرهابا، وحين يريد الشعب التخلص من القيود والظلم، عندها تنطلق الطائرات من كل بقاع الأرض، لإخماد هذا الصوت بحجة الكلمة السحرية، أي الإرهاب.
استغل بشار الأسد تلك الكلمة، ولعبها بشكل صحيح، وساعدته الظروف التي صنعها بنفسه، من خلال اختلاقه للفصائل الإسلامية التي أرعبت العالم، كتنظيم داعش الذي بات المسؤول الأول عن أي عمل إجرامي في كل العالم، من دون النظر إلى الداعشي الأكبر، قاتل الأطفال والنساء والشيوخ، أي بشار الأسد.
ثماني سنوات مرت على الشعب السوري الذي طالب بحريته، فكشر العالم عن أنيابه، واستغل فرصته لتدمير وسحق حضارة عمرها أكثر من أربعة آلاف عام. وفي ظلّ التكهنات السياسية، والتصفيات الكبرى بين زعماء العالم، للفوز بكأس الخمر المعتق من دماء السوريين، يبقى القاتل متزعما كرسيه وسط دمشق في قصره العاج، ولا يأبه لأحد، وذلك لمعرفته المطلقة بأنه صنيعتهم، ولن يتنازلوا عن شخصٍ قدم لهم سورية وخيراتها على طبق من فضة، فما فشلت فيه كل الاحتلالات فيما مضى نالوه الآن، وهم في بلادهم يرقصون على أجساد أطفال سورية وعجائزها، فرحين باغتصاب النساء، ليعقدوا مؤتمراتهم البهلوانية في دعم المرأة السورية، ويستقبلون شبابها لاجئين ومواطنين درجة عاشرة.
ولو تساءلنا: لماذا العالم يغض بصره عن جرائم تقشعر لها الأبدان، جرائم تقع يوميا في الشرق الأوسط عامة، وفي سورية خاصة؟
لو أردنا الإجابة على هذا التساؤل، علينا أن نقرأ مذكرة بنرمان، والتي تتلخص بما يلي: أن الخطر الذي يهدد إمبراطورياتنا الأوروبية يكمن في البحر المتوسط الذي يشكل همزة الوصل بين الغرب والشرق، وفي حوضه نزلت الديانات السماوية ونشأت أعرق الحضارات، خصوصاً في شواطئه الجنوبية والشرقية، ففي طول ساحله الجنوبي من الرباط في مراكش إلى غزة جنوب فلسطين، وعلى الساحل الشرقي من غزة حتى أضنة، وعلى الجسر البري الضيق الواصل بين أسيا وإفريقيا، ويمر فيها شريان أوروبا، قناة السويس، وعلى جانبي البحر الأحمر، وعلى امتداد ساحلي الهند وبحر العرب حتى خليج البصرة، حيث الطريق إلى الهند في هذه البقعة الشديدة الاتساع، يعيش شعب واحد، تتوفر له مقومات وحدةٍ لا تتحقق لغيره من شعوب الأرض، كوحدة الدين واللسان والآمال، إضافة إلى نزعات تحرّرية، وثروات لا حدود لها وتناسل عظيم.. كل هذا يشكل أسباب قوة وتحرّر ونهوض، فكيف يمكن أن يكون وضع هذه المنطقة إذا توحدت فعلاً، وقامت على أرضها دولة واحدة قوية، تتجه باتجاه واحد؟ وكيف يكون الحال فيما إذا حصلت هذه الدولة على مكتسبات الثورة الصناعية الأوروبية، وانتشر العلم، وتجذرت الثقافة في أوساط هذا الشعب؟ وماذا سيغدو الأمر، لو أن هذه المنطقة تمكّنت من السيطرة على ثرواتها الطبيعية واستثمرتها بشكل وطني؟
تجيب المذكرة عن هذه التساؤلات فتقول: عند ذاك ستحل الضربة القاضية حتماً بالإمبراطوريات الاستعمارية، وعندها ستتبخر أحلام الاستعمار بالخلود، فتتقطع أوصاله، ثم يضمحل وينهار كما انهارت إمبراطوريات الرومان والإغريق، لذلك على كل الدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار وضع هذه المنطقة، المجزأ والمتأخر، وعلى إبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وجهل وتأخر وتناحر، وعلى هذه الدول أن تحشد كل قواتها، لمحاربة وحدة هذه الجماهير، أو ارتباطها بأي نوع من الارتباط الفكري أو الروحي أو التاريخي، وإيجاد الوسائل العملية القوية لفصلها عن بعضها ما أمكن. وكوسيلة إسعافية، دعت المذكرة إلى فصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآسيوي بإقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط آسيا بإفريقيا ويربطهما معاً بالبحر المتوسط، بحيث يشكل في هذه المنطقة، وعلى مقربة قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة.
بعد هذا، نستطيع أن نعلم قليلا السر المجهول المعلوم وراء ما يحدث، خصوصا في أيامنا هذه، ولا يمكن تصديق ما يزعمونه بالحل السياسي، فكل ما يتم تداوله ممكنا، ولكن من مصلحة من أن يتم إنهاء الحرب في سورية؟
يعلم الكل أنّ الحرب في سورية مصدر رزق كبير لدول كثيرة، عبر تجارة الأسلحة والأعضاء البشرية والنفط السوري الذي يباع بأبخس الأثمان، وغير ذلك من الفوائد التي تعود لدول كثيرة.