الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون وأميركا وأزمة الثقة

السوريون وأميركا وأزمة الثقة

02.01.2019
رضوان زيادة


سوريا تي في
الثلاثاء 1/1/2019
قرار ترامب بسحب القوات الأميركية كاملة من سوريا يعكس رؤية أميركية ضيقة للنظر في مصالحها في سوريا وكل السياسات التي تم رفعها من مواجهة إيران في سوريا أو منع وجود حزب الله في الأراضي السورية أو ضمان الانتقال السياسي للتخلص من الأسد، كل هذه السياسات التي كان يتحدث بها وزير الخارجية الأميركية ووزير الدفاع ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا جيمس جيفري كلهم تم وضعهم الآن في موقف محرج بعد قرار ترامب الأخير، وهو ما يضع سياسة الولايات المتحدة كلها في المنطقة موضع تساؤل بسبب غياب الثقة الكلية في الاعتماد على الولايات المتحدة التي يمكن أن تغير استراتيجياتها بين يوم وليلة وأن تضع حلفاءها موضع الخطر وهو ما أشار إليه الرئيس الفرنسي ماكرون الذي أشار إلى الولايات المتحدة لم تتشاور مع فرنسا خلال سحب قواتها من سوريا لا سيما أن فرنسا ما زالت تحتفظ بقواتها في سوريا ولو كان العدد محدوداً للغاية.
أزمة الثقة في الولايات المتحدة هي تشكل اليوم عماد تعامل الحلفاء والأصدقاء مع الولايات المتحدة بسبب سياسات
منطقة الشرق الأوسط مقبلة على مستقبل في غاية الحلكة والظلام حيث انهيار كامل لقيم الحرية والتعددية وانحسار من كان يدافع عنها، مقابل صعود لقيم القوة العسكرية المجردة
ترامب غير المتوقعة وغير الموثوقة، التي تتغير بين تغريدة وأخرى على التويتر وهو ما يضع كل السياسة الأميركية في موضع المتقلب الخطر بعد أن كانت مصدر للثقة والاطمئنان بسبب اعتمادها على أكبر قوة عسكرية في العالم التي تستطيع دوما تغيير الوقائع وفقا للمصالح التي تدافع عنها.
إن انعكاسات ذلك على سوريا وعلى مستقبل منطقة الشرق الأوسط ككل خطير للغاية، حيث تملأ روسيا التسلطية فراغ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط،  وروسيا المتهمة بارتكاب جرائم الحرب في سوريا لا يهمها سوى تثبيت دعائم التسلطيات القائمة ممثلة في الدكتاتور الأسد، حيث لا اعتبار لقيم المحاسبة أو حقوق الإنسان أو العدالة، وهو ما يعنيه أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على مستقبل في غاية الحلكة والظلام حيث انهيار كامل لقيم الحرية والتعددية وانحسار من كان يدافع عنها، مقابل صعود لقيم القوة العسكرية المجردة بهدف تحقيق المصالح الشخصية على حساب قيم الديمقراطية والتعددية التي كانت تملأ السماء على مدى السنوات الثمانية الماضية مع بدء ثورات الربيع العربي التي ما زال شعارها في إسقاط النظام يتردد اليوم في السودان.فما هي الرسالة التي يمكن أن يفهمها السوريون ومن خلفهم العرب اليوم، أن نضالهم من أجل الديمقراطية في المنطقة يجب أن يكون نضالاً ذاتياً وأن الاعتماد على الولايات المتحدة في ظل ترامب اليوم يقود إلى تحطيم هذه الأحلام، فالرئيس الاستثنائي في البيت الأبيض اليوم كل ما يفكر فيه هو ما يدخل الخزينة الأميركية، إنها إدارة الدولة والقيم الأميركية بعقلية رجل الأعمال في معنى المصالح والربح والخسارة، سوريا
في خطاب استقالته، ذكرَ وزير الدفاع جيم ماتيس أن ترامب لا يؤمن بقيم السياسة الخارجية الأميركية التقليدية، ولذلكَ اقترحَ أن يحيط نفسه بمستشارين يشاطرونه هذا الرأي
بالنسبة له قضية خاسرة ماليا فالانسحاب منها أفضل من الدفاع عن قيم لا تعني بالنسبة له شيئاً.
كتب والتر راسل ميد في الواشنطن بوست أن ترامب يختار سياسة خارجية جيفرسون (راند بول) مقابل سياسة خارجية جاكسون (توم كتن). لكن الصحيح أن قرار ترامب احتوى على عناصر من الانعزالية والأممية، وقد أظهر أنه قادر على القيام بكليهما.
في خطاب استقالته، ذكرَ وزير الدفاع جيم ماتيس أن ترامب لا يؤمن بقيم السياسة الخارجية الأميركية التقليدية، ولذلكَ اقترحَ أن يحيط نفسه بمستشارين يشاطرونه هذا الرأي. وهذا هو تلخيص قرار انسحابه من سوريا فإذا كان مستشاروه لا يثقون بقراراته فكيف للسوريين الذين دفعوا ثمنا غاليا لتردد سياسة أوباما والآن جاء ترامب ليقوم بالشيء ذاته.
يجب أن يتعلم السوريون أن يثقوا بأنفسهم فقط، بقدرتهم على تحقيق مصالحهم وإنجازها بأنفسهم، اتكالهم في ثورتهم على غيرهم كلفهم الكثير وما زال، لكن إمساكهم زمام أمورهم بأيديهم هو لب نجاحهم وقدرتهم على تحويل ما كان حلما يوما ما إلى حقيقة. فالحلم قد يبقى جزءا من الخيال لكنه يصبح واقعاً عندما تعززه قدرة الثقة بالنفس على صنع المستحيل وهو ما على السوريين اليوم أن يؤمنوا ويعملوا من أجله.