الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون لوحدهم في مواجهة الحرائق وروسيا وإيران على الحياد 

السوريون لوحدهم في مواجهة الحرائق وروسيا وإيران على الحياد 

12.10.2020
كارمن كريم


 
درج 
الاحد 11/10/2020 
لماذا لم يتدخل الحلفاء في إطفاء الحرائق، واكتفت إيران بتقديم مساعدة بسيطة من خلال المعدات فقط، أمّا روسيا فقد تجاهلت الحدث تماماً رغم قيامها سابقاً بالمشاركة في إطفاء حرائق في تركيا وإسرائيل؟ 
احترقت سوريا من جديد.  حرائقٌ هي الأكبر، حرائق التهمت الغابات والاحراج ومواسم الزيتون. هرب السوريون من بيوتهم مرة أخرى وبطريقة مختلفة حاملين ما استطاعوا من حاجياتهم. السوريون الذين ما انفكوا خلال عشر سنوات من النزوح والهرب من الموت والفقر والقصف، الشيء المشترك الوحيد بين هذا كله هي النيران التي لم ترحمهم يوماً. 
فجر الحرائق 
بدأت الحرائق منذ فجر الجمعة 9 تشرين الأول/اكتوبر، في مناطق متفرقة من مدن طرطوس واللاذقية وحمص وما لبثت هذه الحرائق حتى امتدت بشكل هستيري وسريع وزاد عددها على نحو باتت السيطرة عليها شبه مستحيلة، بسبب اشتداد الرياح الشرقية وارتفاع الحرارة من جهة وصعوبة الوصول إلى المناطق الجبلية والحرجية وضعف الإمكانيات من جهة أخرى. 
الناس في حالة صدمة وغضب، فجأةً امتدت نيران لم يوقفها شيء حتى وصلت منازلهم وبدأت نداءات الاستغاثة التي لم تلاقي صدى جديّاً لدى الحكومة السوريّة في البداية وكأنّ الناس تترك لتصارع مصيرها وحدها. هذا الأمر دفع الأهالي سريعاً إلى الاعتماد على أنفسهم ومواردهم القليلة لمواجهة جهنم القادم، لكن لا وقود لصهاريج المياه حتى، فراحوا يخمدون النيران بسطول الماء والأغصان والأيدي والأقدام والحجارة، مياه الشرب انقطعت في طرطوس بسبب توقف الضخ من محطة نبع السن بسبب الحرائق، في اللاذقية وصلت النيران إلى مستشفيي القرداحة والحفة اللذين تم إجلاء المرضى فيهما. مواسم الزيتون التي كان ينتظرها فقراء الساحل ابتلعتها الحرائق، المواسم التي كانت يجب أن تسندهم في هذه السنة القاسية تفحمت.  
صورةٌ لرجلٍ يحاول إخماد النيران بقنينة مياه تختصر المشهد المأساوي الذي وجد السوريون أنفسهم بمواجهته خلال هذه الأيام. 
السكان سيحصون خسائرهم ليدركوا أنهم أمام محنة أخرى وجبال جرداء وأفواه جائعة، وحين يخرجون من صدمتهم ماذا سيفعلون بحجم الخسارة؟ ومن فقد كلّ أرزاقه من الشجر بماذا سيعتني وماذا سيسقي ليعيش هو وعائلته؟ 
في اليوم الأول للحرائق لم تسمع السلطة السورية استغاثات الأهالي، واكتفت فرق الإطفاء بمحاولات خجولة لإخماد الحرائق بإمكانيات متواضعة للغاية، لتشارك لاحقاً حوامتين للجيش السوريّ في محاولة لاحتواء  ألسنة اللهب. كلّ هذه المحاولات كانت أقل بكثير من حجم النيران الهائلة ليعلن فوج إطفاء اللاذقية عبر صفحته على الفيس بوك عجزه عن السيطرة على كلّ الحرائق بإمكانياته الحالية. 
في قرى عديدة لم تصل أيّ سيارة إطفاء، واعتمد الأهالي على أنفسهم في محاولات بائسة لإخماد الحرائق التي حاصرتهم كما حصل في ناحية الفاخورة في ريف اللاذقية، وهي منطقة تنتشر على أطرافها العديد من القرى والمزارع. عانت منطقة الفاخورة واحدة من أصعب الليالي حيث لا وقود ليهرب الأهالي بسياراتهم ولا كهرباء والهواتف غير مشحونة حسب ما نشر على صفحة الناحية على الفيسبوك. ورداً على لوم فوج إطفاء اللاذقية عن عدم استجابته لكثير من نداءات الاستغاثة قال على صفحته على الفيسبوك: “لم نعد نستطيع إحصاء عدد الحرائق صدقاً، كل سيارة إطفاء بعناصرها في منطقة والحديث على أجهزة الخلوي بيننا للاطمئنان على بعض شبه مستحيل، أجهزة اللاسلكي بين بعضنا مللنا من الحديث عنها والمطالبة بها، ولولا قيامنا بتعبئة الصهريج بالماء لما تمكنا من الكتابة”، ليعتذر الفوج عن تقصيره في منشور آخر لأن الحرائق فوق طاقتهم. 
الحصيلة ليست نهائية  
حصيلة الحرائق غير واضحة لحد الآن، خاصة مع استمرارها ورغم انخفاض وتيرة انتشارها ابتداء من مساء السبت لا بيانات رسميّة بشأنها. العبارة الوحيدة التي تدل على هول ما يحصل هو جواب الأهالي عند سؤالهم عن حالهم بقولهم: “خسرنا كل شي”، “لم تبقَ شجرة واحدة”، “ضاع موسم السنة والسنين الجاي”. لم يخرج مسؤول واحد ليدلي بأيّ تصريح ويدعم الشعب الخائف والهارب من منازله، ولم يعتذر أي مسؤول عن التقصير الحكومي لمواجهة هكذا كوارث رادين كلّ ذلك للإرهاب والحرب التي عاشتها سوريا خلال السنوات الماضية، أو ليقولوا السبب هو فلاحون ينظفون أراضيهم بحرق الأعشاب، أكثر من عشرين فلاحاً حرق عشب أرضه فجر الجمعة! 
وكانت وزارة الصحة السورية أعلنت عن وفاة أربع أشخاص جراء الحرائق فيما وصلت حالات الاختناق في اللاذقية التي تشهد أعنف الحرائق إلى حوالي 70 حالة استوجبت دخول المستشفى لتلقي العلاج. 
يمكننا الاستدلال على جزء صغير جداً من الخسائر عبر بعض البيانات المتواضعة التي خرجت من هنا وهناك، فحسب مدير حراج طرطوس “حسن ناصيف” قال في تصريح له يوم الجمعة أي في اليوم الأول للحرائق، إن النيران التهمت مئات الهكتارات الحرجية والزراعية في الجبال المحيطة بمشتى الحلو، بعد أن بدأت من مناطق تابعة لمدينة حمص، أمّا المهندس “كرم قاسم” من الوحدة الإرشادية من بلدة حريصون في ريف بانياس فبين أن تقدير الخسائر في منطقته وحدها تقارب 2500 دونم من الزيتون وفي مدينة طرطوس وصل عدد الحرائق إلى حوالي 73 حريقاً، لكن بقيت اللاذقية هي التي عانت من الحرائق الأكثر شدة. 
 هذه الأرقام الأولية ازدادت بشكل سريع بسبب شدة الرياح التي نقلت بؤر الحرائق من مكان لآخر، أسماء وأعداد القرى التي وصلتها الحرائق والتي طلب سكانها المساعدة أو فروا يشي بنتائج كارثية على الثروة الطبيعية في سوريا، فحسب ما نُشر لساعة إعداد هذه المادة، وصلت النيران في اللاذقية التي استفاق سكان مدينتها على الرماد يغطي طرقاتها وشرفاتها إلى قرى العذرية ورسيون والنبعة البروسية وبيت الشكوحي وغلميسة والدفيل ومسيت وبسطوير وبنجارو وعين جندل ورويسة الحجل وقمين وقويقة والشيخ ريح اسطامو وخدلو والبراعم وكلماخو والمغيرية ووادي قنديل ودبيقة ورأس البسيط وأم الطيور وبلوران والفاخورة.  
عانى الساحل، حيث تتكثف الحرائق، كبقية المناطق السورية من نظام الأسد الذي تسبب في انتشار الفقر والبؤس، ولطالما تعرض أهله للنبذ خاصة خلال الثورة السورية حيث وسِمَ بطائفة الأسد رغم تنوعه لكنه كان متهماً دوماً بانتمائه إلى العائلة الحاكمة، والآن وسط المصيبة يتساءل الناس عمّا يحدث وإن كانت هذه الحرائق حقاً مفتعلة فما سببها؟ 
كما أكد رئيس بلدية قمين “محمود عاقل”، أن الحرائق طالت حوالي 600 دونم من أشجار الزيتون والليمون والرمان و60 دونم أخرى في قرية “غيو”. أما الكارثة الوشيكة التي كادت تضاف إلى المأساة هي شبيهة بما حدث في مرفأ بيروت فحذر مواطنون من بلدة الحفة من كارثة بسبب اقتراب النيران من المصرف الزراعي الذي يحوي 150 طن من نترات الأمونيوم لتتوجه سيارات الإطفاء فوراً وتسيطر على الحرائق حول المصرف، ليتم تكذيب الخبر لاحقاً من قبل رئيس بلدة الحفة والاكتفاء بالقول، إن هناك أسمدة قابلة للاشتعال دون تحديد نوعها حتى، مع الحرص لحد الساعة بإبعاد الحرائق عن المصرف الزراعي. 
النظام السوري مكتوف اليدين 
عانى الساحل، حيث تتكثف الحرائق، كبقية المناطق السورية من نظام الأسد الذي تسبب في انتشار الفقر والبؤس، ولطالما تعرض أهله للنبذ خاصة خلال الثورة السورية حيث وسِمَ بطائفة الأسد رغم تنوعه لكنه كان متهماً دوماً بانتمائه إلى العائلة الحاكمة، والآن وسط المصيبة يتساءل الناس عمّا يحدث وإن كانت هذه الحرائق حقاً مفتعلة فما سببها؟ الفرضية الأولى تقول إن الرئيس السوري بشار  الأسد بات ورقة ضعيفة لدى حلفائه، وما الحرائق إلّا وسيلة لإضعاف موقفه ليدمروا ما تبقى من صورته في الساحل الذي يؤمن جزء من سكانه بشكل أو آخر برئيسهم، وما تصريحه قبل أيام عن إمكانية التفاوض مع إسرائيل لإقامة سلام مقابل استرجاع الأراضي السورية المحتلة إلّا وسيلة لتقوية موقفه الذي بات أضعف. 
فرضية أخرى تطفو مع كلّ حريق جديد في سوريا تعزي هذه الحرائق إلى تجار الحطب والفحم، خاصة من اقتراب برد الشتاء وحين تخرج الحرائق عن سيطرتهم يحدث ما حدث خلال الأيام السابقة لكن تبقى هذه الفرضية الأضعف. الغريب في هذه الحرائق أنها بدأت في وقت واحد في ثلاث محافظات مختلفة وهذا بحد ذاته مؤشر لحكاية أخرى مازال السوريون يجهلونها، وهذا ما أكده الدكتور رياض قره فلاح أستاذ علم المناخ في جامعة تشرين على صفحته الشخصية على الفيسبوك. بحسبه فإن مفْتَعِل هذه الحرائق يعلم جيداً الوقت الأنسب لصنع حرائقَ لن يقوى أحد على إيقافها، حرائق حدثت في أماكن متفرقة ومتباعدة قبل يوم واحد من تحول الرياح إلى شرقية جافة جعلت الرطوبة في المناطق الساحلية منخفضة بشكل كبير ما يؤكد شكوك الدكتور رياض هو اندلاع الحرائق عند الفجر حيث تبدأ الرياح بالاشتداد مع طلوع الشمس، وهذا ما يجعله متأكداً أن مسبب الحرائق شخص أو أشخاص لديهم معرفة جيدة بالطقس . 
يقف السوريون عند السؤال الأهم والذي يعيدنا إلى الفرضية الأول، لماذا لم يتدخل الحلفاء أي روسيا وإيران في إطفاء الحرائق، واكتفت إيران بتقديم مساعدة بسيطة من خلال المعدات فقط، أمّا روسيا فقد تجاهلت الحدث تماماً رغم قيامها سابقاً بالمشاركة في إطفاء حرائق في تركيا وإسرائيل؟ 
وسط هذا المشهد يخرج توجيه من الأسد بالقيام بصلاة استسقاء، دون أن تقوم الحكومة على أرض الواقع بأيّ تحرك فعلي، أو محاولة للتدخل الجاد، وحسب الأرصاد الجوية لا أمطار قريبة، والحرائق مازالت مشتعلة في جبال اللاذقية والشيء الوحيد الذي يخفف وطأة الحزن والخسارة هو وقوف الشعب السوريّ إلى جانب المنكوبين حيث نظمت العديد من الفرق التطوعية نفسها سريعاً لمساعدة المنكوبين، وفتح العديد من السوريين منازلهم للهاربين من الجحيم في حين كان النظام السوري مكتوف اليدين. جاءت التحركات الحكومية متأخرة كالعادة وفُتِحَت الجوامع بعد أن تمكن السكان من اللجوء إلى بيوت المتطوعين، أما عن السلل الغذائية ودعم المتضررين فهي ضرورية وأولوية بلا شك لكن ماذا عن المرحلة الأولى من الكارثة، ماذا كان ينتظر النظام ليتدخل وأين كان الحلفاء؟ 
الشعب المنكوب اليوم هو الوحيد الذي يقف جانب بعضه، والكارثة لونها أسود وتنذر بمستقبل جديد، ملامحه غير واضحة والتغيير الذي حدث في الثروة الطبيعية سيتبعه تغير آخر، فالسكان سيحصون خسائرهم ليدركوا أنهم أمام كارثة أخرى وجبال جرداء وأفواه جائعة، وحين يخرجون من صدمتهم ماذا سيفعلون بحجم الخسارة؟ ومن فقد كلّ أرزاقه من الشجر بماذا سيعتني وماذا سيسقي ليعيش هو وعائلته؟