الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون بين التمهّل الأميركي والاندفاع الروسي والصراع الإقليمي

السوريون بين التمهّل الأميركي والاندفاع الروسي والصراع الإقليمي

28.04.2019
عبدالباسط سيدا


جيرون
السبت 27/4/2019
تحليلات كثيرة، تبلغ حد التناقض أحيانًا، تقدم هنا وهناك بخصوص الوضع السوري، تستند في القسم الأكبر منها إلى التخمينات والاجتهادات، وإلى القليل من المعطيات والمعلومات. وتفسير ذلك هو عدم القدرة على التهكن بالموقف الأميركي النهائي الذي ينتظره الجميع، لضبط حساباتهم وتحديد توجهاتهم.
فروسيا، على الرغم من وجودها القوي في سورية، تعلم أن الكلام الأخير سيكون للأميركان. والأمر ذاته بالنسبة إلى كل من إيران وتركيا و”إسرائيل”. هذا رغم حالة التفاهم القائمة بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي، حول مستلزمات الأمن الإسرائيلي وفق الرؤية الإسرائيلية من جهة، ومقومات ضبط المعادلات الإقليمية وفق الاستراتيجية الأميركية، من جهة ثانية.
أما اميركا نفسها، فهي غير مستعجلة في أمرها، وذلك لمعرفتها التامة بعدم قدرة الآخرين على تجاوز الخطوط المنصوص عليها، ولا سيّما تلك التي تم التوافق بشأنها مع الروس. وهي على ما يبدو ستنتظر أكثر، لتتأكد من طبيعة التحولات التي تشمل كلًا من السودان وليبيا والجزائر. كما أنها تتابع عن قرب تفاعلات الوضع العراقي، منذ تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي، وهي تسعى من أجل إفهام إيران والقوى المتحالفة معها بأن قواعد اللعبة قد تغيّرت، وأن العراق مستقبلًا لن يستمر في كونه ساحة لهيمنتها المطلقة، ولعل هذا الأمر يلقي بعض الضوء على تحركات السعودية نحو بغداد، وزيارة عبد المهدي للرياض قبل أيام.
من ناحية أخرى، لا بدّ أن نأخذ بعين الاعتبار الحملة الانتخابية الأميركية التي ربّما بدأت مع إعلان بايدن ترشحه، وهذا معناه تأجيل اتخاذ القرارات الحاسمة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية؛ الأمر الذي سيؤدي إلى استمرارية وضعية مناطق النفوذ المعتمدة حاليًا من قبل الفاعلين الأساسيين في الوضع السوري، ولا سيّما من جانب الروس والأميركان على وجه التخصيص. هذا إضافة إلى الإيرانيين والأتراك، مع الأخذ بعين الاعتبار التباينات الواضحة في أسباب وتبعات حضور كل طرف في المعادلة السورية.
فالروس قد استخدموا الورقة السورية لحسابات استراتيجية، مكنتهم من العودة إلى المنطقة في مظهر القوة العظمى، وذلك في ظل غياب الدور الأميركي الفاعل منذ أوائل عهد أوباما، واستمر لاحقًا، وإن بحدود أقل، في مرحلة ترامب. ولم تكن العودة الروسية بعيدة من التوافقات مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي. وقد شملت تحديد مناطق الانتشار، وقواعد الاشتباك، وضبط سلوكية النظام والإيرانيين و”حزب الله”، وذلك بما يتناغم مع المصلحة الأمنية الإسرائيلية، ويأخذ التوجهات الأميركية بعين الاعتبار.
أما الأميركان، فقد اتخذوا من ورقة محاربة الإرهاب الداعشي مقدمة لتعزيز نفوذهم، بمعية الحلفاء الأوروبيين، في منطقة شرقي الفرات، وهي المنطقة التي تمتع بمكانة استراتيجية، جغرافيًا واقتصاديًا وديموغرافيًا. فالمنطقة المعنية محاذية للحدود العراقية والتركية، وليست بعيدة من الحدود الجنوبية مع الأردن و”إسرائيل”، ولا من دمشق، إذا ما لزم الأمر.
كما أنها تضم الثروات السورية الأساسية، من نفط وغاز وسهول زراعية واسعة. هذا فضلًا عن الوجود الكردي والعربي السني على وجه التحديد، وهو الوجود الذي يتفاعل ويتكامل مع ما هو عليه الوضع في الجانب العراقي المجاور. فالنفوذ الأميركي في هذا المنطقة يشكل ضغطًا على المشروع  الإيراني، كما أنه لا يريح تركيا، ولا سيما في مناخات تعثر المسار السلمي لحل القضية الكردية في الداخل التركي، وتصاعد نبرة التشدد القومي الذي اعتمد أداة من أدوات تجييش الرأي العام الداخلي. ولكن الانتخابات المحلية الأخيرة أكدت ضرورة إجراء مراجعة جادة، ربما تمكّن حزب العدالة والتنمية من العودة إلى مشروع التواصل الانتفاحي الذي كان من شأنه تعزيز الوحدة الوطنية الداخلية، وإتاحة الفرصة أمام تركيا لأداء دور جامع بين القوى الإقليمية، وذلك عوضًا من الاصطفاف مع كل من روسيا وإيران، في مظهر تحالف قسري لا يطمئن شعوب المنطقة عمومًا، والشعب السوري على وجه التخصيص، كما أنه يزيد من حدة وضعية التشنج بين تركيا وحليفاتها في الناتو والغرب عمومًا.
أما الوجود الإيراني في الساحة السورية، فهو الوجود الأخطر، والأكثر تهديدًا للمجتمع السوري من جميع النواحي. فالنظام الإيراني يسعى لفرض هيمنته على مفاصل القرار، ضمن ما تبقى من أشلاء الدولة السورية، عبر طرق عدة منها الاستمرار في تغذية النزعة المذهبية لغايات سياسية، وهذا ما يتجسد في حملات التشييع المنهجية المستمرة في مختلف المناطق السورية. كما أنه يسعى من خلال وكلائه المحليين ، ومن خلال النظام نفسه، للحصول على مزيد من المواقع والاستثمارات، خاصة في منطقتي الساحل ودمشق، وذلك بغية التمكّن من إحداث تغييرات ديموغرافية مذهبية، تكون، بالنسبة إليه، خطوات على طريق تنفيذ مشروعه الامتدادي التوسعي، وهذه مسائل لم تعد سرًا مجهولًا، بل باتت جزءًا من واقع يلاحظه الجميع.
أما التواجد التركي في منطقة الشمال، بدءًا من جرابلس غربي الفرات، ووصولًا إلى تخوم المنطقة الساحلية، وهي المنطقة التي تشمل الباب وإعزاز وإدلب وعفرين، فهو الآخر قد يتحول إلى شكل من أشكال التكامل الاقتصادي الأمني  الطويل المدى، في ظل حالة العطالة التي تعانيها المعادلة السورية، وبفعل حالة انعدام الثقة بين سكان تلك المناطق ونظام بشار الأسد الذي ما زال يتعامل مع السوريين، بعقلية المنتقم المتشفّي الذي يوهم نفسه وأتباعه بالانتصار، ويهدّد السوريين بسيوف الآخرين. وهو يعلم علم اليقين أنه لا يستطيع الاستمرار في موقعه أيامًا، من دون سند روسي إيراني.
أما المعارضة الرسمية، فهي ما زالت في حالة التآكل المستمرة التي تعانيها منذ سنوات، لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية. وقد أصبحت -بكل أسف- مجرد واجهة للتغطية على توافقات القوى الدولية والإقليمية، وهي تنتظر دورًا يسند إليها في إطار التوافقات المعنية، إذا تمت.
هل سيستمر السوريون، في كل جهاتهم وبمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم، في انتظار ما يقرره الآخرون بشأن مصير بلدهم الذي تهدده العواصف من مختلف الأنحاء؟ أم أنهم سيسعون لاسترجاع إرادتهم أولًا، وسيعملون على إفهام الجميع بأن تحديد المصير النهائي لسورية وأجيالها المقبلة هو أمرٌ يخص السوريين قبل أي طرف آخر.
تساؤل ينتظر الإجابة التي لا يمكن أن تكون مقنعة، من دون تحرك واقعي بعيد النظر، يقطع مع الشعارات العاطفية، ويتجاوز حدود الاندماج البنيوي في مشاريع الآخرين.