الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون المسحوقون بالفساد المكتفي

السوريون المسحوقون بالفساد المكتفي

14.02.2017
منار الرشواني


الغد الاردنية
الاثنين 13/2/2017
علق أحد القراء الكرام على مقالتي السابقة "مسالخ الأسد وبداية التاريخ"، باستحضار مقولة إن سورية غير مدينة للبنك الدولي. وهي المقولة التي يرددها البعض بحسن نية، كما يُستشف من التعليق المشار إليه، بما يوجب مناقشتها، وذلك بخلاف استخدامها من شبيحة قومجيين ويساريين، لغاية الدفاع عن جرائم الأسد بحق السوريين، علماً أنهم لا يطبقون المعيار ذاته على أنظمة صارت مؤخراً "مقاومة وممانعة" بحكم تأييدها للأسد. بل وبين متبنٍ "عدم الاستدانة من البنك الدولي تبرر قتل السوريين" من كانوا وزراء في حكومات بلادهم، وشاركوا بالتالي في تطبيق ما يسمونه "الليبرالية المتوحشة" لمؤسسات "بريتون وودز".
الآن، لندع جانباً حقيقة أن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده؛ فهل كان يتوفر حقاً الخبز وحده، من دون حرية وكرامة، للسوريين عشية الثورة في العام 2011؟
خلافاً لما يروج، بحسن نية أو سوئها، وعلى سبيل المثال فحسب، كان هناك في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، كما تنقل وكالة "رويترز"، 190 ألف سوري من المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية يعيشون على مساعدات "برنامج الغذاء العالمي" داخل وطنهم، فيما كان هناك 110 آلاف آخرين ينتظرون هكذا مساعدات لم تصلهم بسبب ضعف التمويل الدولي، وقدرت الأمم المتحدة وقتها نزوح 800 ألف شخص بسبب الجفاف (يمكن التحقق من المعلومات السابقة على موقع برنامج الغذاء العالمي: http://www.wfp.org/news/hunger-in-the-news?page=21&tid=108).
إذن، سورية المكتفية ذاتياً (بفضل الأسد كما يُفترض)، لم تكن قادرة على إطعام شعبها ابتداء. وحتى إذا كان ما سبق ناتج من الجفاف، فإن المزارعين البسطاء كانوا يعرفون، كما أكدوا لوسائل إعلام دولية وقتها، أن ما أسهم بشكل رئيس في تحويل الظاهرة الطبيعية إلى مأساة، هو الفساد الذي يمثل العلامة الفارقة لنظام الأسد، بانتشار الآبار غير القانونية، ناهيك عن سوء التخطيط، بافتراض وجود تخطيط أصلاً.
لكن قبل ما سبق، يظل الأخطر في الدفاع عن الوضع القائم قبل الثورة، وليس الدفاع عن الأسد ونظامه بالضرورة، هو ما يستبطنه هكذا موقف من نظرة دونية إلى الذات العربية عموماً، وليس إلى الشعب السوري وحده. فهل أقصى أمانينا وأحلامنا أن نعيش الكفاف مأكلاً ومشرباً ونوعية حياة، فيما مواردنا تؤكد أن بإمكاننا - ناهيك عن أنه حقنا- العيش حياة لائقة، بل ومرفهة، على كل صعيد، بما في ذلك الرفاه التعليمي والعلمي؟!
الاستدانة ليست بحد ذاتها تهمة (كما أنها ليست ذريعة لأنصار الأسد)؛ فأغلب شعوب العالم مدينة لبنوك ومنظمات وحتى دول أخرى، كما هي حال الدولة العظمى أميركا المدينة للصين. لكن السؤال هو: استدانة لأي شيء؟ وهو ما يُقاس بالإنجاز. والحقيقة أن سورية ربما لا تكون مدينة للبنك الدولي (مع أنها كانت مدينة لروسيا وفق صفقات أسلحة على الأقل، عرفنا منذ العام 2011 أنها تكدس لإبادة الشعب السوري فقط)، لكن ذلك سببه أن سورية بالنسبة للنظام هي "سورية الأسد"، وهو بذلك مكتف بما يحصّله من الشعب المسحوق؛ اقتصادياً وسياسياً.
يبقى أن سورية غير المدينة للبنك الدولي بفضل عطاء السوريين وصبرهم، صارت اليوم بفضل رفض الأسد الحد الأدنى للإصلاح، مشاعاً لكل دول الأرض ومليشياتها.