الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون الأميركيون والانتخابات الأميركية

السوريون الأميركيون والانتخابات الأميركية

07.11.2018
وائل السواح


العربي الجديد
الثلاثاء 6/11/2018
يتوجّه الأميركيون اليوم إلى صناديق الاقتراع، لاختيار كلّ أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين، إضافة إلى عدد من حكّام الولايات والمجالس المحلية. والسوريون الذين أعرفهم في الولايات المتحدة منقسمون، ليس بين سوري وسوري فحسب، بل في داخل كلّ سوري. فمن جانب، معظمهم من الطبقة الوسطى أو الوسطى - العليا، ومعظمهم ذوو تعليم جيد، ومتوسط دخلهم أعلى من متوسط رواتب العمال المهاجرين والعمال الأميركيين الآخرين. ولدى معظمهم من هذه الناحية جانب ليبرالي، يميل إلى الديمقراطيين. على أن غالبية السوريين محافظون دينيا (مسلمين ومسيحيين)، وبالتالي فإن جانبا من كلّ واحد منهم محافظ يميل إلى الجمهوريين، غير أن عداء الرئيس ترامب البيّن والواضح للمسلمين وكل الأقليات يجعل التصويت للجمهوريين تصويتا ضدّهم. إلى ذلك، جاء قرار ترامب نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس صفعة لكلّ العرب المقيمين في أميركا، وبينهم السوريون، وسيعني التصويت للجمهوريين تأييدا ضمنيا لهذا القرار، وهو القرار الذي وقف في وجهه رئيسان ديمقراطيان (بيل كلنتون وباراك أوباما) ورئيس جمهوري (جورج بوش الابن)، بعد أن صوّت الكونغرس الأميركي بغالبيةٍ كاسحةٍ على قرار النقل في 1995.
معظم السوريين الأميركيين مستفيدون من سياسة التأمين الصحي الذي استنّه الرئيس باراك أوباما، وبالتالي هم ضدّ محاولات الجمهوريين المتكرّرة إلغاء هذا القانون المعروف باسم "أوباما كير"، وهي محاولاتٌ إن نجحت ستكلّف سوريين أميركيين كثيرين تأمينا صحّيا أغلى، وربما كلّفت بعض السوريين حياتهم. في المقابل، يجعل نزوع الديمقراطيين الليبرالي المؤيد للإجهاض وحقوق المثليين السوريين الأكثر محافظةً يترددون في تأييدهم الديمقراطيين، ويجدون في أنفسهم هوىً أقرب إلى محافظة الجمهوريين نزوعهم إلى التديّن أو على الأقل إظهار تديّنهم. على أن المشكلة الأساسية بالنسبة لمعظم السوريين الأميركيين تبقى سورية نفسها.
"على السوريين الأميركيين أن يثبتوا أنفسهم رقما مهما في المشهد السياسي الأميركي"
يوجد في الولايات المتحدة اليوم من السوريين - الأميركيين ما بين مائة ألف ومائة وخمسين ألفا، ولا يشمل هذا العدد اللاجئين الجدد. وقد وقعت الهجرة السورية إلى الولايات المتحدة في موجتين متمايزتين، في أواخر القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين. واستقر هؤلاء المهاجرون بشكل رئيسي في المدن الحضرية الكبيرة، مثل نيويورك وبوسطن وديترويت. وتشير السجلات، خلال الفترتين، إلى أن نحو ألف سوري من دمشق وحلب كانوا يدخلون رسميا الولايات المتحدة سنويا. ووفقا لمعهد سياسات الهجرة، يصبح المهاجرون السوريون مواطنين متجنسين بمعدل أعلى بكثير من السكان المهاجرين الآخرين، لأن سوريين عديدين يدخلون الولايات المتحدة بشكل قانوني.
وبعد انطلاقة الثورة السورية، بدأ السوريون - الأميركيون تنظيم أنفسهم على أساس آرائهم السياسية، في أول محاولة جدّية لهم للالتقاء خارج إطار العائلة أو الجماعة الدينية (كنيسة أو مسجد). وتركزت نقاط التقائهم (وافتراقهم) على موقفهم من الثورة ومن نظام الأسد في سورية. وأسّس السوريون المعارضون لبشار الأسد منظمات غير حكومية، مثل المجلس السوري الأميركي والجمعية الطبية السورية - الأميركية. وكان أكثر أشكال التعبير عن التضامن انتشارا بين السوريين الأميركيين التبرّعات المالية لجهود الإغاثة الإنسانية. وتتعالى هذه البادرة التضامنية فوق الفوارق الدينية والسياسية.
بيد أنهم، ونتيجة خيبة أملهم إزاء تقاعس الإدارات الأميركية، بدأوا يتحوّلون نحو مزيد من المشاركة السياسية. وكانت الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 نقطة تحوّل إلى الدعوة السياسية، حيث واصل السوريون - الأميركيون تقديم التبرعات لمرشّحين أميركيين كانوا في الغالب جمهوريين، لكنهم، في الوقت نفسه، بدأوا بإيجاد منظمات سياسية حسنة البناء في محاولة للتأثير على السياسة الأميركية. وأنشئت لجنة العمل السياسي من أجل سورية الحرة، للسماح للأميركيين السوريين قانونيا بدعم أعضاء الكونغرس الذين دافعوا عن أجندة أعمالهم. وبالمثل، دعا المنتدى السوري - الأميركي إلى الحفاظ على الدولة السورية، ورفض التدخل الأميركي. وأنشئت منظماتٌ أخرى، مثل شبكة الجالية السورية، لتنسيق المساعدة المقدمة للاجئين، وإدماجهم في مجتمعاتهم الجديدة. وفي المقابل، حشد السوريون المؤيدون للأسد قواهم في إضفاء الشرعية على النظام السوري، والاحتجاج على التدخل الأميركي في سورية، كما حدث في عام 2013، حيث انقسم السوريون في مظاهرات مؤيدة للضربة التي كان يعتزم القيام بها الرئيس باراك أوباما أو معارضة لها.
ينقسم السوريون أمام صناديق الانتخابات بين معارض سياسة الرئيس السابق أوباما التي يراها سوريون تخاذلية أمام نظام بشار الأسد، وتغلغل الروس في بلدهم الأم، ومعارضٍ لتدخل ترامب العسكري في سورية، وضربه نظام الأسد في عامي 2017 و2018. وهكذا يجد الناخب السوري - الأميركي المؤيد تدخلا أميركيا أقوى في سورية لإنهاء الحرب، وإجبار النظام على القبول بالانتقال السياسي، أقرب، من هذه الناحية، إلى الرئيس دونالد ترامب ومجموعة الجمهوريين في الكونغرس، المؤيدين تدخلا أوسع. ولكن هذا السوري نفسه يشعر بالخوف وعدم الأمان من سياسات ترامب الصحية والاجتماعية، ومن مواقفه العنصرية وتصريحاته
"في الولايات المتحدة اليوم من السوريين - الأميركيين بين مائة ألف ومائة وخمسين ألفا، ولا يشمل العدد اللاجئين الجدد" المخيفة ضدّ المهاجرين، وقد يشعر هذا السوري بالسخط من ترامب، لأنه لا يستطيع إحضار ذويه من سورية بالسهولة التي كانت قائمة قبل ذلك. وفي المقابل، يشعر المتحمّسون لسياسات الديمقراطيين الليبرالية بالخيبة إزاء موقف هؤلاء من القضية السورية، وسياساتهم التي أدّت إلى تعزيز نظام الأسد، وإضعاف المعارضة وتفتيت سورية.
سوريون أميركيون كثيرون تحدثت إليهم أخيرا متردّدون. معظمهم في المحصّلة الأخيرة أقرب إلى الديمقراطيين، بسبب عنجهية ترامب، وتدنّي خطابه وعنصريته وتعصّبه، لكنهم يفتقرون إلى الدافع الذي يجعلهم يتوجهون صباحا إلى مراكز الاقتراع، وقد يختار السوريون، في النهاية، الجلوس إلى شاشات التلفزة ومتابعة النتائج.
وعلى أية حال، يبقى الاقتراع حقّا وواجبا. وعلى السوريين الأميركيين أن يثبتوا أنفسهم رقما مهما في المشهد السياسي الأميركي. وبينما ينطبق ذلك على كلّ السوريين، فإنه ينطبق أكبر على شباب الألفية الجديدة الذين عليهم، على عكس آبائهم، أن يتقنوا اللعبة السياسية الأميركية.