الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الروس تحدثوا مع الأسد... بلا كمامات 

الروس تحدثوا مع الأسد... بلا كمامات 

15.09.2020
أسعد عبود



النهار العربي 
الاثنين 14/9/2020 
حملت زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف ووزير الخارجية سيرغي لافروف لدمشق جملة من الدلالات التي استرعت الانتباه، سواء لجهة التوقيت أو لناحية المضمون، من دون إغفال الرمزية التي مثلتها "الزيارة المفصلية" بحسب وصف وسائل الإعلام الروسية.    
مثلت الزيارة  الاختراق الأول للحصار الغربي عموماً والأميركي خصوصاً منذ بدء سريان "قانون قيصر" في  حزيران (يونيو) الماضي، وما نجم عنه من خنق اقتصادي للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية. وتجلى هذا الخنق أكثر ما تجلى في تدهور غير مسبوق في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، وفي ارتفاع للأسعار نتيجة فقدان الكثير من المواد والسلع الغذائية. وفي نهاية حزيران، أطلق برنامج الغذاء العالمي تحذيراً مفاده أن سوريا تواجه خطر "المجاعة الجماعية"، وأن 11 مليون سوري يحتاجون إلى المساعدة والحماية. وزاد الوضع سوءاً على سوء مع التفشي المتسارع لفيروس كورونا المستجد، والتقارير التي تتحدث عن نقص في المعدات والتجهيزات لمواجهة الوباء، بينما بدا أن الطاقم الطبي هو الذي يدفع الثمن الأكبر في هذه المعركة. 
كان لافتاً أن الوفد الروسي حط رحاله في دمشق بعد أيام من استئناف اللجنة الدستورية المصغرة عملها في جنيف تحت رعاية المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسن. ومعلوم أن الكرملين ضغط على دمشق لتليين شروطها بالنسبة إلى الموافقة على استئناف اللجنة لعملها. وفي إشارة لإظهار الجدية الروسية للتعاطي مع هذا الملف، سبق اجتماع جنيف بأسابيع تعيين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبعوثاً شخصياً له إلى سوريا هو ألكسندر يفيموف الذي كان سفيراً في دمشق.    
 واستناداً إلى تسلسل المواقف السورية التي تلت هذا التعيين، يُفهم أن الرئيس السوري بشار الأسد قد وصلته رسالة الحزم الروسية القائمة على أن مقتضيات المرحلة تستوجب تحريك العملية السياسية، فكان الذهاب إلى جنيف.  
ولا يمكن فصل "الزيارة المفصلية" عن مجرى الأحداث والتطورات المتسارعة في الشرق الأوسط. وروسيا التي كان لها دور أساسي في قلب مسار الحرب السورية، غير عازمة على ترك سوريا للاعب الإيراني وحده، وإن كانت لم تبدر حتى الآن دلائل علنية على خلاف كبير بين موسكو وطهران على الساحة السورية. لكن بديهي أن تشعر روسيا بامتعاض من تصاعد الدور الإيراني لا سيما العسكري منه في الأشهر الأخيرة والذي تمثل باتفاق التعاون العسكري بين دمشق وطهران، وتعهد إيران بتوفير شبكة دفاع جوي ضد الغارات الإسرائيلية المتكررة. ولا بد أن ذلك كان بمثابة انتقاد ضمني لروسيا التي يبدو أنها تعارض حتى الآن استخدام الجيش السوري بطاريات "إس-300" لحماية الأجواء السورية في وقت لا تظهر فاعلية صواريخ "إس-200" التي تستخدم الآن.    
 وبصرف النظر عن التنافس الروسي-الإيراني، فإن حضور لافروف إلى دمشق للمرة الأولى منذ 2012، يؤكد على الأهمية السياسية للزيارة، بينما حضور بوريسوف هو لإبراز الرهان الاقتصادي الذي تعطيه روسيا أولوية قصوى، خصوصاً في مجال التنقيب عن النفط والغاز في سوريا وفي الساحل السوري غير البعيد عن شرق المتوسط بؤرة التوتر الحالية بين تركيا من جهة وقبرص واليونان ومصر وفرنسا من جهة ثانية.  
أتى الروس إلى سوريا، التي يقيمون فيها قاعدتين جوية في اللاذقية وبحرية في طرطوس، كي يبعثوا أيضاً بإشارات لا تحمل أي التباس لأنقرة ولفرنسا على السواء، بأن موسكو حاضرة في المياه الدافئة ومستعدة للدفاع عنها. ولم تتأخر البحرية الروسية في إجراء مناورات في المنطقة التي تفتش فيها تركيا عن الغاز، وبعثت ببارجة إلى ميناء قبرصي، وكأنها رسالة ردع كي لا تذهب أنقرة بعيداً في مغامراتها.    
وبالعودة إلى مرامي الزيارة الروسية ومفاعيلها على الداخل السوري، فإن الكرملين لم يقطع خيط التواصل مع أكراد سوريا. وبذل في الماضي جهوداً حثيثة كي يقنع دمشق بملاقاة المطالب الكردية في المنتصف. لكن هذه الجهود أصابت الإخفاق، بسبب رفض دمشق التنازل في الموضوع "القومي" وبسبب ضغوط أميركية على الأكراد كي لا ينفتحوا على الأسد. وتستخدم واشنطن الان المناطق الكردية الغنية بالثروات الطبيعية، ورقة ضغط قوية على مناطق سيطرة الحكومة السورية لا سيما في ما يتعلق بالنفط والقمح.  
 ومع ذلك لم تفتر همة الروس في جس نبض الأكراد. وفي نهاية آب (أغسطس) زار موسكو وفد من "مجلس سوريا الديموقراطية" الجناح السياسي لـ"قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري. وخلال الزيارة جرى التوقيع على اتفاق مع حزب "الإرادة الشعبية" السوري المعارض الذي يتخذ موسكو مقراً له. وقد تكون هذه الخطوة محاولة من قبل روسيا لتحريك التواصل في ما بين المكونات السورية بما يصب في النهاية في التمهيد لعملية سياسية أوسع.     
واذا كانت روسيا تبغي الدفع في اتجاه الحل السياسي في سوريا، فإنها تفعل ذلك من أجل أن يتسنى لها توسيع استثماراتها في هذا البلد. واستحقاق الانتخابات الرئاسية السورية العام المقبل، محطة تنظر إليها روسيا بكثير من الاهتمام وترنو إلى أن تكون اللجنة الدستورية قد قطعت شوطاً مهماً أو حتى توصل إلى الاتفاق على صوغ دستور جديد أو إدخال تعديلات واسعة على الدستور الحالي، في اتجاه يسمح بمشاركة المعارضة في هذه الانتخابات.  
 وهذا المنحى الروسي الذي قد لا يروق كثيراً لدمشق، فإن الحصار الذي تعيشه سوريا حالياً، يملي على القيادة السورية أن تفكر في كثير من الخيارات المتاحة لتفادي كارثة اقتصادية تتجه نحوها البلاد. والمطلوب روسياً من الأسد القليل من التنازل لفتح ثغرة في جدار الحصار.  
وبقي مغزى آخر ربما قد لا يكون في حاجة إلى تفسير، عكسه ظهور الأسد مع الوفد الروسي مرتدياً كمامة واقية من فيروس كورونا بينما لم يفعل أعضاء الوفد الروسي الشيء نفسه!