الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "الربيع العربي" في عيون إسرائيلية: بدايات مقلقة وانحراف أدى إلى التطبيع 

"الربيع العربي" في عيون إسرائيلية: بدايات مقلقة وانحراف أدى إلى التطبيع 

10.04.2021
القدس العربي


القدس العربي 
الخميس 8/4/2021 
الناصرة ـ "القدس العربي": بعد عقد على "الربيع العربي" ترى أوساط إسرائيلية أن بداياته كانت مقلقة، لكن نهاياته شهدت انحرافات ساهمت في دفع دول عربية نحو التطبيع مع الاحتلال، وسط إشارة لتغيير موازين القوى لمصلحة الجهات غير العربية في الشرق الأوسط، خاصة إيران. 
وحسب المركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية "مدار" فإن إسرائيل، كعادتها تقدم الاعتبارات والمصالح الأمنية والسياسية الخاصة بها على أية اعتبارات أخرى في تعاملها مع التطورات الداخلية والإقليمية والدولية. ولم تبتعد إسرائيل في تعاملها مع أحداث "الربيع العربي" وأحداثه ونتائجه عن منظور الإيجابيات والسلبيات بالنسبة لها سياسيا وأمنيا واستراتيجيا دون اعتبار للجانب الأخلاقي. 
وجاءت هذه القراءة مع مرور عقد على بداية الثورات التي تحول بعضها إلى حروب أهلية، وإلى حروب بالوكالة. واستعرض محللون ومراكز أبحاث آثار الأحداث التي عصفت ببعض الدول العربية على إسرائيل، من ناحية، ومن ناحية أخرى مآلات الثورات العربية حاليا، كبروز محاور متضادة غيرت في موازين التحالفات السياسية في المنطقة. ويلاحظ حضور إيران بشكل واضح في مقاربات الباحثين والكتّاب حول مرور عقد على بدء الربيع العربي. 
رسم حدود الشرق الأوسط 
ويستعرض عضو الكنيست السابق تسفي هاوزر في تحليل في مجلة "هشيلواح" المتخصصة في الشؤون الفكرية والسياسية، آثار الثورات العربية على رسم حدود إسرائيل من منظور استراتيجي قومي. ويعتبر أن "الربيع العربي" غيّر نقطة التوازن التي كانت قائمة في الشرق الأوسط منذ اتفاقيات سايكس ـ بيكو عام 1916 وأثار تساؤلات حول بعض حدود المنطقة. 
ويقول "مدار" إنه منذ بداية أحداث " الربيع العربي" قوّضت قوى قديمة ـ جديدة، قائمة على أسس دينية وقبلية، الأنظمة الحاكمة وتقاسمت مجالات النفوذ بينها، طامسة الحدود المتعارف عليها. لافتا إلى التحولات السكانية القسرية وتبلور مناطق الحكم الذاتي كواقع على أساس الهوية العرقية أو الدينية، وأعادت تشكيل المساحة المعيشية للتنوع البشري التي تشكل المنطقة. 
ويرى هاوزر أن من أبرز تداعيات "الربيع العربي " بالنسبة لإسرائيل إنشاء" محور شيعي متطرف" متواصل بريا من طهران إلى القنيطرة وحتى الجولان، وأصبحت إيران البعيدة جغرافيا آلاف الكيلومترات عن إسرائيل، موجودة على حدودها الشمالية في منطقة خالية من الحكم، أو المنطقة الحرام. هذه الحدود ـ كما يقول هاوزر ـ كانت في الماضي القريب تفصل إسرائيل عن كيان سياسي يسمى سوريا. ويرى أن الأحداث العاصفة التي شهدتها المنطقة في السنوات العشر الأخيرة لم تصل إلى نهايتها بعد لعدة عوامل منها التغير المناخي، وندرة المياه، والنمو السكاني، والمجاعة، وجائحة كورونا، إلى جانب الصراعات الدامية، وثقافة الثأر، ومنح الشرعية لـ "الإرهاب" وحل النزاعات بالعنف. كل هذه العوامل حسب هاوزر تبرر لإسرائيل وجيرانها والعالم تخوفهم من موجة أخرى من انهيار الاستقرار في دول المنطقة، منوها أن أحداث "الربيع العربي" أعادت رسم حدود الشرق الأوسط بحكم الأمر الواقع حتى لو لم تكن حتى الآن بحكم القانون، حدود الماضي ـ خاصة بين العراق والأردن وسوريا ولبنان ـ تم تحديدها بشكل تعسفي ومن منطلق المصلحة الذاتية في اتفاقيات سايكس ـ بيكو قبل حوالى مئة عام، مع نهاية الحرب العالمية الأولى. ويشير الى أن هذه الحدود كانت في الغالب حدوداً مصطنعة، متجاهلة التقسيمات العرقية والدينية والثقافية للشعوب والقبائل التي قسمت الفضاء الإمبراطوري العثماني، وأنشأت "دولا قومية" مصطنعة. وينوه أن تغيير حدود الشرق الأوسط بات عملية تاريخية ضرورية، حتى لو كانت في مهدها فقط، معتقدا أنه يتوجب على إسرائيل، كقوة شرق أوسطية، أن تقود الخطاب الاستراتيجي الذي يعترف بهذا الاحتمال، وهو خطاب تجد أوروبا صعوبة في الاعتراف به 
صعود الإسلام السياسي 
وأعاد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب الشهر الماضي نشر دراسة أعدت عام 2013 تستعرض فيها الباحثة بينيدتا بيرتي أثر "الربيع العربي" وصعود حركات الإسلام السياسي. 
وتشير الدراسة إلى أن نتائج الثورات لم تكن لصالح كل الحركات الإسلامية في المنطقة، فمثلا حزب الله بقي على هامش الأحداث وخسر الثقة فيه بعد تدخله العسكري لصالح النظام السوري. لكن ورغم أن بداية "الربيع العربي" لم تأت نتيجة لتحرك الإسلاميين في المنطقة، لكن في الدول التي حدث فيها تغيير في الأنظمة، تمكنت معظم الحركات الإسلامية من تحسين وضعها وقوتها، ووصلت إلى الحكم ولو لفترة مؤقتة، كما في مصر وتونس. وبالنسبة لإسرائيل ـ تقول الباحثة ـ فإن التغيرات السياسية في الدول المحيطة تشكل تغييرا في ميزان القوى في المنطقة، لذلك لم تتخذ إسرائيل موقفا رسميا تجاه مجريات الأحداث، لكنها اعتبرت أن التغيرات السياسية السريعة وغير المضبوطة لن تكون في النهاية لصالحها. 
ومع اندلاع الأحداث كان القلق في إسرائيل يتمحور حول استقرار الدول المحيطة وإمكانية تأثير ذلك على اتفاقيتي السلام بينها وبين مصر والأردن. وحسب بيرتي فإن إسرائيل كانت تدعم بقاء الوضع القائم (الأنظمة السابقة) في تونس ومصر، وانعكس ذلك في تصريحات رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بأمله أن يعود الاستقرار إلى تونس، وعبر رئيس هيئة الأركان السابق ووزير الأمن حينئذ شاؤول موفاز عن أمل مشابه بالنسبة لمصر عبر سيطرة النظام على الاحتجاجات ضده. 
سوريا وتونس 
وفيما يخص سوريا، تقول بيرتي إن وجهات النظر تباينت في إسرائيل بالنسبة للنتيجة المفضلة لها لمصير الثورة هناك. فقسم في القيادة الإسرائيلية رأى أن بقاء نظام بشار الأسد سيساهم في الاستقرار الحدودي في الجولان، وانهياره قد يؤدي إلى وصول قادة أكثر تطرفا للحكم. أما القسم الثاني فرأى أن سقوط نظام الأسد سيشكل ضربة للنفوذ الإيراني وسيؤدي إلى تحسن الوضع الأمني بالنسبة لإسرائيل. 
أما في تونس فتمكنت حركة النهضة الإسلامية من الوصول للحكم، لكنها أبدت مرونة في التعامل مع الأحزاب العلمانية من ناحية، وفتحت المجال لحركات سلفية بالعودة للعمل في الساحة السياسية من ناحية ثانية. 
رغم ذلك وبسبب عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وتونس، فإن تطورات الوضع فيها ليست مصدرا للقلق الآني بالنسبة لإسرائيل، لكن القلق قد يتصاعد في حالة إقرار البرلمان التونسي مشروع قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل قدمته "الكتلة الديمقراطية" في مجلس نواب الشعب التونسي، في ديسمبر/ كانون الأول 2020. وبالمجمل تعتبر الكاتبة أن الوضع (عام 2013) قد لا يكون في صالح إسرائيل، لكنها توقعت على المدى البعيد أن يتغير الوضع لصالحها، بفتح قنوات اتصال مع دول عربية وإسلامية. هذا التوقع، تحقق حاليا باتفاقات السلام بين الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، ضمن سعي دول ما تسمى "المحور السني المعتدل" لتشكيل جبهة تضم إسرائيل لمواجهة مساعي إيران للتمدد في الشرق الأوسط، خاصة في الدول التي تواجه صراعات عسكرية كسوريا واليمن والعراق، وكذلك في لبنان كتبعات للثورات العربية. 
معادلة الربح والخسارة 
وفي مقال نشرته مجلة "تسيكلون" الصادرة عن معهد السياسات والاستراتيجيا في مركز هرتسليا تناول الباحث ميخائيل سيغل المتخصص في الشأن الإيراني، والباحث في مركز الدراسات التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" في الجيش الإسرائيلي سابقا، علاقة الربيع العربي بتمدد نفوذ إيران. وجاء المقال تحت عنوان "ربيع عربي أم صحوة إسلامية: التوازن الاستراتيجي الإيراني بعد عشر سنوات من الاضطرابات في الشرق الأوسط". 
ويشير سيغل إلى أن إيران نظرت في البداية إلى الثورات العربية كتهديد، خاصة أنها خاضت تجربة عام 2009 على أراضيها في موجة الاحتجاجات التي سميت "الثورة الخضراء" وخشيت أن تمتد عدوى الثورات العربية إليها من جديد. لكن لاحقا، تبين لطهران أن ما كانت تعتبره تهديدا لها بات فرصة استراتيجية، فضعف العالم العربي وتقويض الأنظمة التي كان بعضها عدوا لدودا لإيران خلق فراغا سلطويا سارعت إيران إلى إيجاد موطئ قدم لها فيه، ضمن سعيها لتحقيق رؤية "الهلال الشيعي" الممتد من الخليج حتى البحر المتوسط. وبذلك مثلت إيران بشكل بارز نزعة تعزيز نفوذ القوى غير العربية في الشرق الأوسط في خضم الاضطرابات الإقليمية، في ظل الضعف المتصاعد في العالم العربي. 
من هذا المنطلق، يقول سيغل، حاولت إيران طرح الربيع على أنه "صحوة إسلامية "منحتها فرصة لتعزيز رؤيتها العقيدية في المنطقة. ويعتبر النفوذ الإيراني في سوريا كأحد الإنجازات الاستراتيجية الكبرى بالنسبة لطهران في السنوات العشر الأخيرة. وتعتبر إيران سوريا الحلقة الذهبية في سلسلة "محور مقاومة إسرائيل" وهي ركيزة أساسية لاستراتيجية الأمن القومي الإيراني. ويقول أيضا إنه إلى جانب نفوذ طهران وسيطرتها في لبنان، عمقت تدخلها العسكري في سوريا لضمان استمرار حكم الأسد، كما استدعت حزب الله في2013 للقتال في سوريا. علاوة على ذلك، تولي إيران أيضاً أهمية كبرى لتحقيق تسوية سياسية في سوريا مع انتهاء الحرب الأهلية، وتعتبر هذه التسوية نقطة تحول فيما تسميه "إعادة تصميم الشرق الأوسط". 
ميزان الإنجازات والإخفاقات 
ويعتبر سيغل أن إيران حققت نوعا من التوازن في إنجازاتها وإخفاقاتها مع مرور عقد على الربيع العربي، فيشير إلى أنها نجحت في حماية نظام الأسد في سوريا، وحافظت على مصالحها في لبنان، وعززت مكانتها في العراق واليمن، واندمجت بنجاح في الجهود الدولية التي أدت إلى هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية". لكن من ناحية أخرى، تلقت طهران ضربات عسكرية ومعنوية شديدة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وتواجه صعوبات اقتصادية مستمرة، وتكافح لاحتواء الاضطرابات الداخلية، كما تواجه إخفاقات في محاولاتها زعزعة استقرار دول عربية رئيسية. ويرى سيغل أن تولي جو بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة سيمنح إيران ثقة نفس إضافية، قد ترفع من مستوى جرأتها، عبر تنفيذها خطوات استفزازية في الشرق الأوسط، وكذلك في محاولتها تعميق نفوذها في رسم ملامح النظام المستقبلي في دول رئيسة في المنطقة، بما فيها سوريا والعراق واليمن. 
حظي مرور عشر سنوات على بدء "الربيع العربي" بتغطية واسعة في الصحافة العبرية، وتعود إيران لتفرض وجودها في المقالات والتحليلات الصحافية، كما يلاحظ. وفي أوساط الرأي العام برزت تحليلات المستشرق موشيه كيدار وهو يشير إلى الضرر الكبير الذي تسبب به تنظيم داعش للعالم الإسلامي، عبر بثه صور عمليات الإعدام البشعة بطرق بشعة للرهائن والأسرى لديه. هذه الفظائع ـ حسب ظن كيدار ـ دفعت الكثير من الجيل الشاب في العالم الإسلامي إلى هجر الإسلام نفسه، لأنهم باتوا يرون أن عدوهم يتكلم العربية والفارسية وليس العبرية، وهذا قد يكون سببا في إقدام دول عربية مؤخرا على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، كنتيجة لهذا التغير العميق. وفي النتيجة يرى كيدار أن السنوات العشر للربيع العربي أدت إلى القضاء على التهديد السوري لإسرائيل، وجعلت سوريا ساحة مستباحة لعدة دول، وتسببت للإسلام بضرر لا يمكن وصفه بسبب ممارسات داعش التي كان معظم ضحاياها من المسلمين. 
الحل بالنسبة لبشار الأسد 
في هذا الاتجاه يكتب أيضاً محلل الشؤون العربية عوديد غرانوت فيقول إن الحل بالنسبة لسوريا يكمن في "شفاء الأسد من الطفرة الإيرانية" حسب تعبيره. فبعد عشر سنوات من الصراع، بقي الأسد في الحكم، لكنه خسر سوريا لمصلحة إيران التي تواصل جهدها لتكريس نفوذها هناك من دون إظهار أي إشارة للانسحاب، في المقابل تغلغل عناصر حزب الله في صفوف الجيش السوري بصفتهم مستشارين، فيما يواصل الجيش السوري تقديم الدعم العسكري لحزب الله مقابل النفط الإيراني، وإن عملية التخلص من النفوذ الإيراني في سوريا وقطع العلاقة بين طهران ودمشق ستكون صعبة، يقول غرانوت، لكنها غير مستحيلة عندما يتعلق الأمر بالوسائل العسكرية فقط، كما أن الروس ليسوا متحمسين للنفوذ الإيراني، وكذلك النظام السوري المدين لطهران بنجاته ليس سعيدا بتحوله إلى رهينة لدى خامنئي. 
الحل بالنسبة لغرانوت قد يكون عبر الإغراء الاقتصادي، فسوريا التي لم تتعاف من الحرب الأهلية في حاجة إلى المليارات من أجل إعادة بنائها، وفقط استعداد الدول الغربية لتوفير هذه الأموال لها مقابل ابتعادها عن إيران مع استمرار فرض العقوبات الدولية على النظام الإيراني، قد يساهم في "شفاء الأسد من الطفرة الإيرانية" على حدّ تعبيره.